تمامًا كما خرجت أوروبا من عامين من الركود، عادت البيانات الضعيفة، وزيادة المخاطر السياسية، والمشكلات الهيكلية لتضع مستقبل المنطقة مرة أخرى محل تساؤل.. فما مدى أهمية هذه التحديات، وهل لا تزال أوروبا قابلة للاستثمار؟
يعتقد يارى ستين من “جولدمان ساكس”، أن التوقعات الدورية تبدو أكثر ضعفًا، وقد تزداد سوءًا إذا أُعيد انتخاب دونالد ترامب وفرض التعريفات التى اقترحها.
فيما أبدى جان بيزانى فيرى من “مركز الأبحاث بروجيل”، قلقه بدرجة أقل بشأن التعريفات المحتملة من جانب ترامب فى الأجل القصير، لكنه يشعر بالقلق من ضعف الزخم فى النشاط الاقتصادى والمخاطر الناجمة عن توجه الولايات المتحدة نحو العزلة.
ويرى ستين أنه على الرغم من أن تسارع النمو فى النصف الأول من 2024 يشير إلى أن أوروبا قد خرجت من عامين من الركود، فإن التوقعات قد تراجعت بسبب البيانات الأضعف مؤخرًا وزيادة مخاطر النمو الناتجة عن التجارة فى ظل التباطؤ فى الصين وسياسات ترامب المقترحة إذا فاز بالرئاسة الأمريكية.
ويتوقع ستين الآن نمو الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 0.7% و1.3% فى منطقة اليورو هذا العام والعام المقبل على التوالى، مع وجود مخاطر هبوطية كبيرة حتى لهذا الأساس الضعيف نسبيًا.
ويقدر أن التعريفة الجمركية التى اقترحها ترامب بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية قد تخفض النمو فى منطقة اليورو بنسبة 1%.
وقال إنه حتى إذا لم يتم تنفيذ مثل هذه التعريفات، فإنه يرى أن الارتفاع الحاد فى عدم اليقين بشأن سياسات التجارة – والذى بدأ بالفعل فى الظهور – سيكون ضارًا بالنمو.
بالإضافة إلى المخاطر التى تفرضها سياسات ترامب، تواجه أوروبا أيضًا تحديات سياسية داخلية بعد نتائج الانتخابات الأوروبية والفرنسية.
وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات أبقت على تواجد القوى الوسطية فى القيادة، فإن اليمين المتطرف حصل على عدد كبير من المقاعد فى البرلمان الأوروبى، كما أن البرلمان المعلق الناتج عن الانتخابات الفرنسية ينبئ بمأزق سياسى قد يعيق التقدم.
وسياسيًا، يرى الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو، أنه رغم تصاعد النزعة الوطنية، فإن التحديات الخارجية مثل تصاعد النفوذ الروسى والصينى، بالإضافة إلى التقلبات فى السياسات الأمريكية، تدفع باتجاه المزيد من التكامل الأوروبى على المدى المتوسط.
بالرغم من وجهة نظر “باروسو” المتفائلة حول التكامل الأوروبى، فإن “فيرى” و”ستين” يعتقدان أن المشهد السياسى الحالى فى أوروبا قد يعوق قدرتها على التعامل مع التحديات الهيكلية التى تواجهها.
ويشير “فيرى” إلى أن نتائج الانتخابات الأوروبية والفرنسية، على الرغم من أنها أقل تطرفًا مما كان يخشى البعض، فإن المشاعر التى دفعت اليمين المتطرف إلى الصعود لا تزال قائمة.
وبحسب “فيرى”، فإن ذلك إلى جانب محدودية المرونة المالية، يجعل من الصعب على أوروبا معالجة ثلاثة تحديات هيكلية رئيسية، وهى ضعف الإنتاجية، مخاطر الأمن الاقتصادى، ومشاكل التنافسية المتعلقة بالمناخ.
وقال إن هذه التحديات، إذا لم تُعالج، قد تهدد المشروع الأوروبى نفسه.
ويرى فريق الاقتصاديين الأوروبيين فى “جولدمان ساكس”، أن هناك أيضًا عوائق سياسية تعرقل التعامل مع مشكلة هيكلية أخرى، وهى الوضع المالى لأوروبا.
ويعتقدون أن المأزق السياسى فى فرنسا قد يعقد جهود التوحيد المالى التى تحتاجها البلاد وكذلك إيطاليا، وقد يؤدى إلى تباطؤ التقدم فى مجالات مثل الاتحاد المالى والاقتصادى الأوسع، بما فى ذلك اتحاد أسواق رأس المال.
وعبر “ستين” عن قلقه إزاء تدهور التركيبة السكانية فى أوروبا والمخاطر التجارية التى يمكن أن تؤثر على الإنتاجية، ما يدفعه إلى توقع نمو اقتصادى محتمل بنسبة 1% فقط فى منطقة اليورو، وهو ما يعتبر أقل بكثير من مستويات النمو فى الولايات المتحدة.
أما فيما يتعلق بالتأثير على الأصول الأوروبية، فإن الاستراتيجيين فى “جولدمان ساكس” يتوقعون أن تستمر عوائد السندات قصيرة الأجل فى أوروبا فى الانخفاض بسبب البيانات الاقتصادية الضعيفة ومخاطر التجارة الأمريكية، مع توقعات بزيادة الفارق بين السندات السيادية الفرنسية والسندات الأخرى.
وبالنسبة للعملات، يرى “مايكل كاهيل”، كبير استراتيجيى العملات الأجنبية فى “جولدمان ساكس”، أن أداء اليورو سيظل ضعيفًا ما لم يتحسن الوضع الاقتصادى الأوروبى بشكل كبير.
وتوقع أن تواصل السندات الأوروبية ذات الدرجة الاستثمارية العالية والتى توفر عوائد صمودها، أما فى قطاع الأسهم، فإن “هيلين جويل”، مديرة الاستثمار فى “بلاك روك”، متفائلة بشأن الأداء المستقبلى للأسهم الأوروبية وتتوقع تفوقها على الأسهم الأمريكية لعدة أسباب، منها تحسن الأرباح، والفجوة الكبيرة فى التقييم بين أوروبا والولايات المتحدة.
فى المقابل، ترى “شارون بيل”، كبيرة استراتيجيى الأسهم الأوروبية فى “جولدمان ساكس”، أن البيئة الاستثمارية فى الأسهم الأوروبية ستكون أكثر تعقيدًا فى الفترة المقبلة.
وترى “جويل” أن هناك فرصًا جذابة فى قطاعات مثل البناء، وأشباه الموصلات، والمرافق، مع وجود نقاط قيمة مختارة فى البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة.
أما “بيل” فتوصى بالتركيز على أسهم الشركات الكبرى، وأسهم القيمة النشطة فى “الطفرة الشرائية”.