الشركات الأمريكية والتايوانية والكورية الجنوبية تتجه إلى فيتنام لتعويض نقص الكفاءات
شهدت الأعوام الأخيرة تغيرات كبيرة فى قطاع أشباه الموصلات فى فيتنام، التى باتت تستهدف تدريب ما لا يقل عن 50 ألف مهندس ومصمم رقائق بحلول عام 2030.
يعود هذا الاهتمام إلى مجموعة من العوامل، منها الطلب المتزايد على مهندسى الرقائق نتيجة الطفرة فى الذكاء الاصطناعى.
كذلك، فإن تحولات سلاسل التوريد الناتجة عن اشتعال التوترات بين الولايات المتحدة والصين تعزز أيضاً الطلب على المواهب المحلية.
فى الوقت نفسه، أدى النقص الحاد فى العمالة فى اقتصادات الرقائق التقليدية مثل كوريا الجنوبية وتايوان، وكذلك الولايات المتحدة، إلى توجه الشركات للبحث عن مهندسين فى مناطق أخرى.
تعمل شركة «أل شيب تكنولوجيز» التايوانية الرائدة فى خدمات تصميم الرقائق العاملة بالذكاء الاصطناعى على تعزيز فريق البحث والتطوير فى فيتنام؛ حيث تخطط لفتح أول مكتب لها هذا العام، حسب ما نقلته مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
ويتوقع المدير المالى للشركة دانيال وانج، أن ترفع «أل شيب تكنولوجيز» عدد موظفيها إلى 100 مهندس خلال عامين إلى ثلاثة أعوام.
وقال رئيس الشركة والمدير التنفيذى جونى شين: «بعد تقييم عدة وجهات آسيوية لتعزيز فريق البحث والتطوير، أدركنا أن جذب المواهب فى الاقتصادات التقنية المتقدمة مثل اليابان قد يكون تحدياً لشركة بحجم وتوسع أل شيب، بالرغم من أننا نوسع عملياتنا هناك أيضاً»، موضحاً أن «مجموعة المواهب الهندسية الواعدة فى فيتنام وأخلاقيات العمل القوية تجعلها خياراً جذاباً للغاية بالنسبة لنا، فقد أثار إعجابنا التفانى والالتزام لدى المهندسين الفيتناميين، الذين يتطلعون للتعلم والمساهمة». كما تتجه شركات أخرى مثل «جلوبال يونيشيب كوربوريشن» و«فاراداى تكنولوجى»، التابعة لشركات تصميم الرقائق «تايوان لتصنيع أشباه الموصلات» و«شركة الإلكترونيات الدقيقة المتحدة» إلى فيتنام بحثاً عن مهندسين شباب.
وبالمثل، تتوجه الشركات الكورية الجنوبية إلى فيتنام جزئياً لتعويض النقص فى الكفاءات فى سوقها المحلى.
وقال جين كيم، الرئيس التنفيذى لشركة «ميتيسكس»، إنه «أصبح من السهل على الأشخاص الأذكياء فى بلادنا التوجه إلى الولايات المتحدة بعد بذلهم جهداً كبيراً فى الدراسة.. وينضم العديد منهم إلى شركة إنفيديا بأجور مكونة من ستة أرقام أو حتى بملايين الدولارات.. نحن بحاجة إلى تقديم حزم تنافسية، لكن لا يمكن لشركة واحدة تحمل ذلك بمفردها». بالإضافة إلى ذلك، دعا المسئولون إلى ضرورة وجود نظام تعليمى يهدف إلى تدريب الموظفين الأجانب وتخفيف قواعد التأشيرات لجذبهم، وكانت فيتنام هى الدولة التى ذكرت ذلك مراراً وتكراراً.
التفوق التكنولوجى
دخلت شركة «بى أو إس سيميكوندوكتور» الكورية الجنوبية إلى مدينة «هو تشى منه» فى 2022 لإنشاء فريق دعم، لكن مع تنقل المديرين التنفيذيين بين فيتنام وكوريا، ومقارنة الفريقين، أقنعت جودة الهندسة الفيتنامية الشركة بترقية الفريق ليصبح مركزاً رئيسياً للبحث والتطوير.
قال المدير القطرى ليم هيونج جون، فى مقابلة: «أدركوا أن هذا قد يكون مركزاً رئيسياً للبحث والتطوير، وهذا كان غير متوقع تماماً».
يعمل حوالى 50 موظفاً فى مكتب «هو تشى منه»، بما فى ذلك مدير التصميم نجوين هونج كوان، الذى قال إنَّ زملاءه «متحمسون جداً» للعمل على أمور مثل نقل البيانات عالية السرعة، وهو ما يساعدهم على تعلم المزيد من المهارات.
وتابع قائلاً: «نحن فى فيتنام فى مرحلة البحث والتطوير، الإنتاج أمر صعب ومكلف، لكن هذا سيضعنا فى الاتجاه الصحيح».
لا شك أن توفر العمالة التقنية فى وقت النقص قد يساعد فيتنام على تحقيق حلمها الطويل الأمد فى التقدم فى سلسلة القيمة التكنولوجية.
فعلى سبيل المثال، تصف شركة «مارفل» فيتنام بأنها «موقع استراتيجى لتطوير المواهب الهندسية».
ساعد المخضرم فى الصناعة لى كوانج دام، فى بناء أول مكتب لشركة «مارفل» الأمريكية فى فيتنام، ليرتفع أعداد فريقها الآن إلى أكثر من 400 مهندس، بعد أن كان العدد 300 العام الماضى وبعد أن كان العدد متراجع جداً فى الأعوام الأولى.
تهدف «مارفل» إلى زيادة عدد موظفيها المحليين إلى حوالى 500 بحلول 2026، وتشمل خطة التوظيف ليس فقط موظفى المكاتب فى «هو تشى منه» بل أيضاً موقعاً جديداً فى «دا نانج» وسط فيتنام، وذلك وسط اعتقادهم أن الدولة ستصبح ثالث أكبر مركز لتصميم الرقائق لمارفل بعد مقرها الرئيسى فى الولايات المتحدة والهند.
وعلى عكس المجالات التى تتطلب تكنولوجيا منخفضة أو كثيفة العمالة، تتطلب عمليات «مارفل» فى فيتنام قدرات هندسية متقدمة؛ حيث يركز العمل بشكل أساسى على الاتصال البصرى لمراكز البيانات عالية السرعة والتخزين وتكنولوجيا أشباه الموصلات التناظرية والمختلطة، وكلها ضرورية لتعزيز البنية التحتية للذكاء الاصطناعى.
كذلك، تعد شركة «سينوبسيس» الأمريكية، أكبر مصمم لأدوات تصميم الرقائق فى العالم، ضمن الشركات الأكثر نشاطاً التى توجهت إلى فيتنام؛، حيث توظف حالياً أكثر من 500 موظف فى عدة مراكز تصميم فى مدن متعددة.
قال روبرت لى، نائب رئيس المبيعات فى «سينوبسيس» لتايوان وجنوب شرق آسيا، إنَّ «الاهتمام الكبير لدى الطلاب والعاملين فى فيتنام بالتدريب فى مجال هندسة أشباه الموصلات، بجانب تمويل الحكومة وبرامجها، يساعد فى تعزيز مكانة البلاد كمركز للمواهب فى هذا المجال».
تحديات الفرص الكبيرة
فى ظل تدفق الاستثمارات التكنولوجية، بدأت تظهر بعض التحديات، فقد أصبحت حركة المرور فى هو تشى منه أكثر ازدحاماً، وربما لا تستمر الفوائد التى تجذب الاستثمارات الأجنبية طويلاً.
ويقدر بريان تشين، الشريك فى مكتب «كيه بى إم جى» فى تايوان وفيتنام، أن مستويات الأجور فى فيتنام قد تلحق قريباً بمستويات الأجور فى تايوان بسبب الطلب القوى على العمال؛ حيث «يشهد مستوى الأجور ارتفاعاً حاداً، وستتمتع المواهب عالية المستوى بنمو فى الأجور بنسبة 10% على الأقل كل عام».
فى الوقت الحالى، لا يزال الطلب على المواهب يفوق العرض بكثير، ليس فقط فى فيتنام.
تسعى ماليزيا، التى كانت مركزاً لصناعة الرقائق فى السبعينيات والثمانينيات، إلى إعادة بناء صناعتها المحلية؛، حيث تتدفق الاستثمارات من بعض أكبر الأسماء فى المجال، لكنَّ المراقبين يشيرون إلى نقص المهندسين المحليين كواحد من التحديات التى تعيق حلم الحكومة.
وتشهد تايلاند أيضاً موجة جديدة من الاستثمارات فى لوحات الدوائر المطبوعة، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والخوادم، لكنها تواجه كذلك احتياجاً متزايداً للمواهب التقنية المحلية.
كما تحاول اليابان استعادة أمجادها كقوة فى صناعة الرقائق، ويُعد نقص المهندسين ذوى الخبرة من التحديات التى يتحدث عنها صُناع السياسات والمسئولون فى الصناعة باستمرار.
حتى الصين، التى تكرس حكومتها جهودها لدعم صناعة الرقائق المحلية، تواجه تحديات فى توظيف عدد كاف من المهندسين، حيث يختار العديد من خريجى الجامعات الرائدة وظائف ذات أجور أفضل فى مجالات البرمجيات أو الخدمات المالية.
تطوير الجيل القادم
فى فيتنام، يقول المسئولون التنفيذيون فى مجال الرقائق، إنَّ المنح الدراسية والتدريبات تعد ضمن الأدوات الرئيسية التى يستخدمونها لجذب المزيد من المهندسين إلى القطاع.
تخطط «سول إيه أى هاب»، وحدة الأبحاث التابعة لحكومة سول العاصمة، لتقديم برنامج تدريب مدته ثلاثة أشهر للطلاب الفيتناميين بدءاً من سبتمبر، بحيث يربطهم بشركات تصميم الرقائق الكورية الجنوبية.
كما تعمل وزارة الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة فى كوريا الجنوبية مع وزارة العدل لتطوير قواعد تأشيرات أكثر مرونة لصالح الفيتناميين.
فى الوقت نفسه، تعمل واشنطن مع سبع دول، بما فى ذلك فيتنام، لبناء سلسلة توريد للرقائق تستثنى الصين.
وصرح مسئول أمريكى فى وقت سابق من العام الجارى بأن الخبرة الطويلة لفيتنام فى التجميع ستساعدها على التوسع فى تصميم الشرائح.
وقال خوسيه فرنانديز، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للنمو الاقتصادى والطاقة والبيئة، إنَّ «هناك العديد من الدول فى العالم التى تود أن يكون لديها القدرة التى تمتلكها فيتنام على التجميع والاختبار والتغليف، وهى أشياء ينبغى البدء بها حتى ننتقل إلى البناء».
وتأتى جهود أخرى من القطاع الخاص، حيث تسعى شركة «بيجاترون»، المزود التايوانى لشركتى «أبل» و«مايكروسوفت»، إلى توسيع مجموعة المواهب الهندسية المحلية فى فيتنام، حيث تبنى وجودها التصنيعى منذ 2020.
قال تشي ـ ليانج تشين، المدير العام لشركة «بيجاترون فيتنام»، إن «إنتاجية وجودة المواهب تزداد فى فيتنام، لكن نظراً إلى ديناميكيات السوق، لا يمكن للعرض أن يواكب الطلب، لذا يجب على الشركات المشاركة بشكل أكبر فى التدريب».
وأضاف أن تركيز الحكومة الفيتنامية المتزايد على قطاع أشباه الموصلات يؤثر أيضاً على التوظيف فى القطاعات التقنية الأخرى.
وتتوقع «بيجاترون» أن تصبح مشكلة نقص المواهب «أكثر وضوحاً» فى المستقبل القريب.
وقال تشين: «نأمل بشدة أن تكون الحكومة والمدارس أكثر عدوانية فى فتح المزيد من الأقسام المتعلقة بالهندسة مع حوافز لتوسيع مجموعة المواهب».