الحكومة الكندية أعلنت تمديد سداد بعض القروض المدعومة إلى 30 عامًا
هل هناك طفرة جديدة في سوق الإسكان؟
في أبريل، ارتفع مؤشر أسعار المنازل في العالم، باستثناء الصين، بنسبة تزيد على 3% على أساس سنوي، وكانت أسعار المنازل الأمريكية أعلى بنسبة 6.5% عما كانت عليه قبل عام، بينما ارتفعت أسعار المنازل الأسترالية بنسبة 5%، وتزدهر أسعار المنازل في البرتغال.
وفي بلدان أخرى، يبدو سوق الإسكان قوياً بشكل مدهش رغم أعوام من أسعار الفائدة المرتفعة.
تأتي هذه الأرقام في أعقاب فترة صعبة، وبعد تعديلها وفقًا للتضخم، انخفضت الأسعار بنسبة 20% في كندا وألمانيا ونيوزيلندا، وهي أقل بكثير من ذروتها في بعض المدن الأمريكية مثل سان فرانسيسكو وفينيكس.
وفي بويزي بولاية أيداهو، حيث ارتفعت الأسعار خلال الجائحة وسط سعى المواطنين للحصول على مساحات للعيش، انخفضت قيم المنازل بأكثر من العُشر.
في الوقت نفسه، أدى ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف الرهن العقاري إلى إثارة قلق المواطنين بشأن إنفاقهم على الإسكان، فقد ارتفعت نسبة البريطانيين الذين يقولون إنهم يجدون صعوبة “بالغة” أو “نوعاً ما” في سداد الإيجار أو أقساط الرهن العقاري من 24% في أوائل عام 2022 إلى 41%.
ومع ذلك، من المدهش أن الأمور لم تكن أصعب، فبعد أن كان عند أدنى مستوى له في 2021، ارتفع معدل الرهن العقاري النموذجي لمدة 30 عامًا في أمريكا بحوالي أربع نقاط مئوية.
وتشير القواعد الأساسية المستمدة من الأدبيات الأكاديمية إلى أن أسعار المنازل الاسمية ستنخفض بنسبة تتراوح بين 30% إلى 50%، والواقع أن الأسعار بالقيمة الاسمية لم تنخفض إلا بالكاد.
وبالقيمة الحقيقية (أي بعد تعديلها بما يتناسب مع التضخم)، انخفضت أسعار المنازل العالمية بنسبة 6% من ذروتها، لكن هذا يجعلها تتماشى مع اتجاه ما قبل الجائحة، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
يخشى البعض أن الأسعار المرتفعة ستتسبب في نهاية المطاف في انهيار حقيقي.
وأشار خبير الإسكان روهين دهار إلى أن العديد من قوائم العقارات في فلوريدا تتضمن عبارة “محفز”، مما يعني أن الناس يبيعون بسرعة.
ولكن في الولايات المتحدة ككل، لم تكن نسبة الرهون العقارية المتأخرة في السداد منخفضة جدًا، حيث بلغت 1.7%، مقارنة بأكثر من 11% في ذروة الأزمة المالية العالمية 2007-09.
وفي أماكن أخرى، يبدو الوضع مشابهاً.
وفي نيوزيلندا، البلد الغني الذي تضرر بشدة من تراجع سوق الإسكان، تتماشى نسبة المتأخرات مع النسبة التي كانت قبل الجائحة.
وباستثناء ألمانيا، فإن الضائقة التي تعاني منها منطقة اليورو أقل أيضاً.
عادةً ما ينسب المراقبون الأمريكيون الفضل إلى نظام الرهن العقاري في البلاد، والذي يعتمد بشكل كبير على أسعار الفائدة الثابتة الطويلة الأجل، في سوق الإسكان المرنة إلى حد مثير للإعجاب.
واتجهت دول أخرى مؤخرًا نحو الاتجاه الأمريكي، وتعمل القروض العقارية ذات الفائة الثابت على حماية أصحاب المنازل من ارتفاع أسعار الفائدة، مما يعني عددًا أقل من المبيعات بأسعار بخسة التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض أسعار المنازل.
كما أنها تمنح أصحاب المنازل حافزًا قويًا لعدم الانتقال، لأنهم سوف يحتاجون إلى الحصول على رهن عقاري جديد، وربما بسعر أعلى.
لكن الرهون العقارية ذات الفائدة الثابتة ليست السبب الوحيد وراء مرونة سوق الإسكان ونمو الأسعار في الآونة الأخيرة.
ففي نهاية المطاف، تظل طلبات الحصول على رهون عقارية جديدة قوية إلى حد معقول في معظم أنحاء العالم، حتى ولو كانت قد انخفضت من أعلى مستوياتها بسبب الجائحة.
ومن المثير للدهشة أن الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، وهي مجموعة ضغط أمريكية، لم تجد سوى القليل من الأدلة التي تشير إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة يثني الناس عن شراء منزل أول أو الانتقال إلى منزل جديد.
ووفقًا لأبحاثها الأخيرة، قال 8% فقط من المواطنين إن “الحصول على رهن عقاري” كان من “أصعب الخطوات” في عملية شراء المنازل، خاصة بعد ان سجل ارتفاع طفيف عن 7% في عام 2021.
هناك ثلاثة عوامل أخرى قد تفسر سبب ارتفاع أسعار المنازل مرة أخرى، وهي الهجرة، والتضحيات التي يقدمها أصحاب الرهن العقاري، وقوة الاقتصاد.
لنتطرق إلى الهجرة أولا.. يرتفع عدد السكان المولودين في الخارج في العالم الغني بنحو 4% على أساس سنوي، وهو أسرع معدل على الإطلاق.
ولعل الأرقام الرسمية التي تستند إليها مثل هذه الحسابات تقلل من شأن هذا التحول، حيث ارتفعت الهجرة غير الشرعية أيضاً، خاصة في أمريكا.
وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنازل والإيجارات، حيث يحتاج الوافدون الجدد إلى مكان للعيش فيه، كما يقول مارك زاندي من شركة موديز أناليتكس الاستشارية.
وتشير تقديرات بنك “جولدمان ساكس” إلى أن صافي معدل الهجرة السنوي الحالي في أستراليا والذي يبلغ 500 ألف شخص سيرفع أسعار المنازل بنحو 5%.
أما العامل الثاني فيتعلق بالتضحيات، إذ يتعامل الناس في العالم الغني مع ارتفاع تكاليف الرهن العقاري من خلال تقليص أنواع أخرى من الإنفاق.
ووجدت دراسة استقصائية حديثة أجرتها مؤسسة “يوجوف” لاستطلاعات الرأي أن واحدا من كل خمسة من حاملي الرهون العقارية ذات الفائدة المتغيرة في بريطانيا يقولون إنهم يجرون تخفيضات “كبيرة” في إنفاق الأسر، حتى في الوقت الذي يكون فيه أولئك الذين يبرمون صفقات ذات أسعار فائدة ثابتة أقل قلقًا.
وهناك آخرون يبحثون عن الأموال في أماكن أخرى، فقد أشار تقرير حديث صادر عن البنك المركزي النرويجي إلى أن العديد من الأسر “اعتمدت على المدخرات المتراكمة” لخدمة الديون.
وتساعد الرهون العقارية الأطول أمداً المقترضين على توزيع أقساط السداد، والتضحية بالرفاهية في المستقبل لتقليل أقساط الرهن العقاري اليوم.
أعلنت الحكومة الكندية مؤخرًا أنها ستمدد فترة سداد بعض القروض المدعومة من الدولة من 25 إلى 30 عامًا.
ووفقا لـ”سينتريكس”، وهي وكالة تقارير ائتمانية، فإن 6.4% من الرهون العقارية في نيوزيلندا التي أُنشئت في العام الماضي ستستمر لأكثر من ثلاثة عقود، مقارنة بنسبة 2.3% في عام 2020.
وأشار بنك إنجلترا مؤخرا إلى أن “الاتجاه نحو الرهون العقارية الأطول أجلاً في بريطانيا استمر”، بحيث أن 40% من مقترضي الرهونالعقارية الجديدين “سيتجاوزن سن التقاعد الحكومي الحالي بنهاية مدة رهنهم العقاري”.
يتعلق العامل الأكثر أهمية بالاقتصاد.. صحيح أن الأسر تدفع المزيد من الفوائد، لكن هناك أيضًا المزيد من الدخل.
ويستفيد البعض من ارتفاع أسعار الفائدة على مدخراتهم، والذي ارتفع في الاتحاد الأوروبي بما يقرب من عشرة أضعاف مدفوعات الفائدة منذ عام 2020.
وعلى عكس انهيار الإسكان في الفترة 2007-2009، كان سوق العمل مفيداً أيضاً (ولم تنهار البنوك).
ومنذ عام 2021، ارتفع متوسط الأجور في جميع أنحاء العالم الغني بنحو 15%، فيما ظل معدل البطالة قريبًا من أدنى مستوياتها على الإطلاق.
وفي كل دولة نستطيع أن نجد بيانات عنها، فإن الزيادة في دخل الأسر من العمل في الأعوام الأخيرة تفوق الزيادات في تكاليف الفائدة.
جدير بالذكر أن لا أحد يحب ارتفاع أقساط الرهن العقاري، لكن الغالبية العظمى من الناس يستطيعون تحملها.
لذا، لا تتفاجأ إذا استمرت أسعار المنازل في الارتفاع، وقد بدأت بعض البنوك المركزية بالفعل في خفض أسعار الفائدة مع انخفاض التضخم، ومن المقرر أن يتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قبل نهاية العام.
وفي مختلف أنحاء العالم الغني، يظل نمو الأجور في حالة جيدة إلى حد كبير.
كما أنه من شأن انخفاض التضخم أن يمنح حاملي الرهن العقاري مجالاً إضافياً للتنفس، وأي زيادة في الطلب على المنازل سوف تتعارض مع العرض المحدود، وما لم يتغير شيء جذري، فإن أكبر فئة الأصول في العالم على وشك أن تصبح أكبر.