رغم حل أزمة العملة فى مصر، وتحسن المؤشرات المتعلقة بتوافرها مع تلقى البلاد نحو 24 مليار دولار سيولة نقدية من صفقة رأس الحكمة، بخلاف تدفق استثمارات المحافظ المالية، فإنَّ الحكومة فاجأت الأسواق باستئناف العمل بخطة تخفيف أحمال الكهرباء.
ويوفر قطع الكهرباء سنوياً نحو مليار دولار بحسب المتحدث باسم مجلس الوزراء، محمد الحمصانى، وذلك قد يكون جزئياً نتيجة تراجع إنتاج الغاز فى مصر الذى وصل خلال فبراير الماضى لأدنى مستوى شهرى فى 6 سنوات، ما يدفع الحكومة للتعاقد على شحنات من الغاز المسال لسد الاحتياجات.
ويخفض قطع الكهرباء أيضاً الدعم الذى بلغ قبل تحرير سعر الصرف 70 مليار جنيه سنوياً، وفى حكم المؤكد بات بعد تحرير سعر الصرف أعلى حتى رغم تثبيت سعر المليون وحدة حرارية عند 3 دولارات ويخفف من حدة التشابكات المالية، وهو ما أوضحه الرئيس السيسى فى مؤتمر صحفى سابقاً.
لكن الوجه الآخر للأزمة هو أن التكلفة الاقتصادية قد تكون أكبر من المكاسب المالية، وتؤثر على مستهدفات الدولة فى جذب الاستثمارات.
«المهدى»: قد يؤثر على مستهدفات جذب الاستثمار عند المقارنة بالدول الأخرى
وقالت الدكتورة عالية المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الأسبق، إنه يجب الوقوف على الآثار الاقتصادية المترتبة على تخفيف الأحمال، والتحقق أن الوفر من تقليل استيراد الغاز يستحق.
وأضافت «المهدى»، أنه يجب إعداد دراسة مفصلة، خاصة أن تخفيف الأحمال قد يعطل فرصاً استثمارية تفاضل بين السوق المصرى وأسواق أخرى منافسة.
وأوضحت أنه حتى لو كانت التكلفة الاقتصادية لقطع الكهرباء أقل من الوفر، فإنه لا يجب تجاهل الغضب الناتج عن سياسة تخفيف الأحمال.
«متولى»: قطع الكهرباء يؤثر على جميع القطاعات والفئات.. وعزز تباطؤ النمو
ويرى على متولى، محلل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى إحدى شركات الاستشارات فى لندن، أن الأزمة تصل إلى جميع القطاعات والفئات.
أوضح أنه بالنسبة لقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة يحدث تعطيل مباشر لعمليات التصنيع؛ بسبب توقف عمل الماكينات وخطوط التجميع، ما يؤثر على جداول الإنتاج، وبالتالى حدوث عدم التزام بالمواعيد النهائية للتسليم ومن ثم يؤثر على المعروض من بعض المنتجات، خاصة لو كانت مدة الانقطاع طويلة.
وذكر أن الشركات تتكبد أيضاً ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير فيتم دفع أجور العمال وهم متوقفون عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء وتحتاج ساعات عمل إضافية لبعض العمال، بالإضافة إلى أن تشغيل الماكينات سيكون مكلفاً؛ لأن تكرار قطع الكهرباء من المحتمل أن يسبب ارتفاع الطلبات على الصيانة خشية من حدوث بعض الأعطال.
«حمدى»: التأثير على الإنتاجية لن يكون كبيراً لضعف الطلب فى الوقت الحالى
فيما قلل هشام حمدى، المحلل المالى بشركة النعيم، من تأثير الأزمة فى ظل ضعف الطلب وتخفيض الشركات فعلياً لمستويات الإنتاج.
وذكر أنه عبر التواصل مع بعض الشركات المالية والمصانع أفاد الكثير منهم باعتمادهم على المولدات الكهربائية، بجانب أن التجمعات الصناعية بالفعل مستثناة من جدول تخفيف الأحمال.
أوضح: لذلك فإنَّ المتضررين فقط هم أصحاب الصناعات الصغيرة والمتوسطة المتخذين من المناطق السكنية مقراً لصناعتهم وبالتالى يعاملون معاملة المستهلكين.
ويرى «متولى»، أن هناك تأثيرات سلبية على قطاع الاتصالات، فبالإضافة إلى أن سرعة الإنترنت بطيئة فى الطبيعى فانقطاع الكهرباء يمكن أن يؤدى إلى تعطيل الشبكات، وانقطاع مكالمات وتعطيل السيستم.
ويرى «متولى»، أن خسائر تخفيف الأحمال لن تقتصر على زيادة التكاليف، لكن قد تمتد إلى مناخ الاستثمار، وقد يكون لها تداعيات على النمو.
وتباطأ نمو الاقتصاد المصرى خلال الربع الثانى من 2024-2023 إلى 2.3% من 2.65% خلال الربع الأول من العام المالى و3.9% فى الربع نفسه من العام المالى الماضى، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط التى نقلتها المصرى اليوم.
وأعلنت الحكومة منذ بداية النصف الثانى من العام الماضى تطبيق خطة تخفيف الأحمال عبر قطع التيار الكهربائى لمدة ساعتين يومياً فى معظم أنحاء البلاد عدا المدن السياحية، والصناعية، بسبب ارتفاع الاستهلاك نتيجة الارتفاع الشديد فى درجة الحرارة.
وبحسب دراسة للبنك الدولى على الشركات الصغيرة والمتوسطة فى غانا فإن الشركات شهدت انخفاضاً فى الإنتاجية نتيجة نقص الكهرباء، وكانت خسائر الإنتاجية كبيرة.
وأفادت الشركات فى العينة بوجود متوسط 10 أيام بدون كهرباء فى أفضل شهور العام، وأن تقليل الأيام إلى 0 بما يتماشى مع الأوضاع فى الأسواق المتقدمة يمكن أن يؤدى إلى زيادة بنحو 10% فى إنتاجية العامل وإجمالى إنتاجية عوامل الإنتاج.
وتوضح الدراسة أن الاستراتيجيات الأكثر شيوعاً التى تستخدمها الشركات تشمل استخدام مولد، والتحول إلى منتجات أقل استهلاكاً للكهرباء، وتغيير أوقات الإنتاج، لكن تلك الاستراتيجيات لا تقدم حماية كاملة من آثار قطع الكهرباء.
وتشير إلى أن تغيير مزيج منتجاتها لصالح المنتجات الأقل استهلاكاً للكهرباء يسمح للشركات بتقليل خسائر الإنتاجية الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائى.
وأظهرت نتائج دراسة أجراها فيشر فاندن ووانج فى 2015 على الشركات الكبيرة فى الصين، أنه استجابة للنقص، تحولت شركات التصنيع فى الصين من إنتاج السلع الوسيطة محلياً إلى شرائها ولم تتعرض لخسائر كبيرة فى الإنتاجية.
وذكرت أن قدرة الشركات الصغيرة قد تكون محدودة على استخدام المولدات بكفاءة للتأمين ضد انقطاع التيار الكهربائى بسبب وفورات الحجم الكبيرة فى استخدام المولدات؛ نظراً إلى تكاليفها الثابتة المرتفعة نسبياً.
وقالت الدراسة إن بعض الشركات الصغيرة تعمل على زيادة العمالة، التى تعمل كبديل للمعدات الكهربائية، أثناء انقطاع التيار الكهربائى وتجنب خسائر الإنتاج.