فيما مضى كان يقال إن الكتب تطبع في لبنان وتقرأ في العراق وتكتب في مصر، أظن في عصر التكنولوجيا الشعار الجديد يجب أن يكون التطبيقات في الخليج وأوروبا، وكتابة الكود في مصر، حيث مصر يمكن أن تكون هي المكتب الخلفي لكل الاقتصاديات المنتعشة في الخليج والاقتصاديات الأوروبية الباحثة عن مكاتب خلفية ذات كفاءة جيدة وتكلفة أقل بكثير.
وظني أن الأخبار التي انتشرت في الأيام الماضية عن كون المصريين من أكثر المؤسسين للشركات في السعودية والإمارات العربية المتحدة، هو أمر جيد جداً ومؤشر على طموح استغلال القدرات الكامنة لملايين الشباب من أجل أن تنطلق خدماتهم إلى الخليج وأوروبا.
إذا بدأنا بالنظر إلى دمج التكنولوجيا في المناهج التعليمية، نجد أنه بينما حققت كل من مصر وأوروبا خطوات كبيرة في دمج التكنولوجيا في أنظمة التعليم الخاصة بهما، هناك اختلافات ملحوظة في النتائج بالنسبة للخريجين.
في مصر، كان دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم أولوية رئيسية، مع مبادرات مثل “أجيال مصر الرقمية” التي أطلقتها الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتكون مظلة لعدد من مبادرات بناء القدرات الرقمية المقدمة بالمجان للنشء والشباب بالمراحل العمرية المختلفة بدءًا من الصف الرابع الابتدائى وصولاً لطلاب الجامعات والخريجين من مختلف الخلفيات الأكاديمية لتنمية مهاراتهم فى التخصصات الحديثة فى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومنها الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، والأمن السيبراني، والنظم المدمجة، والفنون الرقمية، وإدارة موارد المؤسسات وغيرها بما يتواكب مع متطلبات سوق العمل المحلي والعالمي.
على النقيض من ذلك، كانت الدول الأوروبية أكثر نجاحًا عمومًا في دمج التكنولوجيا في أنظمة التعليم الخاصة بها. على سبيل المثال، تم التعرف على فنلندا لاستخدامها المبتكر للتكنولوجيا في التعليم، مع التركيز على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات لدى الطلاب. وقد أدى ذلك إلى إعداد أفضل للخريجين الذين هم أكثر تنافسية في سوق العمل.
ومع ذلك، تواجه كل من مصر وأوروبا تحدي مواكبة المشهد التكنولوجي سريع التطور، إن الاستثمار المستمر في تدريب المعلمين والبنية التحتية وتطوير المناهج الدراسية أمر حيوي لضمان تجهيز الخريجين بالمهارات اللازمة للنجاح في العصر الرقمي وبناء شركات ناشئة ناجحة.
شركة مثل “سبرنتس” هي مثال واضح جداً لنموذج العمل أعلاه، حيث تقوم سبرينتس باستخدام الذكاء الاصطناعي لتدريب الشباب على مهارات تكنولوجية مطلوبة، مع ضمان دفع تكلفة الكورس اذا لم تجد وظيفة أو لم توفر لك سبرنتس وظيفة عن طريقة شبكة عملائها، تقريبًا كل من حصل على تدريب سبرنتس حصل على وظيفة، بل قام السيد بسام شرقاوي، شريك مؤسس شركة سبرنتس، بعمل انترفيو مع هانز هنريك غروث، الرئيس التنفيذي ومؤسس “كروس وركرز CrossWorkers” الذي قام منذ أكثر من 10 سنوات بتأسيس شركة “في مر”، غرضها مبرمجين مصريين يعملون عن بعد في أوروبا.
محمد نجاتى يكتب: عصر السيولة والابتكار.. مستقبل الكيانات الكبرى فى استحواذات الشركات الناشئة!
لكن قد يقول بعضهم إن فكرة المبرمج الموجود في مصر والعمل في الخليج وأوروبا فكرة قديمة، نعم ولكن الجديد حاليًا هو التطور التكنولوجي الضخم بينما يسمي “السوفت وير كخدمة”، SaaS software as a service.
مع تطور التكنولوجيا والحوسبة أصبح من الممكن تطوير منتج تكنولوجيا، يحصل عليه العميل في أي مكان في العالم مقابل اشتراك شهري، لا تحتاج إلى شراء السوفت وير أو تركيب معدات مرتفعة السعر في شركتك، مثلاً شركة “وايد بوت” لديها حلول ذكاء صناعي تتيح لك أن ترد على عملائك 24/7 وكأنك تمتلك فريق مبيعات لا ينام وهو فريق مبيعات على دراية كبيرة بمنتجك وفريق يعرف كيفية جعل العملاء يشترون الخدمة التي تبيعها.
تكنولوجيا تكلفت ملايين ويعمل عليها أكثر من 100 شابة وشاب في مكاتب وايدبوت بالقاهرة، لكن لديهم عملاء في كل انحاء العالم العربي، يدفعون اشتراكا بسيطا حوالي 100 دولار ويحصلون على هذه الخدمة، وهذا جزء هام جداً من المستقبل، الحلول التي سوف تتكلف ملايين ولكن العميل يستطيع شرائها وهو في مكانه خاصة في الخليج وأوروبا بسعر اشتراك شهري مخفض.
مثال آخر هي شركة كونكت موني – Connect Money – شركة ناشئة للتكنولوجيا المالية مبتكرة من مصر تتخصص في Banking-as-a-Service أو الخدمات المصرفية كخدمة.
تم إطلاقها هذا العام وتهدف الشركة إلى تصدير حلول BaaS الخاصة بها عبر المنطقة، وخاصة استهداف أسواق شمال أفريقيا مثل المغرب وكينيا والشرق الاوسط مثل السعودية.
من خلال توفير منصة إصدار بطاقات بعلامة العميل التجارية، تتيح كونكت موني للشركات غير المصرفية تقديم الخدمات المالية لعملائها، مثل بطاقات الخصم والائتمان، دون الحاجة إلى بنية تحتية واسعة أو عقبات تنظيمية.
هذا النموذج جذاب بشكل خاص لأنه يمكّن الشركات من التركيز على عملياتها الأساسية مع تعزيز مشاركة العملاء من خلال حلول التمويل المدمج.
يؤكد التمويل الأولي البالغ 8 ملايين دولار، الذي قادته صناديق رأس المال الاستثماري البارزة في مصر، على الثقة المتزايدة في إمكانات كونكت موني.
ومع ازدياد الطلب على نماذج الـ SaaS، تنسجم كونكت موني بسلاسة مع هذا الاتجاه من خلال تقديم خدمات مبنية على الاشتراك التي تلغي الحاجة إلى نفقات رأسمالية كبيرة.
“ستارت آب بلينك”: مناخ أعمال الشركات الناشئة المصرى جاذب للاستثمارات
يبسط هذا النهج العمليات ليس فقط للشركات ولكن أيضًا يضع مصر كلاعب رئيسي في المشهد التكنولوجي المالي، مما يسهل الشمول والابتكار المالي في جميع أنحاء المنطقة.
من خلال الاستفادة من التكنولوجيا لتبسيط العمليات المصرفية، تتطلع كونكت موني إلى تحويل طريقة تفاعل الشركات مع عملائها ماليًا.
مثال آخر جدير بالملاحظة لهذا النموذج هي شركة Teradix – تيرادكس التى تقوم بإحداث ثورة في عمليات الشراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال حلولها السحابية لإدارة المشتريات داخل الشركات.
من خلال تبسيط المهام مثل طلبات الشراء، والمناقصات الإلكترونية، والمزادات العكسية، تمكّن تيرادكس الشركات من تعزيز الكفاءة، وتقليل التكاليف، واتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات.
تعتبر هذه البساطة ضرورية بشكل خاص في منطقة غالبًا ما تعاني فيها عمليات الشراء من الممارسات القديمة وعدم الكفاءة.
يتماشى نموذج الاشتراك الخاص بالشركة تمامًا مع الاتجاه المتزايد لنماذج الأعمال كخدمة البرامج SaaS ، مما يسمح للشركات المحلية بالوصول إلى أدوات الشراء المتقدمة دون عبء الاستثمارات الكبيرة في البداية.
لا يقلل هذا النموذج من الحواجز أمام الدخول فحسب، بل يمكّن الشركات أيضًا من توسيع عملياتها إقليميًا وعالميًا. من خلال اعتماد حلول تيرادكس، يمكن للشركات التركيز على كفاءاتها الأساسية بينما تستفيد من التكنولوجيا لتحسين عمليات الشراء.
السوفت وير كخدمة وكمطبخ أو مكاتب خلفية، من الممكن أن تزدهر جداً في مصر، خاصة إذا كان المنتج مناسبا لاحتياجات العميل في الخليج وأوروبا وتوجد فرص ضخمة في صناعات المحاسبة والمتابعة القانونية والبرامج وأتمتة إدارات المشتريات والمبيعات والتسويق.