أكبر 4 شركات حبوب روسية تسيطر على 75% من الصادرات عبر البحر الأسود ارتفاعاً من 45% قبل 6 سنوات
تواصل روسيا تكثيف مساعيها لإحكام المزيد من قبضتها على صناعة الحبوب الحيوية، ما قد يمنحها هيمنة أكبر على الصادرات، في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف بشأن المعروض العالمي من الحبوب.
انسحبت كبريات شركات تجارة الحبوب الغربية، بما في ذلك “كارغيل” (Cargill Inc) و”فيتيرا” (Viterra)، من روسيا العام في الماضي بعد ضغوط حكومية لإفساح المجال أمام الشركات المحلية. والآن، حتى أكبر شركة تجارية خاصة في البلاد تواجه صعوبة في ممارسة نشاطها وسط خلاف مع الدولة. هذا يضع السوق في أيدي عدد أقل من الشركات، وبعضها لديه أو كان يرتبط بصلات مع الكرملين.
بدأت عملية تكامل الشركات بعد غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا، مما يترك أربع شركات فقط تتحكم في ثلاثة أرباع صادرات الحبوب التي تنطلق من محطات البحر الأسود الروسية. يمنح هذا موسكو المزيد من النفوذ على إمدادات القمح التي كانت أساسية لكبح تضخم أسعار الغذاء عالمياً. كما أن هذا الوضع يجعل من الصعب على الشركات التجارية الأجنبية متابعة التدفقات هناك بدقة-في الوقت الذي يضر فيه سوء الأحوال الجوية بمحصول القمح في روسيا، ويثير قلق السوق.
قال دان باس، رئيس شركة “آغ ريسورس” (AgResource) الاستشارية ومقرها في شيكاغو: “رغبات روسيا في السيطرة على عالم السلع الأساسية حقيقية، وتأثيرها على الحبوب آخذ في التزايد”.
دائماً ما خضعت صناعة الغاز الطبيعي في روسيا لسيطرة الحكومة، في حين تمكنت الدولة وأقرب حلفاء بوتين من السيطرة على جزء كبير من إنتاج النفط منذ وصوله إلى السلطة. والآن تشدد روسيا قبضتها على الحبوب.
توقفت شركات “كارغيل” و”فيتيرا” و”لويس دريفوس” في العام الماضي عن استيراد الحبوب من روسيا لتصديرها. وكانت هذه الشركات في السابق من بين أكبر 10 مصدرين للحبوب.
لكن نزاعاً مع شركة “تي دي ريف” (TD Rif) يسلط الضوء على مدى تعرض المصدرين الروس من القطاع الخاص لضغوط من الحكومة. ساعدت الشركة، التي غيرت اسمها مؤخراً إلى “رودني بوليا” (Rodnie Polya LLC)، روسيا على ترسيخ مكانتها كقوة زراعية، لكنها تشهد الآن تهديداً لأعمالها.
أدلى بيتر خوديكين، مالك الشركة منذ فترة طويلة، بتصريحات لموقع “Lenta.ru”، في مارس، إن شحنات شركته جرى حظرها بشكل غير عادل من قبل الهيئة المسؤولة عن تنظيم الزراعة لعدم استيفائها لمتطلبات السلامة، وإنه تعرض لضغوط لبيع الشركة.
قال العديد من الأشخاص الذين اعتادوا الشراء من شركاء التصدير للشركة إنهم لم ينشطوا في السوق منذ شهر مارس. انخفض حجم شحنات الشركة للتصدير في أبريل بنسبة 40% تقريباً مقارنة بالعام السابق، وفقاً لبيانات الشحن من “لوجستيك أو إس” (Logistic OS). يستغرق الأمر من أسبوعين إلى بضعة أشهر بعد توقيع الاتفاق لتحميل الحبوب على السفن.
لم يرد المتحدثون باسم “رودني بوليا” ولا وزارة الزراعة الروسية على طلبات للتعليق على الأمر.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، استهدفت موسكو بشكل متزايد الأصول المملوكة لأقطاب الأعمال المحليين، وبعض وحدات الشركات الأجنبية -من منتج المعكرونة إلى الشركة الروسية التابعة لشركة “دانون” الفرنسية لصناعة الزبادي- إما بغرض التأميم أو البيع المحتمل لشركة يختارها الكرملين. كما سيطرت على أصول شركة زراعية قابضة لأنها تستهدف الدول “غير الصديقة”.
قال أندريه كولسنيكوف، وهو زميل بارز في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي في موسكو: “الاتجاه نحو سياسات أكثر تشدداً وإيديولوجية محافظة يصاحبه حتماً تعزيز تدخل الدولة في الاقتصاد. فالدولة أصبحت لا يمكن المساس بها سياسياً، وهي اللاعب الرئيسي في مضمار الاقتصاد”.
بينما لا يزال التجار الغربيون يشترون البضائع من الموانئ الروسية، فإن الحصول على معلومات حول أشياء مثل أحجام المحاصيل وظروفها والمخزونات والصادرات أمر أكثر صعوبة منذ قيامهم بتقييد الأعمال هناك. وقد يصبح هذا مصدر قلق أكبر لأن انتكاسات الحصاد لا تترك لروسيا سوى كميات أقل من القمح للتصدير.
دفعت مشكلات تتراوح بين الجفاف والصقيع المحللين إلى إجراء تخفيضات كبيرة على تقديرات الإنتاج الروسي، مما ساعد العقود الآجلة للقمح على الوصول إلى أعلى مستوياتها منذ يوليو، وفاقم المخاوف بشأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ويتوقع مجلس الحبوب الدولي أن ينخفض إنتاج روسيا من القمح بنحو 6% هذا العام.
يمثل تقييم عدد من الأمور مثل تأثير الصقيع أحد التحديات التي تواجه وزارة الزراعة الأمريكية، التي تصدر توقعات المحاصيل العالمية عن كثب، ولم يعد لديها موظفون داخل روسيا. وهذا يعني أنها تعتمد بشكل أكبر على صور الأقمار الصناعية، والتي قد لا ترصد الضرر الناجم عن ذلك.
قال مارك جيكانوفسكي، رئيس مجلس التوقعات الزراعية العالمية التابع لوزارة الزراعة الأمريكية، إن عدم وجود كوادر هناك “يضيف بوضوح مستوى من عدم اليقين إلى ما نقوم به”.
تنشر الحكومة الروسية من حين لآخر توقعات الحصاد، في حين تقوم شركات الاستشارات المحلية المستقلة، مثل “آي كيه إيه آر”، بجولات على المحاصيل وتنشر بانتظام تقديرات الإنتاج التي تراقبها السوق عن كثب.
في حين ارتفعت أسعار القمح القياسية في الشهرين الماضيين، إلا أنها لا تزال أقل بنحو 50% عن المستوى القياسي المسجل في عام 2022 عندما عطلت الحرب تدفقات البحر الأسود. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحسن آفاق المحاصيل الأمريكية يمكن أن تحد من المخاوف المتعلقة بالإمدادات.
السؤال الرئيسي هو: كيف سيؤثر توحيد الحبوب في روسيا على السوق العالمية”. فهي تحاول بالفعل تطبيق حد أدنى غير رسمي لسعر محاصيلها، كما أن السيطرة الأقوى على قطاع الحبوب ستسهل على الحكومة التأثير على الإمدادات.
ليس هناك دلائل على أن روسيا تعطل إمداداتها بشكل ملحوظ-خاصة ليس بطريقتها مع الغاز عندما قطعت الإمدادات عن أوروبا في أعقاب الحرب، مما أدى إلى إحداث فوضى في أسواق الطاقة. يتجه قسم كبير من صادرات الحبوب الروسية إلى الدول التي تربطها بها علاقات سياسية جيدة.
تسيطر أكبر أربع شركات تجارة حبوب روسية حالياً على 75% من الصادرات من محطات على البحر الأسود الروسية، ارتفاعاً من 45% قبل 6 سنوات، وفقاً لديميتري ريلكو، مدير شركة “آي كيه إيه آر” الاستشارية ومقرها في موسكو.
أضاف في مؤتمر “غرين كوم” (GrainCom) المنعقد في جنيف خلال الشهر الجاري: “شهدنا عملية اندماج دراماتيكية في السوق في أيدي عدد محدود للغاية من اللاعبين”.