ارتفعت معدلات إقبال الطبقة المتوسطة فى مصر على تأجير الوحدات السكنية فى ظل الزيادة المستمرة بأسعار العقارات مع ارتفاع سعرى الصرف والفائدة، ما أدى إلى زيادة تكلفة الإنشاء على المطورين.
وتوقع متعاملون فى سوق العقارات المصرى، أن يشهد معدل الإقبال على الإيجار ارتفاعاً خلال الفترة المقبلة لدى الطبقة المتوسطة، لتلحق بطبقة محدودى الدخل التى تجد صعوبات كبيرة فى تملك الوحدات السكنية.
يبحث كل من إبراهيم محمود ـ 37 عاماً ـ والذى يعول أسرة مكونة من زوجة وطفلتين، ومحمود شمس 27 عاماً المقبل على الزواج عن وحدة سكنية للإيجار فى مناطق القاهرة الكبرى وضواحيها.
واصطدم «شمس» بأسعار الوحدات السكنية فى مناطق عدة كحدائق حلوان والمدن الجديدة مثل 15 مايو و6 أكتوبر وبدر؛ حيث يتجاوز سعر الوحدة حاجز المليون جنيه، فيما لجأ محمود إلى التمويل العقارى بضمان وظيفته لشراء عقار والاستفادة من إحدى مبادرات الدولة؛ حيث الحد الأقصى للفئة التى ينتمى لها راتبه يمنحه تمويل وحدة بسعر 600 ألف جنيه، ولكنه فشل فى العثور على وحدة سكنية بهذا السعر.
«سامى»: نشهد زيادة فى التوجه نحو التأجير ما أدى إلى توفير عائد جيد لملاك العقارات الشاغرة
ويرى أيمن سامى، مدير مكتب «جيه إل إل مصر» للاستشارات العقارية، إنَّ هناك توجهاً للتأجير بعد ارتفاع أسعار العقارات بشكل ملحوظ، ما كان له أثر إيجابى على السوق، وأدى إلى توفير عائد جيد لملاك العقارات الشاغرة.
وقال «سامى»، إن أسعار الإيجارات وفق تقرير مكتب «جيه إل إل مصر» ارتفعت بنسبة كبيرة وصلت فى منطقة أكتوبر إلى نحو 101% خلال الربع الثانى من العام الجارى، مقارنة بالعام الماضى، وارتفعت فى منطقة القاهرة الجديدة بنحو 122% خلال الفترة نفسها، ما يشير إلى وجود طلب كبير على الإيجارات.
وأضاف «سامى»، أن التوجه للاعتماد على الإيجار من قِبل الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل يأتى كحل مؤقت؛ لأنه يمثل فترة انتقالية؛ نتيجة عدم القدرة على التمليك فى ظل ارتفاع الأسعار أو التأجير خلال فترة انتظار استلام الوحدة فأغلب الوحدات تباع غير مشطبة.
وتابع «سامى»: «التقارير تشير إلى أن العملاء فضلوا شراء العقارات أكثر من الإيجار خلال العام الماضى، وخلال العام الجارى لم تتضح الرؤية بعد، ولكن بسبب ارتفاع أسعار العقارات تضعف القدرة الشرائية لدى الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل، وتجعلهم غير قادرين على الشراء فى القريب العاجل».
وقال إن الوضع مؤقت؛ لأن استمرار الاعتماد على التأجير يعتمد على الوضع الاقتصادى وزيادة الدخول، وهناك توقعات بارتفاع معدلات النمو فى الاقتصاد مقارنة بالأعوام الماضية، بالإضافة إلى زيادة الدخول مع تراجع معدل التضخم.
وأضاف «سامى»، أن شراء العقار لدى العقلية المصرية ليس فقط للاستقرار وتأسيس أسرة وإنما وسيلة للتحوط والحفاظ على قيمة مدخراتهم ضد تقلبات سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم.
“البورصة” ترصد أسعار العقارات السكنية فى العاصمة الإدارية وشرق وغرب القاهرة
ويرى «سامى»، أن المجتمع المصرى لا يستطيع التحول إلى الاعتماد على الإيجار أكثر من شراء العقار لعدة أسباب، منها ارتفاع معدل الزيادة السكانية السنوى والتى تحتاج إلى وحدات أكثر لاستيعابها.
وأوضح أن السوق العقارى المصرى يعتمد فى تمويل المشروعات على ما يتم تحصيله مسبقاً من دفعات البيع وليس التأجير حتى يستطيع المطور استكمال مشروعه، كما لا يوجد منظومة فى مصر تدعم ثقافة الإيجار.
وأشار إلى أنه من الصعب الاعتماد على الإيجار كحل دائم للطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل فى مصر لأنه يحتاج إلى منظومة جديدة ومختلفة فى الاقتصاد توفر جهات تمويلية.
ووفقاً لتقرير شركة «جيه إل إل» شهد سوق الوحدات السكنية صعوداً غير مسبوق فى أسعار البيع والإيجارات بفعل تخفيض قيمة العملة وارتفاع التضخم.
وأضاف تقرير شركة «جيه إل إل»، حول ديناميكيات السوق بالقاهرة، خلال الربع الثانى من عام 2024، أنه فى مدينة 6 أكتوبر ارتفعت أسعار البيع بشكل ملحوظ بنسبة ناهزت 175% سنوياً فى الربع الثانى، بينما شهدت القاهرة الجديدة زيادة بنسبة 180% مقارنة بالعام الماضى.
وفى الربع الثانى، تم إنجاز حوالى 2200 وحدة سكنية جديدة تضاف إلى المعروض الحالى والبالغ نحو 278 ألف وحدة، وأغلب الوحدات المنجزة من فئة الشقق السكنية، ومن المتوقع دخول أكثر من 22 ألف وحدة أخرى إلى السوق فى النصف الثانى من هذا العام.
«المنشاوى»: زيادة الإقبال على الإيجار لدى الطبقات المتوسطة لعدم توافر وحدات بأسعار مناسبة
وقال رضا المنشاوى، مدير المبيعات بشركة «ديارنا للتسويق العقارى»، إنَّ البيع يستحوذ على نحو 80% من العمليات التى تتم فى شركة «ديارنا»، مقابل نحو 20% فقط للإيجار.
وتوقع «المنشاوى»، زيادة التوجه للإيجار من قبل الطبقات المتوسطة خلال الفترة القادمة مدفوعاً بعدم توفر وحدات سكنية بأسعار تناسب دخول هذه الفئات بعد ارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير، ما أدى إلى ضعف القدرة الشرائية.
وتابع: «ما يحد من أزمة عدم توفر وحدات سكنية بأسعار مناسبة لهذه الفئات هو تدخل الدولة وإنشاء منظومة تمويل عقارى سهلة قابلة للتطبيق للتغلب على ارتفاع سعر الفائدة».
وأوضح أن سعر الوحدة السكنية بعد ارتفاع أسعار العقارات أصبح خارج نطاق مبادرات التمويل العقارى لمتوسطى الدخل، ويجب إعادة النظر فى الأسعار التى تتضمنها المبادرة بما يتناسب مع ارتفاع أسعار العقارات.
بيع العقارات بالدولار.. كيف تستفيد من المبادرة؟
وأشار إلى أن معدلات زيادة الدخل الشهرى لا تتناسب مع ارتفاع أسعار العقارات، فأغلب الوحدات التى يتراوح سعر إيجارها من 3 إلى 4 آلاف جنيه أصبحت تتراوح من 6 إلى 8 آلاف جنيه شهرياً.
وطالب بتوفير محور للإيجار ضمن المشروعات السكنية التى تطرحها الدولة للطبقة المتوسطة لحل أزمة ارتفاع الأسعار وفى الوقت نفسه توفير عائد مستدام من الإيجار.
وأشار إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بنسبة كبيرة خلال الفترة الماضية فى ظل انتقال عدد كبير من السودانيين إلى مصر؛ بسبب الحرب فى السودان، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على الإيجار بجميع مناطق القاهرة الكبرى.
«سمير»: الحل فى عودة التوازن بين الإيجار والتملك.. ويجب تنشيط منظومة التمويل العقارى
وقال محمد سمير، الرئيس التنفيذى لشركة إيليت للاستشارات المالية والتسويقية، إنَّ منظومة التمويل العقارى ظهرت فى مصر مع بداية الألفية الحالية كأداة مالية يستطيع المواطن أن يتملك العقار من خلال سداد قيمته على عدة سنوات، ولكن وصلنا حالياً إلى أزمة ارتفاع أسعار العقارات بما لا يتناسب مع دخول الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل.
وأضاف «سمير»، أن الحل يكمن فى عودة التوازن بين الإيجار والتملك، وحيث إن التملك ثقافة لا يستطيع المصريون التخلى عنها بسبب اعتبار العقار ملاذاً آمناً للاستثمار والتحوط من تراجع العملة وارتفاع معدلات التضخم، فيجب العمل على إزالة معوقات التمويل العقارى لتوفير العقارى للمواطن بشروط ميسرة.
وأوضح أنه يجب إصلاح التشوهات الموجودة فى المنظومة وحل أزمة صعوبة تسجيل العقارات لجذب جهات التمويل العقارى لتمويل عدد أكبر من الوحدات، بالإضافة إلى تخفيض سعر الفائدة.
كما طالب بإنشاء صندوق للمطورين العقاريين من أجل دعم سعر الفائدة من خلال سداد المطور لجزء من أرباحه لصالح الصندوق، خاصة أن مبادرات التمويل العقارى التى تدعمها الدولة توجه لفئات دخل معينة.
وأشار إلى أهمية تمويل الوحدات تحت الإنشاء والذى توقف منذ عام 2008، وجعل المطور يقوم بدورين «التطوير والتمويل»، ما أثر على دورة رأس المال لدى المطور العقارى، وساهم فى ارتفاع الأسعار لاعتماد المطور على المشترى وليس جهة تمويلية لتنفيذ مشروعه.
وقال «سمير»، إن ما يتم إنتاجه من العقارات فى مصر لا يتناسب مع متطلبات السوق، فوفق قانون العرض والطلب فالطلب فى مصر فى زيادة بسبب معدلات النمو السكانى والشرائح التى فى حاجة للسكن هى المتوسطة ومحدودة الدخل.
وأضاف أن النسبة الأكبر من مشروعات المطورين إسكان فاخر لشريحة محدودة من المواطنين. وتابع: «يجب أن تتعاون الدولة مع المطورين من خلال منحهم الأراضى بتسهيلات أو بأسعار مخفضة أو بالمجان ويتحمل المطور عملية الترفيق ليستطيع إنتاج عقار يناسب الدخول الخاصة بالشرائح المتوسطة ومحدودة الدخل فى ظل وجود نقص شديد فى الوحدات المعروضة لهذه الفئات».