تشهد سوق التجارة غير المشروعة، والتى لا تقتصر على سلعة معينة بعينها، وتشمل أنواع مختلفة منها بما فى ذلك السجائر التى تعتبر الأكثر عرضة للتهريب، ازدهاراً كبيراً فى أنحاء العالم دون استثناء؛ إذ يتم الحصول على ما تصل نسبته إلى 12% من إجمالى مبيعاتها باستثناء الصين من السوق السوداء.
وينعكس ازدهار تهريب منتجات التبغ التقليدية – والتى تكون عادة مقلدة أو مزيفة، فضلاً عن كونها غير خاضعة لأية فحصوصات مخبرية أو فنية، وهو ما يعنى الكثير من الأمراض المرتبطة بالتدخين بنسب أعلى؛ بالنظر لكون هذه المنتجات غير آمنة للاستهلاك وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس – بالسلب على جهود مكافحة التدخين والحد من انتشاره بين أوساط الشباب، والمرتكزة على سياسة الحد من الضرر مع المنتجات البديلة المثبتة علمياً، التى يتم منعها أو تشديد القوانين عليها فى الكثير من الأسواق بما يخلق أسواقاً موازية، علماً بأنها تواصل شق طريقها فى أسواق منفتحة على السياسة المبتكرة نحو المساهمة فى الوصول بالمدخنين البالغين للإقلاع التام عن استهلاك التبغ خلال 6 أشهر فقط من التحول إليها، أو منحهم على أقل تقدير بديلاً قد يكون أقل ضرراً بالمقارنة مع السجائر التقليدية الخاضعة للتنظيم.
المعطيات والأرقام شواهد؛ فوفقاً لدراسة جديدة أجرتها شركة نيلسن، فإن تهريب السجائر ارتفع بنسبة 92.1% مقابل 87.9% فى الربع الثالث من العام 2021، 79.9% فى الربع الرابع من نفس العام، وهو ما يشير لحجم التأثيرات السلبية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية التى يمكن للعقل تصورها، والمتراوحة بين الإضرار بالاستثمارات، وزيادة الفرص الضريبية المفقودة، وفتح الباب للجرائم المنظمة بما فيها العابرة للحدود، فضلاً عن انتهاك حقوق الإنسان والتلاعب بصحته مع مركبات المنتجات المهربة المضرة أو غير المعروفة التى تقف وراء مزيد من المشكلات الصحية، والتى تتطلب وقفة عاجلة من أجل مكافحة آفة التجارة غير المشروعة فى منتجات التبغ بمختلف أشكالها وفئاتها.
هذه الأرقام والتحديات، يقابلها واقع مغاير فى بريطانيا على سبيل المثال، وهو الذى يوصف بالواعد؛ حيث استطاعت السيطرة على تجارة التبغ غير المشروعة، وذلك بعد أن أدركت مدى الارتباط الوثيق بين العرض والطلب، فى الوقت الذى بدأت فيه بتبنى سياسة الحد من الضرر.
لقد كانت المملكة المتحدة فى التسعينيات تشهد ارتفاعاً بمستويات عالية من التجارة غير المشروعة، فكانت ما نسبته 21% من السجائر فيها مهربة، لكن مع الإجراءات الصارمة وتدابير الحوكمة والإنفاذ القوية التى اتخذتها ضد شبكات التهريب بالتعاون والتنسيق على المستوى الأوروبى وبتفعيل بروتوكول تجارة التبغ غير المشروعة على نطاق أوسع وأشمل، والتى ترافقت مع العديد من المبادرات التى أتاحت معها البدائل المنظمة من المنتجات غير القابلة للحرق، كما حفزت على التحول إليها، فقد استطاعت زيادة إيراداتها الضريبية مع الحد من انتشار التدخين حتى فى ظل عدم القضاء على التهريب بشكل نهائى مع تقليصها لحدود كبيرة لاحقاً.
وتشير التوقعات بحسب وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية فى المملكة المتحدة، لانخفاض نسب الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين إلى النصف فى جراء تطبيق مبادرات الحكومة البريطانية، والتى كان من آخرها تزويد مليون مدخن تقليدى بالمجان بمجموعة من أدوات التدخين الإلكترونى لتحفيزهم على التحول إلى البدائل.
هذا وقد شكلت التجربة البريطانية نموذجاً يجب أن يحتذى به فى إعطاء الأولوية للجهود الرامية إلى الحد من التجارة غير المشروعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، الأمر الذى بات ممكناً على نحو أكبر من ذى قبل بفضل الابتكار المبنى على التكنولوجيا والذى من شأنه تقديم بدائل أقل ضرراً، على أن يتم النظر بالقوانين الخاصة بها، وهو ما يتطلب العمل بتشاركية بين الحكومات والصناعات المختلفة والمشرعين والخبراء فى كل المجالات ذات العلاقة.