يبدو أن اتجاه التخلى عن العولمة يسير على قدم وساق، وخلال الأسبوع الماضى مرر مجلس النواب الأمريكى مشروع قانون من شأنه أن يحظر تطبيق “تيك توك” فى أمريكا ما لم يبيع مالكه الصينى تطبيق مشاركة الفيديو.
وبعد مرور 24 ساعة فقط، أشار الرئيس جو بايدن إلى معارضته للاستحواذ المقترح على شركة “يو إس ستيل” بقيمة 14.9 مليار دولار من قبل شركة “نيبون ستيل” اليابانية، قائلا إنه من الضرورى لثالث أكبر شركة لصناعة الصلب فى أمريكا أن تظل “مملوكة ومدارة محليًا”.
وقد تم تصوير كلتا الحركتين، بعبارات عامة، على أنهما مرتبطان بالأمن القومى، ويبدو الأمر أقرب إلى السياسة الانتخابية، وهناك على الأقل مبرر معقول فيما يخص تهديد “تيك توك” المملوك للصين لأمن الولايات المتحدة.
ويخشى المسئولون الأمريكيون منذ فترة طويلة أن تقوم بكين بتخريب التطبيق للتجسس على مستخدميها الأمريكيين البالغ عددهم 170 مليونًا، أو نشر الدعاية أو المعلومات المضللة.
وفشلت شركة “بايت دانس”، الصينية المالكة للتطبيق، فى إقناع واشنطن بأن تحركها لتأمين بيانات المستخدم الأمريكية على خوادم “أوراكل” الموجودة فى الولايات المتحدة هو أمر محكم.
لكن توجد حلول محتملة أخرى فيما يتعلق بالبيانات، فبوسع الولايات المتحدة، فى ظل الإرادة التشريعية، أن تفرض حظراً على جميع شركات التكنولوجيا، المحلية والأجنبية، من نقل البيانات إلى دول أجنبية.
لكن من الصعب التعامل مع المخاوف الدعائية، إذ يحصل الآن حوالى ثلث البالغين فى الولايات المتحدة، تحت سن 30 عامًا على الأخبار بانتظام من “تيك توك”، وفقًا لأبحاث “بيو ريسيرش”.
ولعل الحجم الهائل لمحتوى “تيك توك”، والتجارب الشخصية التى تقدمها الخوارزمية الخاصة بها، تجعل من الصعب تتبعها.
لقد فرضت الجهات التنظيمية فى الولايات المتحدة منذ فترة طويلة قيوداً على حصول الشركات المملوكة لأجانب على تراخيص البث التلفزيون، وفى الواقع، تحديث هذه القاعدة لوسائل التواصل الاجتماعى له بعض المنطق.
لكن على النقيض من ذلك، فإن ملكية اليابان لشركة “يو إس ستيل” لا تشكل تهديداً للأمن القومى بأى حال من الأحوال، فاليابان حليف قديم، ولدى الولايات المتحدة معها مصلحة مشتركة فى الحد من النفوذ الصينى.
ولا تتمتع الشركة بأى من حساسيات وسائل التواصل الاجتماعى عالية التقنية؛ كما أنها ليست موردًا مباشرًا للجيش.
وفى إثارة المخاوف بشأن الصفقة، لم يشر بايدن إلى الأمن القومى، وتحدث فقط عن الحاجة إلى الحفاظ على “شركات الصلب الأمريكية القوية التى يدعمها عمال الصلب الأمريكيون”، ولكن كرئيس سعى إلى توسيع المفهوم الأمنى ليشمل حماية القاعدة الصناعية الأمريكية.
ولا يشكل استحواذ شركة نيبون تهديداً على الاقتصاد الأميركى، ولكنه قد يؤدى إلى تعزيز، وقالت شركة صناعة الصلب اليابانية، إنها ستضخ الاستثمار فى شركة “يو إس ستيل” وتحدث تقنيتها.
ورغم أن المستحوذين عبر الحدود لا يلتزمون بوعودهم دائما، فقد تعهدت شركة نيبون بعدم نقل الإنتاج أو الوظائف الأمريكية إلى الخارج، واحترام اتفاقيات التفاوض الجماعى مع نقابة عمال الصلب المتحدة، لكن اتحاد العمال فضل عرضا سابقا وبسعر أقل من شركة أخرى لصناعة الصلب فى الولايات المتحدة، وهى “كليفلاند كليفس”، والذى يعتبره أكثر ملاءمة للنقابات.
ويقع المقر الرئيسى لشركة يو إس ستيل فى ولاية بنسلفانيا، وهى ولاية حيوية متأرجحة فى الانتخابات الرئاسية، وفى نوفمبر قال دونالد ترامب إنه سيعرقل صفقة نيبون، ما يشكل معضلة لبايدن.
من اللافت للنظر، من خلال قوله إنه سيوقع مشروع قانون “تيك توك” ليصبح قانونًا إذا أقره الكونجرس، أظهر بايدن نفسه على استعداد لاستعداء الملايين من مستخدمى “تيك توك” الأمريكيين، والشركات التى تعتمد عليه – ربما لأن مشروع القانون قد اجتذب دعمًا من الحزبين.
ومع ذلك، بالنسبة لشركة نيبون ستيل، يبدو أن الرئيس قد وضع الاعتبارات الانتخابية قصيرة المدى قبل المصالح الاقتصادية الحقيقية، وحتى لو كان البيت الأبيض، كما يظن البعض، يحاول فقط تأجيل صفقة نيبون إلى ما بعد نوفمبر، فإن مثل هذا التدخل قد يؤدى إلى ردع الاستثمار الأجنبى الحيوى.
علاوة على ذلك، روجت إدارة بايدن لسياسة “حشد الأصدقاء”، أو تركيز سلاسل التوريد على الحلفاء، ويجب أن يسير برنامج التحالف الخارجى فى كلا الاتجاهين، ولعل أفضل وسيلة لحماية مستقبل أمريكا الاقتصادى لا تتلخص فى التراجع على نطاق واسع عن العولمة، وهى تستخدم عبارات أمنية حكيمة ضد المنافسين عندما يتعين عليها ذلك، ولكن مع الاستمرار فى السماح بتكامل أعمق مع أصدقائها.