يواجه اقتصاد بريطانيا سلسلة متصلة من التحديات المفصلية، في خطٍ متوازٍ مع أوضاع اقتصادية عرضه لمزيدٍ من الضغوطات، وبما ينعكس على القطاعات كافة، بما في ذلك القطاعات الأكثر اتصالاً بمعيشة الناس وحياتهم اليومية بشكل مباشر، ومنها القطاع الإسكاني.
في هذا السياق، ارتفع متوسط الإيجارات الخاصة في المملكة المتحدة إلى مستويات قياسية، وذلك مع نمو الإيجار السنوي في عديد من المواقع الساخنة خارج العاصمة مثل ريدينغ وكوفنتري غرب البلاد بنسبة 20 بالمئة تقريباً، بحسب تقرير لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
وتظهر بيانات موقع العقارات Rightmove، أن متوسط الإيجار المعلن عنه خارج لندن ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 1291 جنيهاً إسترلينياً شهرياً في الربع الأول من العام 2024، وهذا أعلى بنسبة 8.5% عن العام السابق، وهو معدل نمو يفوق التضخم بكثير.
كما وصل الإيجار النموذجي في لندن إلى مستوى جديد بلغ 2633 جنيهاً إسترلينياً، مع ارتفاع المتوسط في العاصمة بنسبة 5.3% عما كان عليه قبل 12 شهراً.
وتخفي الأرقام الإجمالية اختلافات إقليمية واسعة، مع ارتفاع الأسعار بأكثر من ضعف المتوسط الوطني في بعض المناطق.
بريطانيا توشك على خفض حصتها في “ناتويست” إلى 10%
وواصلت “والتون أون تيمز” تصدر القائمة، حيث بلغ نمو الإيجار السنوي 34.6%، وفقاً لشركة Rightmove، في حين بلغت الأرقام في “كوفنتري وريدينج” 19.5%، و19.1% على التوالي.
تشمل المناطق الأخرى التي سجلت نمواً بالأسعار يتراوح بين 17% و19%، بوتل في مرزيسايد، وهيرتفورد في هيرتفوردشاير، وساوثهامبتون، واتفورد في هيرتفوردشاير، وبيزلي في رينفروشاير.
زيادة الطلب
من لندن، يقول الخبير العقاري، جوناثان رولاند، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن سوق العقارات في بريطانيا تواجه حالة من “الطلب الهائل” مقابل وحدات عقارية متناقصة، مرجعاً السبب الرئيسي إلى تناقص المعروض من العقارات إلى “طغيان أسلوب التأجير على المدى القصير”.
وأضاف: “قام عديد من الملاك بطرح وحداتهم بآلية الإيجار القصير لأسباب مختلفة؛ أهمها السعي لتحقيق فائض مالي في ظل وصول السوق إلى الذروة في هذه المرحلة، علاوة على رغبة البعض الآخر في تجنب المتطلبات الضريبية والقانونية الجديدة”.
وأوضح أن الطلب في السوق البريطانية مرتفع بسبب عدة عوامل؛ من بينها النمو السكاني وارتفاع أسعار الفائدة على الاقتراض لشراء منزل جديد، علاوة على حالة عدم اليقين عموماً في السوق، إضافة إلى عوامل مثل عدم مواكبة الأجور لتضخم أسعار المنازل الجديدة، وكذلك التغيرات الاجتماعية مثل بقاء الشباب عازبين لفترة أطول وإنجاب الأطفال في وقت لاحق.
ويؤكد الخبير العقاري، أنه عندما يكون الطلب مرتفعاً والعرض منخفضاً، فمن المؤكد أن ترتفع الإيجارات.
ويستطرد: “لقد تباطأت الوتيرة مع وصولنا إلى ذروة القدرة على تحمل التكاليف، ولكن يبدو أن السوق العقارية في بريطانيا مستعدة لمواصلة الصعود رغم ذلك”.
تباطؤ محتمل
يتسق حديث الخبير العقاري، مع ما نقله تقرير الصحيفة البريطانية عن Rightmove، من جهة الإشارة إلى أنه في حين أن الإيجارات الخاصة النموذجية المعلن عنها للعقارات الجديدة القادمة إلى السوق تستمر في تسجيل أرقام قياسية جديدة، فإن الوتيرة الإجمالية لنمو الإيجارات سوف تستمر بعد ذلك في التباطؤ.
وثمة أدلة على أن المزيد من أصحاب العقارات اضطروا إلى خفض قيمة الإيجار المعلن عنه في البداية من أجل تلبية مستوى القدرة على تحمل التكاليف في سوقهم المحلية.
وقالت Rightmove، إنه في حين أن التباطؤ في وتيرة نمو الإيجارات سيكون موضع ترحيب من قبل المستأجرين، إلا أن سوق الإيجار الخاص لا يزال “مشغولاً للغاية”، في إشارة لقلة المعروض.
وتشير التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى ما يقرب من 50 ألف عقار مستأجر فقط لإعادة العرض إلى مستويات ما قبل الوباء.
وتم إلقاء اللوم في ارتفاع الإيجارات إلى حد ما على الطلب الذي يفوق العرض بشكل كبير، وتفاقم الأمر بسبب أصحاب العقارات الذين يشترون الرهن العقاري من أجل التأجير ويحاولون تمرير الزيادات الكبيرة في تكاليفهم الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة.
ونقل تقرير “الجارديان” عن مدير قسم علوم العقارات في Rightmove ، تيم بانيستر: “لم تعد سوق الإيجارات في ذروة نقطة الغليان، لكنها لا تزال في حالة غليان شديد الحرارة.. بالنظر إلى البيانات عبر السوق بأكمله، يمكننا أن نرى بعض التحسينات البطيئة للمستأجرين، مع المزيد من الخيارات، والمنافسة مع المستأجرين الآخرين بدأت تتراجع ببطء”.
أسوأ أزمة إيجارات
ومن لندن أيضاً، يوضح الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن أزمة ارتفاع أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري لمستويات غير مسبوقة منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008 تمثل كابوساً للبريطانيين، وما زالت تداعياتها مستمرة، سواء بالنسبة لشراء العقارات وكذلك بالنسبة لاستئجار المنازل والشقق.
ويضيف القاسم أن هذه الأزمة لها عدة أسباب يأتي على رأسها، زيادة الطلب على استئجار المساكن في ظل عدم قدرة عدد كبير من المواطنين على الحصول على قروض رهن عقاري لشراء منازل، وقلة المعروض من المنازل للإيجار، وهذا ما زاد الطين بلة وعزز من ارتفاع الأسعار.
ويشدد الخبير الاقتصادي، على أنه في المتوسط هناك أكثر من عشرين راغباً في الاستئجار يتنافسون على كل منزل معروض للإيجار في السوق، مردفاً: هذا ما دفع الحكومة إلى سن قوانين لمحاولة التخفيف عن المستأجرين عبر سن قوانين تحد من رفع المالكين للإيجارات بشكل كبير.
ويواصل القاسم تصريحاته قائلاً: في رأيي ما لم تسرع الحكومة ببناء مساكن جديدة والسماح بتوسعة العقارات القائمة وتسهيل القروض لشراء المنازل فإن البلاد تتجه لأسوأ أزمة إيجارات في تاريخ البلاد قد تضعف أي خطط ومشاريع للتعافي الاقتصادي في البلاد.
ارتفاع الأجور
فيما يلفت الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن ارتفاع الإيجارات في المملكة المتحدة ناتج في الأساس عن ارتفاع الأجور، في تقديره.
ويشرح الرفاعي الموقف، بأنه مع ارتفاع معدل التضخم بشكل لافت، نتج عن ذلك قيام الشركات برفع معدل أجور العاملين، وهذا ما نتج عنه ارتفاع الإيجارات في بريطانيا إلى مستويات قياسية.
وتراجع تضخم أسعار المستهلكين البريطاني بأقل من المتوقع مسجلا أدنى مستوياته في عامين ونصف العام عند 3.2% على أساس سنوي في مارس، انخفاضا من 3.4% في فبراير، بحسب بيانات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية.
وكان بنك إنجلترا – الذي يستهدف التضخم 2% – وخبراء اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم قد توقعوا معدلا سنويا للتضخم عند 3.1%.