لجأت شركة ميتالز أكوزيشن، إلى أسواق الدين للحصول على مساعدة في تمويل عملية شرائها منجم نحاس في أستراليا من “جلينكور” مقابل نحو 900 مليون دولار تُدفع مقدماً في 2023.
في ضوء الارتفاع الكبير في تكاليف الاقتراض حالياً بعد نهاية حقبة التيسير النقدي، قررت إدارة “ميتالز أكوزيشن” في العام الجاري أن جمع تمويل عبر طرح الأسهم يعتبر خياراً مقبولاً لخفض الديون.
وحيث إن الشركة مدرجة ببورصة نيويورك، فكان طلب المستثمرين الأستراليين عليها كبيراً جداً، لدرجة أنها قررت طرح أسهمها هناك، وجمعت في النهاية نحو 325 مليون دولار أسترالي (216 مليون دولار أمريكي).
قال المدير المالي للشركة، مورناي إنجلبراخت، جفي حوار: “كانت أسواق الأسهم في أمسّ الحاجة إلى شركة نحاس بعد ارتفاع سعر المعدن الأحمر، وتخلصت من تلك الالتزامات المحمّلة بالفوائد المرتفعة، ولا تزال الفرصة سانحة أمامنا” لجمع مزيد من التمويل” في الفترة المقبلة، اعتماداً على أداء سعر السهم”.
الطروحات لا تقتصر على الشركات المدرجة
اللجوء إلى سوق الأسهم لتقليص أعباء الديون لم يقتصر على الشركات المدرجة مثل “ميتالز أكوزيشن”، بالأخص بعد أن زادت جاذبية جمع التمويل عبر طرح الأسهم بضغط من تشديد السياسة النقدية. كما يشير عدد أكبر من الشركات الساعية لإجراء طرح عام أولي إلى خفض الديون باعتباره دافعاً لها.
أتمت الشركات اكتتابات قيمتها 28.5 مليار دولار خلال العام المنتهي في أبريل الماضي، حيث كان سداد الديون ضمن الأغراض المخصصة لاستخدام حصيلة تلك الاكتتابات، وفق البيانات التي جمعتها “بلومبرج”.
ويمثل حجم الطروحات الأولية هذا ارتفاعاً بنسبة 56% عن المُسجل خلال الاثني عشر شهراً السابقة.
تابعة لـ”جونسون آند جونسون” تتقدم بطلب للإدراج في بورصة ناسداك
ترى يفجينيا مولوتوفا، مديرة أولى للاستثمار في شركة “بيكتيت أسيت مانجمنت” أن “الأثر السلبي لتكاليف الاقتراض المرتفعة قد بدأ”، وأنه “في ظل الضبابية الكبيرة المحيطة بأسعار الفائدة”، من المنطقي “اللجوء إلى سوق الطروحات العامة الأولية مع توافر الفرصة والأوضاع المواتية، رغم أن التقييمات أقل بكثير مما كانت عليه في حقبة أسعار الفائدة القريبة من الصفر خلال جائحة كورونا”.
ارتفاع أسعار الأسهم
تعني قوة سوق الأسهم أن جمع التمويل عبر طرح الأسهم للتخلص من الديون ليس خياراً سيئاً في الفترة الحالية، وفق جورج ماريس، كبير مسؤولي الاستثمار في الأسهم العالمية لدى شركة “برينسيبال أسيت مانجمنت”.
وصعد مؤشر “إس آند بي 500” بنحو 28% في العام الماضي، فيما ارتفع مؤشر “ستوكس 600” في أوروبا بأكثر من 12% خلال الفترة نفسها.
بينما تمثل الاكتتابات المدفوعة بالديون توجهاً متنامياً، تتوقع البنوك أن يسعى مزيد من الشركات المدرجة إلى طرح أسهم.
مع ذلك، فإن تكاليف الاقتراض المنخفضة التي جرى الاتفاق عليها إبان الجائحة حتى الآن، تقلص حاجة الشركات المدرجة للجوء إلى الأسواق العامة.
جمعت تلك الشركات نحو 20 مليار دولار من طرح الأسهم خلال الأشهر الأربعة المنتهية في أبريل الماضي، ما يمثل زيادة بنسبة 4.5% فقط عن الفترة نفسها من العام الماضي.
قال توم سنوبول، مدير وحدة أسواق رأس المال في المملكة المتحدة لدى “بي إن بي باريبا”: “صراحة، لم نشهد مستوى الطرح الذي توقعناه، هل ستحتاج الشركات اللجوء إلى الأسهم في حال استمرار تأجيل خفض أسعار الفائدة؟ سيتضح ذلك فيما بعد”.
تفضيل الديون المرتبطة بالنمو
ستجد الشركات حسنة الأداء عند دخولها السوق مستثمرين راغبين في الشراء، وقد أُحبط بعضهم من نقص الفرص المتاحة لاستثمار أموالهم، ففي أوروبا، يشير تراجع النشاط في السوق الرئيسية وزيادة عمليات إعادة شراء الأسهم إلى تناقص عدد الأسهم بأسرع وتيرة في 20 عاماً، وفق بنك “باركليز”.
يرى لوك موزون، مدير أسواق رأس المال في شركة “أموندي أسيت مانجمنت” أنه “لا يجب أن تتوقع الشركات أن ندفع لها مقابل تسديد ديونها عبر الطروحات العامة الأولية، مع ذلك، فطبيعة الديون تتباين من شركة لأخرى، ونفضل الشركات المرشحة لإجراء اكتتاب عام لديها نمو أو ديون مرتبطة بعمليات الاندماج والاستحواذ في ميزانياتها على تلك التي لديها مستويات مديونية مرتفعة جداً لدرجة أن خدمة الديون تستنزف تدفقاتها النقدية الحرة”.
يتصرف المستثمرون بفطنة فيما يخص الصفقات، إذ إنهم لا يرغبون في تمويل إعادة رسملة صريحة لشركة ما عبر طرح عام أولي، وسيطالبون بتخفيضات سعرية من الشركات التي تسعى إلى ذلك، وفق شركات إدارة الأصول.
الملكية الخاصة
يمثل ذلك أزمة محتملة لشركات الملكية الخاصة، التي أثقلت كاهل الشركات بديون منخفضة الفائدة عندما كانت تكاليف الاقتراض قليلة، كما زادت- في بعض الحالات- الديون المقدمة للشركات في العام الماضي، على أمل أن تنال التقييمات دفعة من سلسلة من خفض أسعار الفائدة، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
قالت نيكول كورنيتزر، مديرة محفظة الاستثمار في شركة “كورنيتزر كابيتال مانجمنت” إن “مع استمرار أسعار الفائدة المرتفعة لمدة أطول، تقترب اللحظة الفاصلة فيما يخص سداد الديون، وإن شركات الملكية الخاصة تحتاج إلى استعادة أموالها، لذا؛ فعليها النظر في الطروحات العامة الأولية”.
بالعودة إلى “ميتالز أكوزيشن”، سدد إنجلبراخت قدراً من الديون المحمّلة بالفوائد باستخدام حصيلة الطرح في أستراليا، ويدرس الآن خيارات لسداد ديون الميزانين، ومنها تحويلها إلى تسهيلات ائتمانية ممتازة، ولا تعتزم الشركة جمع مزيد من التمويل من طرح الأسهم في الفترة الحالية.
قال إنجلبراخت: “كنا شركة ذات مديونية مرتفعة للغاي، ولدينا الآن أصل يدرّ تدفقات نقدية كبيرة، وبذلك، يمكننا ضخ مزيد من التمويل في شركتنا، وسداد جزء من تلك الديون، وتحقيق مزيد من القيمة لمساهمينا”.
إجراءات الاندماج والاستحواذ
في غضون ذلك، استخدمت شركة الوساطة “لا روزا هولدينجز” حصيلة اكتتابها في أكتوبر لسداد معظم قروضها، لتمهد الطريق لعقد الصفقات.
قال الرئيس التنفيذي جو لا روز، إن “الاكتتاب مكّن الشركة من السعي بنشاط وقوة وراء عمليات الاندماج والاستحواذ، لذلك أتممنا 10 استحواذات منذ الطرح العام الأولي، وبصفتنا شركة خاصة، سنواجه تحديات كثيرة لنتمكن من الحصول على قدر من هذا التمويل”.
ربما تدرس صانعة الأدوات المنزلية “ويرلبول” جمع التمويل عبر أسواق الأسهم، في حالة سعيها إلى إجراء استحواذ كبير، رغم أن عمليات الاندماج والاستحواذ قليلة الأهمية في الفترة الحالية، وفق تصريحات المدير المالي، جيم بيترز، في مقابلة.
أضاف أن الشركة باعت حصة من أسهمها في وحدتها الهندية في وقت سابق من العام الجاري، جزئياً لأن تقييم الوحدة جعل منها جزءاً جذاباً في استراتيجية المجموعة لخفض الديون، وأن الشركة لا تعتزم تقليص حصتها البالغة 51% مرة أخرى.
لفت توماس مارتن، مدير أول لمحفظة استثمار في “جلوبالت إنفستمنتس”، التي تدير أصولاً بنحو 3 مليارات دولار، إلى أن إحدى ميزات تقليص الديون عبر طرح الأسهم أنه قد يحسن من أداء ربحية سهم الشركة.
أضاف: “بالنسبة للشركات التي انتظرت عودة أسعار الفائدة للانخفاض لكي تتمكن من إعادة تمويل ديونها بهذه الطريقة، فذلك لن يحدث قبل فترة طويلة، لا يوجد أمامها أي خيار إلا الحد من ذلك الخطر في ميزانياتها عبر جمع رأس المال، وحيث إن السوق في وضع قوي، فالوقت الآن مناسب للقيام بذلك”.