العمل الأهلى مثله مثل أى قطاعات تأثر بالأزمة الاقتصادية؛ فتراجعت أو انخفضت قيمة التمويلات الموجهة إليه، وكثير من الجمعيات ومنظمات العمل الأهلى لم تعد قادرة على تقديم خدماتها بسبب انخفاض قيمة التبرعات.
ومن هنا تبدو أهمية مناقشة كيفية تحقيق استدامة التمويل لمنظمات العمل الأهلى بما يضمن استمرارها فى تقديم خدماتها للفئات المحتاجة جدًا لها، وإذا كان قانون الجمعيات الأهلية نفسه قد نص على حق الجمعيات فى إدارة واستثمار أموالها فى تأسيس شركات أو صناديق استثمار ترتبط بانشطتها، فإن المشرع كان واقعيًا ومدركًا لإمكانية تعرض هذه المنظمات لأزمات تنتج عن انخفاض التبرعات والتمويلات التى تتلقاها هذه المنظمات، فإنه أراد بالسماح للجمعيات بالاستثمار وتأسيس شركات أن يضمن لها إيرادات ثابتة ودورية تعينها على ممارسة أنشطتها فى أى وقت ومواجهة الأزمات.
وقد لاحظنا تعرض كثير من الجمعيات والمنظمات الكبرى لهزات مالية، خاصة التى تدير مستشفيات أو كيانات خدمية كبيرة بسبب تراجع إيراداتها من التبرعات منذ جائحة كورونا، ومن تبعها من أزمات أقتصادية لحقت بالبلاد.
حسين عبدربه يكتب: حسن الخطيب وزير الدولار
وللأسف هذه الجمعيات والمنظمات لم تلتزم بما جاء فى قانون الجمعيات الأهلية فى مادتيه 27 و28 فيما يخص أهمية التزام هذه الجمعيات بتطبيق قواعد الحوكمة والإدارة الرشيدة وإدارة أموالها، وهى التي تتلقى تبرعات بعشرات ومئات الملايين من الجنيهات، فلم يكن لديها استشارة أو لجنة مكونة من خبراء فى هذه المجال، ولا توجد لجان للمراجعة الداخلية لكن ما يتم من أمور إدارية ومالية، ناهيك عن أن مجالس إدارة هذه الجمعيات تفتقد لوجود خبرات فى مجال الإدارة والاستثمار أو حتي تكوين لجان من شخصيات ذات خبرة أو التعاقد واستثمارها.
وبقدر خطأ هذه المنظمات والجمعيات، فإن الخطأ الأكبر للجهة الإدارية المختصة بالإشراف عليها وهى وزارة التضامن الاجتماعي؛ فالوزارة لم تلزم هذه المنظمات بتكوين لجان مراجعة وإدارات للحوكمة وإدارة الأموال واستثمارها، ولم تشترط ضرورة تدريب وتأهيل من يعملون فى هذه المنظمات على قواعد الحوكمة وإدارة الاستثمار، وهل حدث شىء من الوزارة للبحث عن حلول تضمن استدامة التمويل واستدامة هذه المنظمات فى تقديم خدماتها عقب الأزمة التي تعرضت لها مستشفى 57357 في عام 2022 عندما تراجعت التبرعات لهذه المستشفى بنحو 70%؟.
هل سمع أحد من أن الوزارة دعت لمؤتمر أو لنقاش تجمعى للخبراء فى كيفية مواجهة أزمات التمويل للمنظمات الأهلى؟، وهل نترك الأمر هكذا لتتوقف كيانات كبيرة تقوم على التبرعات مثل 57357 ومركز مجدى يعقوب وغيرها من المستشفيات؟.
حسين عبدربه يكتب: أوركسترا حسن عبدالله يعزف منفردًا
نعم البنوك تقدم تمويل ضخم لهذه الكيانات، ولكن هل تكفى البنوك وحدها لتمويل هذه المنظمات؟، فالأمر يحتاج لنقاش مجتمعى لأزمات التمويل واستدامتها لمنظمات العمل الأهلى، خاصة أن الأزمات الاقتصادية التى نعيشها مستمرة ومشاكل تدبير النقد الأجنبى لهذه المنظمات مرتبط بأزمة النقد الأجنبى التى تعانى منها البلاد.
وهذه المنظمات تستورد أجهزة ومعدات طبية من الخارج، والدولة ليس فى استطاعتها فى الوقت الحالى تمويليها، فالقطاع الخاص كثير من شركاته تقوم بدورها فى مجال المسئولية المجتمعية، ولكن هذا الدور هل هو المطلوب حاليا؟، الأمر يحتاج لنقاش كبير وعاجل.
فمن غير المعقول أن نترك جمعيات تدير أموالا بالملايين لأفراد لا يملكون خبرات فى إدارة وتوجيه هذه الأموال؟ ومثلما انتفض الجميع وقت إصدار قانون الجمعيات من أجل قضية التمويل الأجنبى والحفاظ على الأمن القومى؛ فإن أزمة التمويل واستدامتها للجمعيات أمن قومى واضراره تهدد السلم الاجتماعى، إذا تأثرت منظمات العمل الأهلى وتوقفت عن تقديم خدماتها للفقراء.