لا تزال الحرب تلحق خسائر فادحة بالاقتصاد الأوكرانى، فقد انخفض الناتج المحلى الإجمالى للدولة بمقدار الربع مقارنة بما كان عليه عشية شن الرئيس فلاديمير بوتين حربًا عليها.
ويستنزف البنك المركزى احتياطيات النقد الأجنبى، وأدت الهجمات الروسية الأخيرة على البنية التحتية الحيوية إلى انخفاض توقعات النمو.
وحذر وزير المالية الأوكرانى سيرجى مارشينكو، فى 17 يونيو من أن “الجيوش القوية يجب أن تكون مدعومة باقتصادات قوية”.
وفى أعقاب قرار المشرعين الأمريكيين فى أبريل بالموافقة المتأخرة على حزمة تمويل بقيمة 60 مليار دولار، لن تنفد أسلحة أوكرانيا قريبًا.
وبمرور الوقت، ستُعزز الموارد المالية للدولة أيضًا من خلال خطط مجموعة السبع، التى أُعلنت فى 13 يونيو، لاستخدام أصول البنك المركزى الروسى المجمدة فى المؤسسات المالية الغربية لإقراض 50 مليار دولار أخرى.
والمشكلة هى أن أوكرانيا تواجه أزمة نقدية قريبًا، حسب ما ذكرته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
على مدى العامين الماضيين، وافق دائنو أوكرانيا على تعليق مدفوعات خدمة الديون، إذ يعادل معدل الإعفاء، من كل من المقرضين الحكوميين والخاصين، 15% من الناتج المحلى الإجمالى سنويًا.
وفى الواقع، إذا كانت المدفوعات مطلوبة، لكانت ثانى أكبر إنفاق للدولة، بعد الدفاع.
لكن الآن، من المقرر أن ينتهى الحظر المفروض على حاملى السندات الأجانب من القطاع الخاص، بما فيها شركة “أموندى” الفرنسية لإدارة الأصول وشركة “بيمكو” الأمريكية، فى الأول من أغسطس، وبالتالى، فإن أوكرانيا أمامها شهر لتجنب التخلف عن السداد.
يحرص صندوق النقد الدولى على أن يتفاوض مارشينكو على شطب الديون، لكن التوصل إلى اتفاق يبدو غير مرجح فى الوقت المتاح.
وإذا تخلفت أوكرانيا عن سداد ديونها، فهذا سيعكس الافتقار إلى الثقة إلى حد مثير للقلق بين مستثمرى القطاع الخاص فيما يتعلق بالتزام الغرب، وعلى المدى الطويل، قد يكون ذلك كارثيًا بالنسبة لتعافى البلاد.
نادرًا ما تُجرى إعادة هيكلة الديون فى خضم الحرب، حيث تقوم الدول بذلك لضمان الوصول إلى الأسواق المالية، مما يتطلب ديونًا يمكن إدارتها.
وتستغرق إعادة الهيكلة السريعة شهورًا، والصعبة أعواما، فالدائنون نادرًا ما يتخلون عن مطالباتهم بسهولة، لكن أوكرانيا مُنعت من الوصول إلى الأسواق المالية منذ بدء الحرب، ما يعنى أن الإجراءات ليست ملحة.
وفى يونيو، عرض مارشينكو على الدائنين صفقة تخفض 60% من القيمة الحالية لديونها، فيما رد الدائنون بهدوء أنهم يرون أن 22% أكثر منطقية.
وتعتبر أوكرانيا فى حاجة ماسة إلى الحيز المالى، وفى نهاية العام، ستقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى من 94%، وهى نسبة مرتفعة بالنسبة لاقتصاد يتمتع بتاريخ مالى وبهذا الحجم.
لا شك أن المبالغ التى يقدمها الحلفاء مثيرة للإعجاب، لكنها تأتى فى شكل مدفعية ودبابات وأموال مخصصة، وليس نقداً.
ولن يذهب سوى ثمانية مليارات دولار فقط من الحزمة الأمريكية الأخيرة مباشرة إلى الحكومة الأوكرانية، وهو مبلغ يعادل ما يزيد قليلاً على ربع إنفاق أوكرانيا السنوى على الفوائد الاجتماعية، وحتى هذا المبلغ يأتى فى هيئة قرض.
ويخطط الاتحاد الأوروبى لتقديم مبلغ أكبر قليلاً، لكنه لا يزال يقدم 38 مليار دولار فقط على مدى ثلاثة أعوام.
وبالرغم من تواضع الإعفاء الذى تريده أوكرانيا، إذ يبلغ 12 مليار دولار بين عامى 2024 و2027، لا تملك الدولة أموالاً إضافية لتسديدها إذا لم تُمنح هذا الإعفاء.
وبموجب صفقة إعادة الهيكلة التى تشبه تلك التى اقترحتها أوكرانيا، والتى رفضها حاملو السندات، لن تتمكن البلاد إلا من تغطية نفقاتها، وفقًا لصندوق النقد الدولى.
ومن جانبهم، يتساءل حاملو السندات حول كيفية تأكد الصندوق من ذلك، خاصة أن تحليله أصبح قديماً منذ بضعة أشهر.
وفى حال غياب الصفقة، سيكون لدى أوكرانيا خياران، أولهما هو التفاوض على تمديد تجميد مدفوعات خدمة الديون، كما حدث بالفعل مع الدائنين الرسميين، الذين سيتنازلون عن مدفوعاتهم حتى 2027، أما الخيار الآخر هو التخلف عن السداد.
وربما يبدو هذا دراماتيكيًا، لكن فى الواقع هناك اختلاف بسيط بين السيناريوهات، وفى كلتا الحالتين، لن تُستأنف المدفوعات الأوكرانية.
جدير بالذكر أيضًا أن جزءًا كبيراً من تعافى أوكرانيا، بما فيها تشييد البنية التحتية والمبانى المدنية، وكذلك تدريب الناس على إعادة بناء البلاد، لن يحقق أرباحًا أبدًا، بالتالى سيتعين على حلفاء الدولة تحمله.
ويثير المأزق الحالى احتمالاً مقلقًا، وهو أن انعدام الثقة بينهم وبين مستثمرى القطاع الخاص سيؤدى إلى إبطاء التقدم.
وكان مارشينكو محقاً فى تذكير الدائنين التجاريين لأوكرانيا بأن جيش أى بلد لا يكون قوياً إلا بقدر قوة الاقتصاد الذى يدعمه.
وكان بوسعه أيضاً أن يذكر حلفاء أوكرانيا بأن قوة الاقتصاد لا تتعدى قوة الجيش الذى يحافظ على وجوده.