تتحدى سوق العقارات النشطة في دبي توقعات تباطؤها، في إشارة إلى أن مركز الأعمال في الشرق الأوسط ربما يتحرر من دورات الازدهار والكساد.
“الأسعار تواصل الارتفاع، ويبدو أن الطبيعة المتقلبة لسوق دبي ولّت بالفعل. وسواءً كان المقيمون جدداً أو قدامى، فإن معظمهم يشتري للإشغال الآن، ونتيجة لذلك نتوقع أن تظل الأسعار مرتفعة”، وفق تيمور خان، رئيس الأبحاث في شركة الاستشارات العقارية العالمية “سي بي آر إي جروب”.
الأسعار مستمرة في الارتفاع
العديد من المحللين كانوا توقعوا اعتدال وتيرة ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات -وهو الأمر الذي جعل دبي واحدة من أهم أسواق العقارات على مستوى العالم- أو حتى انخفاضه بحلول أوائل 2024.
ولكن لم تتحقق هذه التوقعات رغم استمرار التوترات الناجمة عن الحرب بين إسرائيل وحماس، وارتفاع تكلفة المعيشة وتراجع جاذبية المدينة للأثرياء الروس.
وبدلاً من ذلك، ارتفعت قيمة المنازل لمدة 15 ربعاً متتالياً، وصعدت 20% خلال السنة المنتهية في مايو، وفقاً لشركة “كوشمان آند ويكفيلد كور”
وارتفعت الإيجارات لمدة 13 ربعاً متتالياً، رغم أنها كانت أبطأ قليلاً من العام السابق.
قال براثيوشا جورابو، رئيس الأبحاث والاستشارات في شركة الاستشارات العقارية: “الطلب يأتي من كل مكان رغم انخفاض حصة المشترين الروس في السوق، ولقد تجاوزت الأسعار في معظم المناطق الآن ذروة 2014 وما زالت تنمو مع استمرار قدوم المشترين من أوروبا والهند ودول جنوب آسيا الأخرى”.
مبيعات العقارات في دبي سجلت رقما قياسيا بلغ 274 مليار درهم (74.6 مليار دولار) في 2023، وفقاً لشركة الاستشارات العقارية “نايت فرانك”.
وفي الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، سجلت المدينة بالفعل مبيعات قيمتها 89.2 مليار درهم.
ارتفعت الأسعار على مستوى المدينة 60% منذ نهاية 2020، بينما قفزت الإيجارات بنسبة هائلة بلغت 83%، وفق حسابات شركة “كوشمان آند ويكفيلد كور”.
وكان هذا الانتعاش مدعوماً بتدفق المستثمرين الأثرياء -بمن فيهم الروس- الذين يسعون إلى حماية أصولهم، وأصحاب الملايين من المتعاملين في العملات المشفرة، والهنود الأثرياء الباحثين عن منزل ثان، كما اجتذبت طريقة تعامل الحكومة مع جائحة كورونا وسياسات التأشيرات المرنة المزيد من المشترين الأجانب.
دورات ازدهار وكساد
مرت سوق العقارات في دبي لفترة طويلة بفترات ازدهار وكساد حادة، مع حدوث واحدة من أكثر فترات الركود شدة في 2009، بعد أن شهدت لسنوات نمواً مدفوعاً بالديون.
وانتعشت الأسعار في 2011 قبل أن تتراجع مرة أخرى في 2014 بعد أن أضر انهيار أسعار النفط بالاقتصادات الإقليمية.
ومنذ ذلك الحين، أدخلت الحكومة سلسلة من الإصلاحات للمشترين والمطورين للحد من التقلبات، بما في ذلك زيادة الدفعات المقدمة المطلوبة للقروض العقارية إلى 20%.
لكن الانتعاش وما صاحبه من تدفق المقيمين الجدد الأثرياء يعملان على تحويل سوق العقارات الفاخرة في المدينة، ويدفعان المطورين إلى إحياء مشروعات ظلت خاملة منذ نحو 15 عاماً.
ومن بين هؤلاء أبناء المطور العقاري الملياردير حسين سجواني الذين يشيدون مشروعاً على مجموعة جزر اصطناعية على شكل خريطة العالم.
وتمكنت شركة “نخيل” المملوكة للدولة من بيع قصور قبل بنائها في “نخلة جبل علي”، وهي أكبر الجزر الاصطناعية الشهيرة على شكل النخيل في المدينة، والتي اجتذبت، إلى جانب المشروعات في “جزر ديرة”، حشوداً من المشترين، بعضهم اصطف في طوابير لشراء منازل سعر الواحد منه 5 ملايين دولار.
قفز متوسط سعر الإيجار في الإمارة 22.2% خلال العام حتى مايو، وفقاً لشركة “سي بي آر إي”. وشهدت إيجارات منازل الأسرة الواحدة، والمعروفة محلياً باسم الفيلات، بعض أكبر الزيادات، إذ يصل متوسطها الآن إلى 96 ألف دولار سنوياً.
ويمثل ارتفاع التكلفة هاجساً لصناع السياسات الاقتصادية الذين يسعون جاهدين لضمان بقاء دبي مركزاً تنافسياً للشركات العالمية في وقت يشتكي فيه كثير من الموظفين من ارتفاع إيجاراتهم بينما ظلت رواتبهم ثابتة. واحتلت دبي المرتبة 15 كأغلى مدينة على مستوى العالم بالنسبة للوافدين في تقرير استشارات الأعمال “ميرسر” لتكلفة المعيشة لعام 2024.
الطفرة السكانية
شيد المطورون العقاريون نحو 40 ألف منزل في الإمارة العام الماضي، ومن المتوقع أن يكتمل بناء 39 ألفا آخر في 2024. وتشير تقديرات “نايت فرانك” إلى أنه بحلول 2029 سيتم بناء زهاء 260 ألف منزل، تمثل الشقق 80%، والفيلات الباقي.
وحتى الآن، ساعد النمو السكاني السوق على استيعاب المعروض الجديد. فالطرق مزدحمة والمدارس تشهد بعضاً من أعلى معدلات التسجيل منذ سنوات.
ويتوقع المسؤولون في دبي أن يرتفع عدد سكان المدينة إلى 5.8 مليون نسمة في 2040، من نحو 3.3 مليون في 2021.
ومع ذلك، يتوقع جورابو أن تبدأ الأسعار في الاعتدال اعتباراً من العام المقبل حتى 2027 مع طرح الجزء الأكبر من المنازل الجديدة في السوق.
تراجع القدرة الشرائية
في الوقت الحالي، انخفضت القدرة على تحمل تكاليف المنازل في جميع أنحاء المدينة. وانتقل العديد من السكان في ظل ارتفاع أسعار المساكن إلى مواقع أرخص، وقام كثيرون آخرون برفع دعاوى قضائية ضد أصحاب العقارات في محاولة لمقاومة الإيجارات المتزايدة.
معظم المبيعات الجديدة تندرج ضمن ما يسمى بـ “البيع على الخارطة”، حيث يبيع المطورون المنازل قبل البناء ويحصّلون ثمنها على أقساط.
وبالنسبة للمشترين، توفر المشروعات الجديدة بديلاً أرخص من المواقع القائمة بالفعل التي ارتفعت قيمتها. ولكن عادة ما تُموَل هذه المشتريات من مدخرات المشترين، كما انها ليست مؤهلة للحصول على قروض عقارية.
وقال جورابو: “أصبحت السوق باهظة الثمن للغاية للمشترين من ذوي الدخل المتوسط، وهذا سيفرض ضغوطاً نزوليةً عليها. من ناحية أخرى، فإن ارتفاع الإيجارات وانخفاض أسعار الفائدة من المرجح أن يشجع المشترين الجدد”.