يتدفق المستثمرون على سندات العملة المحلية فى الأسواق الناشئة التى كانت منبوذة ذات يوم، مثل كينيا وباكستان، مدفوعين بالتحولات الاقتصادية فى هذه الدول وارتفاع أسعار الفائدة.
كانت الديون المقومة بالعملة المحلية فى باكستان ونيجيريا وكينيا ودول أخرى ضمن أكثر الأصول غير المحبوبة فى الأسواق الناشئة فى الأعوام الأخيرة؛ حيث أضرت أزمات العملة اقتصاداتها.
لكن مثل هذه السندات بدأت فى العودة مجدداً، مدعومة بسلسلة من ارتفاعات أسعار الفائدة والتحركات لتحرير أسواق العملات، فى محاولة من هذه الدول لإصلاح اقتصاداتها المتضررة، حسب ما نقلته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وفى ظل انخفاض أسعار الفائدة فى بعض الأسواق الناشئة الأكثر نضجاً مثل البرازيل، يجد المستثمرون العوائد التى تتجاوز 10% المتاحة فى الأسواق الحدودية جذابة للغاية بشكل لا يمكن تجاهله.
قال أحد مديرى صناديق الأسواق الناشئة: «يجب عليك الوصول إلى صفقات أكثر تعقيداً فى الأسواق الحدودية لتحقيق عوائد».
وأضاف المدير، أن «سندات العملة المحلية فى الأسواق الحدودية لا تزال تمنحك عوائد كبيرة مقارنة بأسعار الفائدة الأمريكية»، مشيراً إلى أنه حتى لو خفض بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام، فإنَّ الأسواق الحدودية «ستظل تعطيك الكثير من العوائد».
وفى تركيا؛ حيث أدت سنوات من سوء الإدارة النقدية إلى إخافة المستثمرين، جذبت أسعار الفائدة البالغة 50% الهادفة لكبح التضخم وتحقيق استقرار الليرة، المستثمرين مجدداً هذا العام.
وتضاعفت حيازات المستثمرين الأجانب من الديون الحكومية المقومة بالليرة أربع مرات تقريباً منذ بداية العام لتصل إلى حوالى 10 مليارات دولار فى نهاية مايو، وفقاً لبيانات البنك المركزى. ويعتقد المستثمرون، أن الإصلاحات الاقتصادية فى نيجيريا وتركيا ونحو عشرين من الأسواق الحدودية الأخرى بدأت تؤتى ثمارها فى وقت تنخفض فيه العائدات على أشكال أخرى من ديون الأسواق الناشئة.
قال لويس كوستا، الرئيس العالمى لاستراتيجية الأسواق الناشئة فى «سيتى جروب»، إنَّ «صُناع القرار فى الأسواق الحدودية أصبحوا أكثر ذكاءً».
وارتفعت بالفعل ديون العديد من هذه الدول المقومة بالدولار الأمريكى مع تجنبها التعثر الصريح، ويشك العديد من المستثمرين فى أن العوائد ـ التى تتحرك عكسياً مع الأسعار ـ يمكن أن تنخفض أكثر بداية من هذه المرحلة.
وفى الوقت نفسه، يُرى أن ارتفاع الديون المقومة بالعملات المحلية فى الأسواق الناشئة ذات الجدارة الائتمانية، مدفوعاً بتخفيضات أسعار الفائدة، يقترب من نهايته.
كما أن التداولات فى عملات بعض الأسواق الناشئة الكبرى لم تحقق نتائج جيدة فى الآونة الأخيرة، على سبيل المثال فى عمليات البيع الحادة التى شهدها البيزو المكسيكى بعد الانتخابات التى جرت هذا الشهر.
وقال جونى جولدن، رئيس استراتيجية الدخل الثابت للأسواق الناشئة فى بنك «جيه بى مورجان»، إن المستثمرين يحاولون تجنب الرهان فقط على موعد خفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطى الفيدرالى.
وأضاف: «لدينا فى الأسواق الناشئة عدد من البلدان التى لديها دوافع خاصة بها»؛ حيث يساعد مزيج من تخفيضات قيمة العملة، وارتفاع أسعار الفائدة، وإصلاحات السياسات، وقروض الإنقاذ على طمأنة المستثمرين.
يميل المستثمرون إلى الحذر من ديون الدول الأكثر خطورة، والتى تميل إلى أن تكون أكثر تقلباً والمرتبطة بآفاق العملة.
ويخشى العديد من المستثمرين فرض ضوابط مفاجئة على رأس المال أو احتمال توقف سوق الديون أثناء الأزمة مع اندفاع المستثمرين الأجانب للخروج.
وبينما سارع الأجانب للعودة إلى السندات المقومة بالليرة التركية هذا العام؛ استجابة للسياسات الاقتصادية الأكثر تقليدية، فإنهم لا يزالون يمثلون حوالى 5% فقط من السوق، بانخفاض عن الخمس قبل أزمة العملة فى عام 2018.
ومع ذلك، فإن احتمال بقاء أسعار الفائدة الأمريكية مرتفعة لفترة أطول، بينما يكافح الاحتياطى الفيدرالى مع التضخم المرتفع بشكل عنيد، يمكن أن يشكل عائقاً أمام الديون المحلية للأسواق الناشئة.
وتتعرض نيجيريا وباكستان، التى من المتوقع أن تنفق أكثر من ثلث إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون بحلول عام 2028، بشكل خاص لخطر ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية؛ لأن ذلك قد يجبرها على إبقاء الفائدة مرتفعة لجذب رؤوس الأموال، بحسب وكالة التصنيف الائتمانى «موديز».
وقال البنك المركزى الكينى هذا الشهر، إنه لا يمكنه خفض سعر الفائدة القياسى من مستواه الحالى عند 13%؛ لأن أسعار الفائدة العالمية قد تجذب أموال المستثمرين بعيداً عن البلاد.
ومع ذلك، يرى بعض المستثمرين أنه حتى لو ظلت أسعار الفائدة الأمريكية مرتفعة، فإن سندات العملة المحلية والعوائد التى تقدمها لا تزال أكثر جاذبية من ديون هذه البلدان المقومة بالدولار.