باستخدام أسعار صرف السوق كان الناتج المحلي الإجمالي في الصين أقل 30%
كثيرون عرفوا متعة العثور على بعض النقود أسفل أريكة المنزل.
وفي 30 مايو، عاش البنك الدولي تجربة مشابهة، لكن على نطاق أوسع.
بعد البحث في 176 دولة، اكتشف ما يصل تقريبًا إلى 7 تريليونات دولار إضافية في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما يعادل اقتصاد فرنسا والمكسيك معًا.
في الواقع، ربما يكون ثمة تشبيه أفضل. فما اكتشفه البنك الدولي لم يكن أموالاً إضافية لإنفاقها، بل كان يعادل قسيمة خصم تخفض 4% من سعر كل سلعة وخدمة يشتريها العالم في عام واحد، وهذا يعني أن الإنفاق العالمي قد يمتد إلى أبعد مما كان يُعتقد سابقًا.
لفهم السبب، من المفيد إجراء تجربة فكرية.. تخيل أن العديد من دول العالم تنتج شيئًا واحدًا فقط، وهو بيج ماك.
وفي حساب الناتج المحلي الإجمالي لهذه الاقتصادات، سيستخدم المحاسبون الوطنيون أسعار السوق، فربما تقدر أمريكا، مثلاً، قيمة شطيرة بيج ماك بسعر 5.69 دولار للواحدة، بالتالي إذا أنتجت 100 خلال فترة معينة، فإن ناتجها المحلي الإجمالي سيكون 569 دولارًا.
وعند حساب حجم الاقتصاد العالمي، سيكون من المنطقي استخدام الأسعار نفسها في جميع البلدان، بالتالي إذا أنتج اقتصاد منافس 125 شطيرة برجر، فإن الناتج المحلي الإجمالي المقاس يجب أن يكون أعلى بنسبة 25%.
لسوء الحظ، هذه ليست الطريقة التي تعمل بها هذه الحسابات في كثير من الأحيان، فالمحاسبون الوطنيون في أمريكا يقدرون قيمة وجبات بيج ماك في البلاد بالأسعار الأمريكية، والصينيون يقيمونها باليوان عند حوالي 25 يوان.
بالتالي، عند إجراء مقارنات دولية، يُحول الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى دولارات باستخدام سعر الصرف السوقي الذي يبلغ حوالي 7.2 يوان مقابل الدولار، والنتيجة هي أن قيمة شطيرة بيج ماك في الصين تبلغ 3.47 دولار فقط في حسابات الناتج المحلي الإجمالي العالمي وليس 5.69 دولار.
وحتى لو أنتجت الصين وأمريكا نفس العدد من شطائر بيج ماك سنويًا، فإن إنتاج الصين سيبدو أقل بنسبة 40% تقريبًا، وفقًا للمقاييس التقليدية.
ثمة حل واضح، وهو تجاهل أسواق العملات والنظر إلى الأسعار بدلاً من ذلك، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
إذا كان سعر شطيرة بيج ماك باليوان يعادل أربعة أضعاف سعرها بالدولار، فلماذا لا نستخدم ذلك كسعر صرف؟
إذا حُول الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى دولارات بسعر 4.39 يوان للدولار، فإن قيمة شطيرة بيج ماك ستكون لها نفس قيمة نظيرتها الأمريكية.
علمًا بأن أسعار الصرف البديلة، التي تعادل أسعار السلع والخدمات، تُعرف بتعادل القوة الشرائية.
ونظراً لمؤشر بيج ماك الذي أُطلق منذ فترة طويلة، فيمكن حساب معادلات شطائر البرجر التي تقدمها “ماكدونالدز”، لكنها ليست سوى منتج واحد في عالم يتسم بالرأسمالية.
ولتنفيذ تعديل مماثل عبر الاقتصادات الوطنية، سيكون من الضروري جمع أسعار مئات السلع والخدمات في أماكن مختلفة حول العالم.
كل بضعة أعوام، يقود البنك الدولي مبادرة للقيام بذلك، وهذا البرنامج يُعرف ببرنامج المقارنات الدولية، واختتم للتو أحدث جهوده، وهي العاشرة خلال الأعوام الستة والخمسين الماضية.
يجمع هذا البرنامج أسعار مئات العناصر من 176 دولة، مع الحرص على النظر إلى المنتجات المماثلة في كل مكان.
داخل الصين وحدها، استشارت الفرق حوالي 16 ألف متجر ومنافذ بيع أخرى، علمًا بأن البرنامج لا يخلو التمرين من الصعوبات العملية والمفاهيمية، فكل سلعة معيارية ليست مثل بيج ماك، مما يجعل المقارنات المثلية مسألة حكم.
وغالبًا ما تُلبي نفس الاحتياجات الاستهلاكية من خلال سلع مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم، فعلى سبيل المثال يعيش العمال في المناطق الريفية في تايلاند على الأرز، فيما يعيشون على نبات التيف في مناطق مماثلة من إثيوبيا.
لكن “من الصعب العثور على الأرز في إثيوبيا، ومن المستحيل العثور على التيف في تايلاند، لذا فإن مقارنة الأسعار غير ممكنة”، كما أشار أنجوس ديتون، من جامعة برينستون، وألان هيستون، من جامعة بنسلفانيا.
مع ذلك، عندما أكمل البرنامج عمله، اكتشف أن الأسعار حول العالم كانت أقل بنحو 4% في المتوسط مما كان يعتقد سابقًا، مما يعني أن الإنفاق المسجل من قبل المحاسبين الوطنيين في العالم لا بد أنه اشترى سلعًا أكثر مما كان يُفترض في السابق.
وتشير حسابات البنك الدولي الآن إلى أن الإنفاق العالمي، عبر جميع البلدان وفي مجموعة متنوعة من العملات، كان يتمتع بقوة شرائية تبلغ 174 تريليون دولار في عام 2022.
وهذا يزيد بنحو 7 تريليونات دولار عن تقديراته السابقة لنفس العام، والتي استندت إلى نتائج برنامج المقارنة السابق قبل بضعة أعوام، والتي حُدثت وفقًا لمعدلات التضخم الوطنية.
هذه القوة الشرائية الإضافية لا تُوزع بالتساوي، فقد وجد ما يقرب من 1.1 تريليون دولار منها في الهند، التي تعد بشكل مريح ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وفقًا لمقياس تعادل القوة الشرائية.
كما أضافت المراجعات التعديلية 660 مليار دولار إلى الاقتصاد الروسي، ليصبح بذلك أكبر من الاقتصاد الياباني.
وهذه أخبار غير مرحب بها بالنسبة لأوكرانيا، التي تخوض حرباً مكلفة مع جارتها الأكبر، لكن البلد المحاصر يمكنه أن يستمد العزاء من المبلغ الإضافي البالغ 118 مليار دولار الذي منحته له المراجعات، مما يزيد من قوته الشرائية بأكثر من الربع.
ذهب الجزء الأكبر من القوة الشرائية الإضافية- والذي يبلغ 1.4 تريليون دولار- إلى الصين، وهذا الارتفاع يعني أن اقتصادها كان أكبر بنسبة 25% من الاقتصاد الأمريكي في عام 2022، إذا تم تقييم سلع مماثلة بأسعار مماثلة.
وعلى النقيض من ذلك، وباستخدام أسعار صرف السوق، كان الناتج المحلي الإجمالي في الصين أقل بنحو 30%، ولم يكن المسؤولون الصينيون مبتهجين بهذا الاكتشاف.
فقد قالت الجمعية الإحصائية في الصين: “نحن بحاجة إلى تفسير النتائج بحذر وفهم صحيح للمشهد الاقتصادي العالمي ووضع كل اقتصاد فيه”، مؤكدة أن البيانات ليست “رسمية” وأن الصين لا تزال دولة نامية.
وفي الواقع، حتى مع القوة الشرائية الإضافية، فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين يعتبر متوسط، حيث يحتل المرتبة 85 على مستوى العالم ويظل يتماشى بقوة مع المتوسط العالمي.
وبما أن معدل الادخار في الصين مرتفع للغاية، فإن إنفاقها الاستهلاكي يأتي في مرتبة أقل.
وبحسب البنك الدولي، وصل الاستهلاك الفردي إلى أقل من 9300 دولار عام 2021، مقارنة بمتوسط عالمي قدره 12950 دولار.
ويظل الرقم الخاص بالصين، بعد تعديله وفقاً للقوة الشرائية، أقل من الإنفاق المعادل في جنوب أفريقيا أو البيرو، بالتالي لا فائدة من العثور على النقود المفقودة أسفل الأريكة إذا قمت بوضعها تحت الفراش.