الطاقة الشمسية والرياح أنتجتا 27% من كهرباء الاتحاد العام الماضي
لم تنته أزمة الطاقة التي كان الأوروبيون يخشونها قبل عامين من الشتاء بعد، وذلك بفضل مجموعة من التدخلات غير المسبوقة في سياسة الطاقة وخفض الطلب والحظ السعيد.
وفيما يتعلق بمستويات التخزين والأسعار، تقول آن صوفي كوربو، خبيرة الأبحاث العالمية في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: “نحن الآن في وضع أفضل بكثير مما كنت أعتقد قبل ثلاثة أعوام”.
لكن هذا لا يعني أن أوروبا تعيش في وضع آمن، فربما تكون الاستجابة قصيرة المدى للأزمة قد خلفت مشاكل أكبر للكتلة في المستقبل، مثل الاعتماد الكبير على أسواق الغاز الطبيعي المسال المتقلبة تاريخياً مع ما يترتب على ذلك من آثار على القدرة التنافسية الصناعية والتحول الأخضر.
وسيكون من الصعب الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في اتفاقيات باريس للمناخ لعام 2015 عندما يكون هناك “عدد كبير من محطات توليد الطاقة بالغاز التي ليس لها تاريخ للتقاعد”، كما يقول ألكساندرو موستاش، الناشط في مؤسسة “بيوند للوقود الأحفوري”.
وتابع موستاش: “نحن في مرحلة تفتقر لكثير من الوضوح في جميع أنحاء أوروبا”.
بعد أربعة أيام من شن فلاديمير بوتن حربه على أوكرانيا، اجتمع وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي لمناقشة الأضرار الجسيمة التي ألحقتها روسيا بالبنية الأساسية للطاقة في أوكرانيا والمخاطر التي تهدد إمدادات الطاقة في بلادهم.
يتذكر أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي السيناريوهات التي طُرحت على خريطة كبيرة لأوروبا في مكاتب المفوضية الأوروبية في بروكسل، قائلاً “كان السؤال هو هل يمكننا إبقاء المصابيح مضاءة؟ هل يمكننا تدفئة المنازل؟ هل يمكننا الحفاظ على استمرارية هذه الصناعة؟”.
أوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن إمدادات الغاز كانت مصدر قلق كبير، فبالإضافة إلى تدفئة ملايين المنازل، يعد الغاز الطبيعي أيضًا أساسيًا لقطاعي الأسمدة والبتروكيماويات، وفي الصناعات الثقيلة مثل صناعة الصلب.
ويحدد سعر الجملة ما يدفعه الناس مقابل فواتيرهم للطاقة.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي على الواردات، إما عبر خطوط الأنابيب أو شحنات الغاز الطبيعي المسال، في نحو 90% من إمداداته.
قبل الحرب، كانت التدفقات عبر أربعة خطوط أنابيب رئيسية من روسيا تمثل نحو 40% من إجمالي إمدادات الاتحاد الأوروبي.
وحتى قبل بدء حرب أوكرانيا، بدأت موسكو في استغلال هذا الوضع المهيمن، إذ قطعت الإمدادات إلى الاتحاد الأوروبي بشكل استراتيجي وحدت من كمية الغاز المخزنة، وبالتالي خرج الاتحاد الأوروبي من موسم الغاز الشتوي في نهاية مارس 2021 بأدنى مستويات تخزين منذ ثلاثة أعوام بعد شتاء بارد طويل.
الولايات المتحدة أصبحت أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال وغطت نصف الإمدادات
وتسارعت المخاوف بشأن قلة الإمدادات وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي مع بدء روسيا في إرسال كميات أقل من الغاز إلى أوروبا، في ما كان يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره تكتيك للضغط على ألمانيا وبروكسل للموافقة على بدء تشغيل خط أنابيب الغاز المثير للجدل “نورد ستريم 2”.
وبعد الغزو الروسي في فبراير 2022، خفضت إمدادات خطوط الأنابيب بشكل أعمق من ذي قبل، في محاولة للضغط على الحكومات لتقليل دعمها لكييف.
في أغسطس من ذلك العام، ارتفع سعر معيار الغاز في أوروبا إلى ما يتجاوز 340 يورو لكل ميجاوات في الساعة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
ولكن بعد العاصفة جاء الهدوء المفاجئ، إذ تراجعت أسعار الغاز الطبيعي مجددًا إلى مستويات ما قبل الأزمة، لتصبح الكتلة الآن في وضع أفضل بكثير للخروج من أزمة الطاقة.
ويعتقد أموند فيك، وزير الدولة النرويجي السابق للطاقة أن أوروبا استفادت من بعض الحظوظ المذهلة التي أوصلتها لحالة الاستقرار النسبي بهذه السرعة.
العامل الجيد الأول كان يتمثل في الطقس.. فمع تفاقم الأزمة في 2022، شعر المحللون والتجار بالقلق من استنزاف الشتاء البارد لاحتياطيات الغاز في الكتلة والتسبب في ارتفاع أسعار الغاز بشكل كبير.
ومع ذلك، شهد الاتحاد الأوروبي درجات حرارة شتاء أكثر دفئًا بنسبة 5% من المتوسط التاريخي لعشرة أعوام في الفترة 2022-2023، وأكثر دفئًا بنسبة 9% في الفترة 2023-2024، وفقًا لشركة البيانات الأمريكية “ماكسار”.
ثانياً، أدى تباطؤ النشاط الاقتصادي في الصين، الذي يرجع جزئياً إلى الإغلاق المرتبط بالوباء، إلى انخفاض استهلاك الغاز الطبيعي في 2022 للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود.
يذكر أن واردات الغاز الطبيعي المسال إلى البلاد انخفضت بنسبة 20% اعتبارا من 2021.
ولمواجهة النقص المتوقع في إمدادات الطاقة، سرع الاتحاد الأوروبي أيضًا وتيرة إطلاق الطاقة المتجددة، فقد أنتجت طاقة الرياح والطاقة الشمسية معًا 27% من كهرباء الاتحاد الأوروبي في 2023، أي أكثر من الربع للمرة الأولى، وهذا سمح للاتحاد الأوروبي بتوفير ما يتراوح بين 15 و17 مليار متر مكعب من الغاز.
تظهر بيانات الانبعاثات على مستوى الاتحاد الأوروبي المنشورة مؤخرًا أن الكتلة خفضت الانبعاثات بنسبة قياسية بلغت 15.5% على أساس سنوي في 2023.
جاءت نحو نصف إمدادات العام الماضي من الولايات المتحدة، التي أصبحت الآن أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بعد طفرة البترول الصخري، كما حصلت الكتلة أيضًا على كميات كبيرة من قطر، ثالث أكبر مصدر.
لكن من العجيب أيضًا أن واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال الروسي ارتفعت خلال هذه الفترة.
ومع ذلك، تجري الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حاليًا مناقشات مع المفوضية الأوروبية حول ما إذا كان من الممكن وضع الغاز الطبيعي المسال الروسي تحت العقوبات، وكيف.