توافر السيولة بالعملة الأجنبية يفسح المجال أمام الإقراض.. لكن الفائدة المرتفعة تضع تحديات
رغم أن البنوك كان من بين القطاعات المستفيدة من الأزمة من حيث تحقيق الأرباح فى ظل أن تسعير الفائدة على أصولها يتأثر أسرع من تسعير التزاماتها، لكنها تواجه الآن حقيقة أن أسعار الفائدة الحالية لا تناسب المقترضين، إضافة إلى تراجع معدلات كفاية رأس المال مع تحرير العملة.
وقال مدير خزانة فى بنك حكومى “البنوك تواجه تحديات على مستوى التوظيف فى ظل صعوبة الإقراض خاصة مع المنافسة الشرسة مع الأجانب فى سوق الدين المحلى”.
أضاف أن التوظيف لدى البنك المركزى خيار دائمًا لكن البنوك ترغب فى ممارسة دورها فى الإقراض وتهتم بالنمو الحقيقى لأصولها ومعظم الإدارات لا تهتم كثيرًا بالنمو الناجم عن فرق سعر الصرف فى القروض بالعملة الأجنبية.
ورغم نمو صافى ربح البنوك خلال العام الماضى نحو 116% وتخطيها 283 مليار جنيه، لكن العائد على متوسط الأصول استقر عند 1.2%.
وسجلت الأصول 14.2 تريليون جنيه ديسمبر الماضى مقابل 11.3 تريليون جنيه بنهاية 2022، فيما ارتفع العائد على متوسط حقوق الملكية إلى 17.7% بنهاية ديسمبر مقابل 16.1% بنهاية 2022.
نمو القروض
وخلال مارس الماضى قرر البنك المركزى تحرير سعر الصرف فى خطوة أفقدت الجنيه أكثر من 36% من قيمته، ورفع الفائدة 6% دفعة واحدة.
وتوقع تقرير صادر عن مجموعة “إنتيسا سان باولو”، انخفاض نمو قروض القطاع الخاص فى 2024 فى ظل أن التشديد النقدى قد ينتج عنه انكماش قصير الأجل فى الائتمان الحقيقى، وفق البنك المركزى. أضاف أنه بالتبعية فإن الودائع الخاصة قد تتباطأ عن وتيرتها فى 2023.
وتوقع نمو القروض 18% خلال العام الحالى على أن تتباطأ إلى 13.6% فى 2025، فيما رجح نمو الودائع 15% تنخفض إلى 11% العام المقبل، نتيجة أثر خفض قيمة الجنيه.
وفى تقرير لمجلة “ذا بانكر” عن عودة السيولة الأجنبية ودعمها للقطاع المصرفى، ذكر التقرير أن زيادة سيولة النقد الأجنبى ستوفر مساحة أكبر للإقراض، لكن من المتوقع أن يتقيد نمو الائتمان بارتفاع أسعار الفائدة، والتى على الرغم من احتمال انخفاضها اعتبارًا من عام 2025 فصاعدا، من المقرر أن تظل عند مستويات مرتفعة لبعض الوقت فى المستقبل.
وقال محمد عبد القادر، المدير الإقليمى لسيتى بنك فى مصر، إن شهادات الإيداع لمدة ثلاث سنوات التى أصدرتها البنوك الحكومية فى الأسابيع الأخيرة التى يتناقص عائدها مع مرور السنوات، والموجهة نحو المستثمرين الأفراد، يشير تسعيرها إلى كيفية رؤية البنك المركزى لمسار أسعار الفائدة مستقبلاً.
وأضاف أن سعر الفائدة المرتفع هى مرحلة مؤقتة لمعالجة التضخم، وسيكون هناك ضغط على الشركات فى عام 2024، لكن التوقعات لعام 2025 أكثر إيجابية.
عجز صافى الأصول الأجنبية للبنك المركزى ينخفض لأدنى مستوى فى عامين
وقال منصف مرسى، الرئيس المشارك للأبحاث فى شركة سى آى كابيتال فى القاهرة إن نمو حجم القروض من المتوقع أن يتباطأ فى عام 2024، وسيكون إقراض الأفراد هو الأكثر تأثرا.
وتابع : “سيؤدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى ارتفاع صافى هامشها، الأمر الذى سيعزز الربحية، ولكن فى الوقت نفسه، سيتباطأ نمو الإقراض حتما فى جميع المجالات”.
وأضاف أن النظرة المستقبلية لإقراض الشركات أقل تشاؤماً، وحتى بالنسبة لسوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن الصورة ليست متشائمة تمامًا، حيث أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هى الأكثر عرضة دائما للأحداث الكلية الكبرى، لذلك من المرجح أن تكون من بين الأكثر تضررا على المدى القصير.
وأوضح أنه رغم ارتفاع تكاليف الاقتراض، فإن زيادة توافر النقد الأجنبى فى البنوك، بسعر أرخص مما كان متاحًا فى السابق فى السوق الموازية، قد يؤدى إلى تعزيز إقراض الشركات.
وأضاف أن هذا الاتجاه سيصبح أكثر وضوحًا فى عام 2025 بالنسبة للبنوك الخاصة إذا استمر المسار الاقتصادى الإيجابى فى مصر.
وتابع أنه حتى وقت قريب، اضطرت الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى الاعتماد على السوق الموازية للحصول على العملة الأجنبية بأسعار عالية، وينبغى أن يكون لتوافرها حالياً فى البنوك تأثير إيجابى عام على السوق، بما فى ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وذكر أن هناك آمالا كبيرة فى أن يؤدى مشروع رأس الحكمة وغيره من المشاريع المماثلة إلى زيادة تحفيز النشاط فى القطاع الخاص المصرى، الذى ظل ضعيفاً لعدة سنوات فى مواجهة ضعف النمو فى الاقتصاد الأوسع، وزيادة مزاحمة مشغلى القطاع الخاص من قبل عدد متزايد من الشركات الحكومية.
49% نموًا فى أرباح “قطر الوطنى الأهلى” الربع الأول من 2024
وقالت إيلينا سانشيز كابيزودو، رئيسة أبحاث الأسهم المالية فى المجموعة المالية-هيرميس، إن توقع انخفاض التضخم بعد عام 2024، وتوافر العملة الأجنبية بالبنوك، واستعادة الشركات ثقتها، مؤشر جيد لتحسن القروض الاستثمارية والتغيير فى أصول البنوك كالبنك التجارى الدولى.
وتابعت : “ستستفيد البنوك من أى زيادة فى استثمارات القطاع الخاص ضمن الاقتصاد الأوسع الذى ستفتحه الصفقات الأخيرة كصفقة رأس الحكمة، والذى ظل ضعيفًا للغاية لعدد من السنوات”.
وأضافت أن مشروع رأس الحكمة سيخلق فرص عمل وسيمول المقاولين الذين سيعملون فى المشروع، على الرغم من أن هذا قد يكون له تأثير أكبر فى عام 2025 منه فى عام 2024.
وبنهاية العام الماضى وصل إجمالى أرصدة الإقراض 5.4 تريليون مقابل 4.09 تريليون جنيه نهاية 2022، فيما ارتفعت الودائع إلى 10.1 تريليون جنيه مقابل 8.5 تريليون جنيه.
وارتفعت نسبة القروض للودائع بالعملة الأجنبية إلى 84% فى ديسمبر الماضى مقابل 66.8% فى ديسمبر 2022، بينما زادت نسبة القروض للودائع بالعملة المحلية إلى 47.1% مقابل 44%.
وترى وكالة “فيتش” للتصنيف الائتمانى أن تحسن السيولة بالعملة الأجنبية يدعم نمو الإقراض فى البنوك وأداء الائتمان بصفة عامة، فى ظل أن الشركات كانت تعانى بالفعل من ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص السيولة منذ 2022.
وأشارت إلى أن المخاطر بشأن جودة الأصول فى البنوك مُحتواة إلى حد كبير مع انخفاض حصة القروض بالعملة الأجنبية.
وتراجعت نسبة القروض غير المنتظمة لإجمالى القروض بنهاية 2023 إلى 3% مقابل 3.4% فى ديسمبر 2022، و3.3% بنهاية سبتمبر.
فيما ارتفعت نسبة المخصصات إلى القروض غير المنتظمة 0.1%، لتصل إلى 88.7% فى ديسمبر الماضى، مُتراجعة على أساس سنوى إذ سجلت 91.6% بديسمبر 2022.
وتوقعت أن يدعم ارتفاع فائدة أذون وسندات الخزانة بعد زيادة الفائدة 6% أرباح البنوك والقدرة على توليد رأس المال.
كفاية رأس المال وجودة الأصول
لكن “فيتش” ذكرت أن القواعد الرأسمالية للبنوك تبقى حساسة تجاه خفض الجنيه، خاصة الشريحة الأولى من رأس المال، والتى تراجعت نحو 1.4% حينما تم تخفيض الجنيه 40% فى 2022.
وقدرت أن كل 10% خفض فى الجنيه تؤدى لتراجع كفاية رأس المال نحو 0.3% فى البنوك التى تقيمها.
وقالت إنه بناء على ذلك فإن كفاية رأس المال للبنوك الخاصة تراجعت بعد التعويم لكنها مازالت تحتفظ بمستويات أعلى بشكل مقبول من الحدود الرقابية الدُنيا.
وأشارت إلى أن بنكى مصر والأهلى حققا تحسنا ملحوظا فى مستوى ربحيتهما خلال أول 9 أشهر من 2023 ما يمكنهما من تدعيم قواعدهما الرأسمالية، التى تضررت عقب خفض الجنيه، لكن ستظل أعلى من الحدود الرقابية.
وبنهاية 2023، بلغ معدل كفاية رأس المال 18.6% مقابل 18.1% فى سبتمبر الماضى، و19% فى 2022.
وتراجعت نسبة القروض المقدمة للقطاع الخاص لإجمالى قروض العملاء، إلى 51.9% فى ديسمبر الماضى مقابل 56% فى ديسمبر 2022.
وقالت وكالة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتمانى، إن الانخفاض فى قيمة الجنيه سيؤثر على القواعد الرأسمالية للبنوك بشكل مباشر، حيث أن 19% من الأصول بالعملة الأجنبية بنهاية 2023 وفق حساباتهم.
وقدرت أن ذلك يخفض ما بين 300 إلى 400 نقطة أساس من كفاية رأس المال، كما أن رفع الفائدة سيكون له أثر على تكلفة الأموال مع طرح البنوك شهادات مرتفعة العائد، بصورة قد تؤثر على صافى هامش الفائدة.
وتوقعت أن تظل خسائر القروض مرتفعة خلال السنوات المقبلة، وأن تظل الأوضاع الاقتصادية فى مصر صعبة، مع نمو الناتج المحلى 3% فقط فى العام المالى الحالى فى ظل التشديد النقدى ورفع الفائدة الذى أعقب فترة عدم توافر النقد الأجنبى، لكنها رجحت تعافى النمو إلى 3.8% فى 2025.
وقالت إن مراجعة البنك المركزى لسياسة التشديد النقدى ستحتاج وقتا لترويض التضخم، وتوقعت أن يسجل التضخم فى مصر 32% فى 2024 و22% فى 2025، وبناء على ذلك رجحت تآكل الجدارة الائتمانية للمقترض وارتفاع خسائر الائتمان إلى 1.8% فى المتوسط خلال 2024 و2025.
وقالت إن معدل القروض غير المنتظمة قد يصل إلى 4% من إجمالى القروض بحلول 2025.
وذكرت أن معظم التدفقات بالعملة الأجنبية سيتم توجيهها لدعم الاحتياطى فى البنك المركزى ما يعنى أن مركز صافى الأصول الأجنبية لدى البنوك سيتحسن تدريجيًا.