خفضت إندونيسيا مؤخراً أهدافها فى مجال الطاقة المتجددة، وهذا يسلط الضوء على التحديات التى تواجهها عملية إزالة الكربون فى جنوب شرق آسيا، مع تزايد المخاوف بشأن التضخم والتمويل فى مختلف أنحاء المنطقة، بدءًا من ماليزيا وحتى فيتنام.
وكشف مجلس الطاقة الوطنى الإندونيسى فى يناير عن خطة لتقليص الهدف الخاص بحصة مصادر الطاقة المتجددة فى مزيج الطاقة الأولية فى البلاد إلى ما بين 17% و19% خلال 2025، وبين 19% و21% بحلول 2030، مقارنة بالهدف الأصلى البالغ 23% الذى كان من المفترض أن يبدأ العام المقبل.
وبالرغم من تحديد هدف أكثر طموحًا يتمثل فى 70% من مصادر الطاقة المتجددة حتى 2060، جادل المسئولون التنفيذيون فى المجلس بأن الهدف الأصلى كان ببساطة بعيد المنال، خاصة أن الطاقة المتجددة تمثل حاليًا 13% فقط من مصادر الطاقة فى إندونيسيا.
قال معهد إصلاح الخدمات الأساسية، وهو مركز أبحاث إندونيسى، فى بيان صحفى، إن خفض هد الطاقة يشير إلى “التزام الحكومة الضعيف” بتحول الطاقة و”الاهتمام المتزايد بالحفاظ على الوقود الأحفورى”.
وذكرت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية، أن هناك قلق متزايد بشأن ارتفاع تكلفة التحول نحو مصادر أكثر صداقة للبيئة وراء هذا التراجع.
وقال نائب الرئيس القادم جبران راكابومينج، نجل الرئيس جوكو ويدودو، خلال مناظرة انتخابية فى يناير، إن “التحول نحو الطاقة الخضراء يجب أن يجرى بعناية فائقة.. لا ينبغى لنا أن نثقل كاهل الجمهور والفقراء بتكاليف البحث والتطوير والتحول باهظة الثمن”.
هذا التعليق أثار مخاوف بشأن “التضخم الأخضر”، الذى ينشأ عند التخلص من الوقود الأحفورى لصالح تكنولوجيات منخفضة الكربون أكثر تكلفة.
فى الوقت نفسه، قال نائب رئيس الوزراء الماليزى فضيلة يوسف، إن جهود تحول الطاقة فى ماليزيا قد تتعثر أيضًا بسبب التضخم الأخضر لأنها تعتمد على الأجزاء والمكونات المستوردة، والتى أصبحت أكثر تكلفة بسبب تراجع الرينجت.
شرعت ماليزيا فى إتباع نهج طموح نسبيًا لإزالة الكربون، حيث أطلقت 10 مشاريع رئيسية على طول خارطة الطريق الوطنية لتحول الطاقة والتى من المتوقع أن تولد استثمارات تقدر بأكثر من 25 مليار رينجت “5.5 مليار دولار” بحلول 2030.
ومع ذلك، يحذر فضيلة من أن تمويل التقنيات الخضراء قد يصبح أكثر صعوبة لأن المستثمرين “قد يكونون حذرين من المخاطر المرتبطة بالتقنيات الناشئة والتأثير المحتمل للتضخم الأخضر”.
قال وزير البيئة والتغير المناخى نيك نظمى، إن ماليزيا ستحتاج إلى استثمارات كبيرة فى الطاقة النظيفة وكفاءة الطاقة والبنية التحتية المستدامة للوصول إلى هدفها المتمثل فى خفض الانبعاثات الصفرية بحلول 2050.
ومع ذلك، “تدرك الوزارة أن ضعف العملة سيجعل استيراد التقنيات والمعدات والخبرات اللازمة لمشاريع إزالة الكربون واسعة النطاق أكثر تكلفة”، حسب ما أوضحه نظمى.
كذلك، أفاد براكاش شارما، نائب رئيس أبحاث السلع المتعددة بشركة استشارات الطاقة “وود ماكنزى”، إن “مخاوف التضخم الأخضر فى جنوب شرق آسيا حقيقية”، مشيراً إلى أن البيئة الكلية تغيرت بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وصرح لـ”نيكاى آسيان ريفيو”، بأن “ارتفاع تكلفة رأس المال، وضغوط سلسلة التوريد، وتضخم التكاليف أثرت على تكلفة تقنيات الطاقة المتجددة بشكل كبير”، مضيفًا أن الوضع يجعل التأخير فى استيعاب الطاقة المتجددة “أمر لا مفر منه”.
وأوضحت شركة “أكسفورد إيكونوميكس” فى تقرير صدر خلال فبراير، أن الاقتصادات الكبرى فى جنوب شرق آسيا ستعانى من ارتفاع تكاليف الطاقة فى المرحلة الأولية لإزالة الكربون، حيث تُفرض ضرائب الكربون على الوقود الأحفورى، بجانب ارتفاع أسعار المعادن مع زيادة الطلب على إنتاج السيارات الكهربائية والاستثمارات الخضراء الأخرى.
وفى سنغافورة، قالت “أكسفورد إيكونوميكس”، إن التكلفة الأولية لإزالة الكربون ستكون محدودة.
ومع ذلك، قالت الأمانة الوطنية لتغير المناخ إن سنغافورة تواجه قيودًا فى البحث عن مصادر الطاقة الخضراء، نظرًا لأن البصمة الصغيرة للدولة الجزيرة تمنعها من استغلال المصادر على نطاق أوسع.
كما ألزمت الحكومة الشهر الماضى جميع الرحلات الجوية المغادرة من البلاد باستخدام وقود الطيران المستدام بدءًا من 2026، رغم مخاوف من كونه أكثر تكلفة من وقود الطائرات التقليدى، مما قد يُكبد المسافرين تكاليف طيران أعلى.
وفى فيتنام، ارتفعت واردات الفحم السنوية بنسبة 217% فى يناير، رغم أن البلاد رائدة فى جنوب شرق آسيا من حيث قدرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتى تزيد علي 19 جيجاوات، أى أكثر من ضعف قدرة بقية المنطقة.
وتعد منطقة جنوب شرق آسيا واحدة من أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ، فهى تواجه ارتفاع منسوب مياه البحر والفيضانات والأعاصير المدارية وموجات الحرارة والجفاف.
ومع ذلك، على الرغم من تعهدات الحكومة بخفض استهلاك الكربون إلى الصفر والسياسات الرئيسية مثل خطط دعم السيارات الكهربائية التى أطلقتها حكومة تايلاند، كانت الدول بطيئة للغاية فى التحول إلى الطاقة المتجددة.