السماح بانخفاض اليوان ربما يقوض الثقة في العملة
في أعقاب اختتام جلسة التخطيط الخمسية للحزب الشيوعي الصيني، يواجه الرئيس شي جين بينج ثلاثة تهديدات اقتصادية خطيرة، تتمثل في أزمة قطاع العقارات، وديون الحكومة المحلية المتزايدة، والطلب الضعيف من الأسر.
لكن هذه التهديدات ليست المشكلة الحقيقية بالنسبة لشي، بل الداء الاقتصادي الذي يتغذى منها بشكل متزايد، وهو “الانكماش”.
حتى الآن، كانت اتجاهات انخفاض الأسعار معتدلة.
في الواقع، سجلت أسعار المستهلكين ارتفاعًا طفيفًا قدره 0.2% في يونيو مقارنة بالعام السابق.
ومع ذلك، كان هذا هو الشهر الخامس على التوالي الذي ظلت فيه الأسعار ثابتة قرب الصفر.
ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية أن الضغوط الهبوطية تتزايد، فمنذ نهاية 2022، كانت أسعار المصانع عالقة في المنطقة السلبية.
في يونيو، انخفضت أسعار المنتجين بنسبة 0.8% على أساس سنوي بعد تهاوي قدره 1.4% في مايو.
تكتسب هذه الديناميكية أهمية لأن قطاع التصنيع في الصين يعد نقطة مضيئة في ظل المشكلات التي تقوض النمو.
ومع ذلك، فإن انخفاض الأسعار يشير إلى ضعف هناك أيضًا، إذ يتصرف فريق شي بحذر في طرح تحفيزات جديدة.
وتعهد نحو 370 من قادة الحزب الذين اجتمعوا في بكين مؤخرًا في “الجلسة الكاملة الثالثة” بتعميق الإصلاحات من الجانب العرضي لتحسين جودة النمو، وليس كمه فقط.
ورغم قلة التفاصيل، إلا أن معدل النمو السنوي البالغ 4.7% في الربع الثاني يشير إلى أنه ليس هناك وقت لتضييعه.
ثمة سبب يدفع العديد من الاقتصاديين إلى الإشارة إلى الدروس المستفادة من اليابان المجاورة، إذ يبدو أن فريق شي يعتقد أن الوقت في صالحه فيما يتعلق بتثبيت قوة التسعير، لكنه قد يكون مخطئًا بشكل كبير.
في الوقت نفسه، تكمن مشكلة الانكماش في كيفية ترسخه بسرعة أكبر مما يتصورها صُناع السياسات، كما أنه يتعزز بطرق ربما لا يلاحظونها.
تظهر بالفعل أسباب وجيهة للقلق من تأجيل الأسر لعمليات الشراء وسط توقعات بأن السلع والخدمات التي يرغبون فيها ستصبح أرخص لاحقًا.
وهذه الديناميكية، التي تلعب دورها عبر سوق يضم أكثر من مليار نسمة بمستويات دخل مختلفة للغاية في بيئات حضرية/ريفية متنوعة بشكل كبير، يمكن أن تكون قوية وغير متوقعة.
ومن هنا، تصبح المخاوف بشأن التركيبة السكانية في الصين ذات أهمية إحصائية.
كما تذكرنا اليابان باستمرار بأن الشيخوخة السكانية السريعة تؤدي إلى الانكماش بطبيعتها.
وبشكل عام، لا يشترى الناس في الستينيات والسبعينيات من عمرهم شققًا، أو يرقون الأجهزة، أو يشترون السلع المعمرة، أو يتناولون العشاء بالخارج بمعدل مماثل لأولئك في العشرينيات من عمرهم.
تعمل هذه القوى حتى مع تأخر شي ورئيس الوزراء لي تشيانج في وضع حد لأزمة العقارات، وتتفاقم حتى مع تباطؤ بكين في معالجةديون آليات التمويل الحكومية المحلية البالغة 13 تريليون دولار، وهي قنبلة موقوتة تهدد أكبر اقتصادات آسيا، كما تسهم في تخمة الادخار المربكة للاقتصاديين.
تظهر البيانات الأخيرة أن حتى المستهلكين الصينيين الذين لديهم ما يكفي من المال لا ينفقونه.
في الولايات المتحدة، يُنظر إلى زيادة الادخار عادةً باعتبارها فضيلة حيث تثبت الأسر أوضاعها المالية.
أما في الصين، فيشير الادخار في الغالب إلى ضعف الطلب الذي يقوض النمو الوطني.
يأتي الفائض في المدخرات كنتيجة مباشرة لشبكات الأمان الاجتماعي غير المتطورة.
هذه الفجوة الكبيرة في النظام الاقتصادي الصيني تفسر سبب اندفاع مئات الملايين لشراء الشقق، مما يغذي ما يمكن وصفه بأكبر فقاعة عقارية في تاريخ البشرية.
في عالم أقل تعقيدًا، فإن بنك الشعب الصيني سيخفض تكاليف الاقتراض وتوجيه السيولة إلى الزوايا الأضعف في الاقتصاد.
ومع ذلك، قد يتعارض ذلك مع اثنين من أهداف شي الأوسع نطاقًا.
أحد هذه الأهداف هو تدويل اليوان الصيني، فعلى مدى العقد الماضي، ارتفع استخدامه في المدفوعات الدولية بثبات.
وفي وقت سابق من العام الحالي، أصبح اليوان رابع أكثر العملات المتداولة في العالم، متجاوزًا الين الياباني.
وقد يؤدي السماح بانخفاض اليوان، خاصة عبر تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة من بنك الشعب الصيني، إلى تقويض الثقة في العملة.
الأسوأ من ذلك، أنه قد يصعب على مطوري العقارات المتعثرين سداد مدفوعات سنداتهم الخارجية، وآخر شيء يريده شي هو تصدر مجموعة “إيفرجراند” الصينية أو مخاطر التعثر في السداد في الصين عناوين الأخبار العالمية مجددًا.
أما مصدر القلق الثاني فهو دورة الانتخابات الأمريكية التي تنحرف سريعًا عن مسارها، فالشيء الوحيد الذي يتفق عليه الديمقراطيون بقيادة الرئيس جو بايدن والجمهوريون الموالون لدونالد ترامب هو التشدد تجاه الصين.
فلماذا تستفز واشنطن بانخفاض سعر صرف اليوان؟
ومع ذلك، فإن فريق شي مخطئ في اعتقاده بأن الوقت في صالحه عندما يتعلق الأمر بمحاربة الانكماش.
وهذا بالطبع هو الخطأ الذي ارتكبته اليابان في التسعينيات، فهو خطأ ما زال يطارد محافظ بنك اليابان كازو أويدا حتى اليوم.
إذا كانت مشكلات الانكماش في اليابان قد انتهت حقًا، فلماذا لا يزال التيسير الكمي ضروريًا؟
جدير بالذكر أن أزمة العقارات في الصين لا تشبه بشكل مباشر كابوس القروض المعدومة في اليابان، ومع ذلك يمكن العثور على أصداء في الخلفية الأوسع التي يواجهها الحزب الذي يقوده شي اليوم.