رغم عقود من العولمة والتقارب الجزئي، لا تزال الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم واسعة، ورغم أن التسميات مثل “الشمال العالمي” و”الجنوب العالمي” غير دقيقة، فإنها تبرز اختلافات حقيقية.
تقع دول أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، الجيران الجنوبيون للولايات المتحدة، في قلب الأزمات.
وعلى الحافة الجنوبية لأوروبا، تعاني سوريا من ويلات الحرب، ويشهد غرب آسيا اضطرابات، بينما يعاني الملايين في منطقة الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء من الفقر المزمن.
ليس ثمة حل بسيط لمشكلة التنمية، لكننا نخدع أنفسنا إذا لم نتحدث عن المال، إذ تحتاج الاقتصادات الفقيرة إلى مزيد من رأس المال، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
كما أن العالم يحتاج إلى حوالي 3.8 تريليون دولار من الاستثمارات الإضافية سنوياً لتحقيق التنمية المستدامة، ويجب أن يُوجه جزء كبير من هذا المبلغ إلى أفريقيا.
ليس هدف التنمية فقط خلق عالم أكثر استقرارًا وعدالة، بل أيضًا أكثر غنى وأمانًا، فتفشي جدري القرود هو آخر التحذيرات من مخاطر أزمة صحية عامة قد تخرج عن السيطرة في دولة فاشلة.
ورغم الفرص المحتملة، فإن رأس المال الخاص لن يسد الفجوة، لذا، توفر سياسة التنمية مجموعة معقدة من المساعدات الوطنية والمتعددة الأطراف والتمويلات الميسرة، لكن هذه الجهود لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
وفقًا للبيانات الموثوقة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في اقتصاد عالمي يُقدر بأكثر من 105 تريليونات دولار، تجمع الدول الغنية بالكاد 224 مليار دولار كمساعدات موزعة على مئات المانحين والمتلقين.
وتقدم الولايات المتحدة، أكبر مانح، 66 مليار دولار، وهو ما يمثل فقط 0.24% من الناتج القومي الإجمالي، وهذا بالكاد يُعتبر دورًا قياديًا على مستوى العالم.
ومن حيث النسب المئوية، يعد هذا المجال أحد المجالات التي لا تتراجع فيها أوروبا عن مسؤولياتها، فعلى سبيل المثال تقدم فرنسا 0.5% من ناتجها القومي الإجمالي، أي ضعف نسبة الولايات المتحدة، بينما تصل نسبة ألمانيا إلى 0.79%.
لا شك أن هذه الأموال تحقق فوائد ملموسة، فملايين الناس سيكونون في خطر شديد بدونها.
ومع ذلك، تظل مناطق شاسعة من الاحتياجات غير ملباة، ويصعب الإشارة إلى قصص نجاح كبيرة.
لقد كان تعافي أفريقيا من صدمة كوفيد مخيبًا للآمال، حيث عُوض تدفق المساعدات والتمويلات الميسرة بشكل أكثر من تراجع التمويل الخاص.
وفي ظل تصاعد أزمات الديون، تحولت قصص النجاح الأفريقية الأخيرة، مثل تلك الخاصة بكينيا وغانا، إلى كوارث.
كما يعيش أكثر من 900 مليون شخص في دول تتجاوز فيها مدفوعات الفائدة الإنفاق على الصحة أو التعليم.
وفي مناقشات مطولة، تتباحث الحكومات والدائنون والمنظمات غير الحكومية حول كيفية تقديم تخفيف الديون والتمويل المؤقت.
وفي الوقت نفسه، يتقدم نظام مساعدات مختلف على نطاق أكبر وأكثر إلحاحًا في أوروبا نفسها.
وبسبب القواعد غير المتسقة في حسابات المساعدات، يتم احتساب أوكرانيا، جنبًا إلى جنب مع متلقين مثل إثيوبيا ومالي، في بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ومنذ الحرب الروسية قبل عامين ونصف العام، تلقت أوكرانيا مساعدات وتخفيفًا للديون أكثر مما تلقته أي دولة أفريقية خلال العقود القليلة الماضية.
وعلى عكس معظم تدفقات المساعدات الأخرى، صنع هذا المال التاريخ، فقد سُمح لأوكرانيا بمواجهة روسيا وتحقيق توازن في معركتها، مع استقرار اقتصادها المدمر بالحرب.
في “الجنوب العالمي”، يشعر الناس بالاستياء من أن النزاعات الأكثر دموية في إثيوبيا والسودان بالكاد تحظى باهتمام في التعليقات الغربية، فيما يُبرز الدعم الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا بشكل حاد ما هو مفقود فيما يتعلق بـ “الجنوب العالمي”، أي الإحساس بالمصير المشترك والهدف المشترك، الضروريين لإطلاق مساعدات على نطاق يغير العالم.
وبالطبع، تتواجد روسيا والصين أيضًا في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد استجابت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ببرامج ائتمانية جديدة للبنية التحتية، لكن هذه تعتبر تدريبات في الحسابات الخيالية، أي مبادرات مختلطة بين القطاعين العام والخاص مدعومة بقليل من الأموال العامة الإضافية.
ليس فقط المعتدي مختلفًا، بل الضحايا أيضًا، فقد كانت أوكرانيا، التي كانت تُعتبر رمزًا للفساد وعدم الكفاءة، قد تجددت بفعل الصدمة الأولى للتدخل الروسي في عام 2014.
ومنذ الحرب التي شُنت في 2022، ورغم استمرار المشاكل مع الفساد، استخدمت أوكرانيا المساعدات الغربية بشكل مذهل.
ثم جاء دور الناس، فقد أنفقت الدول الأوروبية مليارات الدولارات لدعم اللاجئين الأوكرانيين.
وفي المقابل، مُنع العديد من المهاجرين من الجنوب من الحصول على التمويل والخدمات التي قد تساعدهم على النجاح، ويُدفعون إلى العيش في ظروف غير قانونية.
يعد الارتباط بأوكرانيا عميق، إذ يتمثل طموح كييف في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الطموح الذي قاد العديد من دول وسط وشرق أوروبا نحو الازدهار الأوروبي الغربي.
وبدلاً من صد محاولات أوكرانيا، رحبت بروكسل بها.
في النهاية، وكما لم يتردد الأوروبيون في قول ذلك، فإن المفتاح هنا هو أن الأوكرانيين “يشبهوننا”.
والواقع المحزن هو أنه إذا كانت مساعداتنا كافية لمساعدة أفريقيا في تحقيق انطلاقتها الاقتصادية، فإن الأمل الأكبر لدى معظم سكان أوروبا سيكون أن الهجرة ستتوقف.
وعلى النقيض التام من أوكرانيا، لا يوجد تصور إيجابي لمستقبل مشترك مع أفريقيا مزدهرة وواثقة من نفسها.