تزايد إقبال الأفراد على خدمات التقسيط خلال الفترة الماضية بعد ارتفاع وتيرة التضخم فى البلاد وتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، مما أدى إلى الاعتماد على التمويل الاستهلاكى كأحد الحلول المالية التى تساعد فى تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية.
ويثير التوسع السريع فى التمويل الاستهلاكى الذى بات الحصول على أكثر سهولة مع انتشار تطبيقات الشراء الآن والدفع لاحقًا مخاوف من حدوث أزمة ائتمان فى القطاع.
وعادةً ما يلجأ الأشخاص إلى طلب التقسيط بدلاً من التنازل عن مستوى معيشة معين، من خلال الحصول على قروض شخصية، بطاقات ائتمان، وخيارات تقسيط، مما يثير تساؤلًا حول إمكانية انفجار فقاعة استهلاكية مع تزايد الطلب على التقسيط.
قال وليد حسونة، الرئيس التنفيذى لمنصة فاليو للشراء الآن والدفع لاحقًا، إن التمويل الاستهلاكى ظاهرة حديثة تزايدت خلال السنتين أو الثلاث الأخيرة، حيث يوفر للأفراد القدرة على الحصول على القروض بسهولة وشراء المنتجات والسلع التى يحتاجونها بنظام التقسيط.
ويرى أن تأثيره على المجتمع يتنوع بين تسهيل الوصول إلى السلع والخدمات، مما يتطلب أطر تنظيمية وقانونية لحماية المستهلك.
أضاف: يمكن أن يُعتبر التمويل الاستهلاكى فخًا للمستهلكين إذا لم يُستخدم بحكمة، حيث قد يؤدى إلى تحمل ديون كبيرة، لكنه أيضًا يمكن أن يكون أداة لإنقاذ الطبقة المتوسطة من التدهور المالى إذا تم استخدامه بشكل صحيح لسد الفجوات المالية.
وأشار حسونة إلى أن التطبيقات الحديثة للتمويل الاستهلاكى أصبحت ملجأ للكثيرين، وتتيح للأفراد القدرة على التحوط من الأزمات والتقلبات الاقتصادية مثل التضخم، موضحًا أن النشاط يخضع لتطوير وتعديلات مستمرة فى القانون لضمان حماية المستهلكين ومنع الممارسات الضارة، ويوجد هناك تنظيمات واضحة لضبط شروط القروض وتوعية المستهلكين بمخاطر الديون.
وفقًا لتقرير هيئة الرقابة المالية، بلغ عدد عملاء التمويل الاستهلاكى نحو 1.77 مليون عميل خلال النصف الأول من 2024، مقابل 1.71 مليون عميل خلال نفس الفترة من العام الماضى، مرتفعة بنسبة 3.5%.
وبلغت قيمة التمويل المقدم خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالى 24.2 مليار جنيه، مقابل 20.5 مليار جنيه خلال الفترة المقارنة، بنسبة نمو 17.7%.
الفقى: سلوك المستهلك يتحكم فى مدى لجوئه للقروض
ويرى محمد الفقى، الشريك المؤسس والمدير التنفيذى لمنصة سيمبل لخدمات الشراء الآن والدفع لاحقًا، أن سبل التقسيط لم تكن حديثة العهد أو غريبة على المجتمع المصرى، بل كانت موجودة فى صور مختلفة تضمن حقوق البائع من خلال دفع مقدم أموال لبعض المشتريات وتقسيط المبلغ المتبقى لاحقًا.
وأضاف أن الفرق الوحيد بين النظام السائد حاليًا والسابق هو عدم وجود قانون ينظمه أو رقيب يراقب العملية بشكل عام فى السابق، وكانت العلاقة مباشرة بين التاجر والعميل.
وأوضح أنه بعد إصدار قانون رقم 18 من قبل هيئة الرقابة المالية الخاص بالتمويل الاستهلاكى فى عام 2021، أصبحت العلاقة التعاقدية بين العميل والتاجر تضم وسيطًا، عادة ما تكون شركة تقدم خدمات التمويل الاستهلاكي.
اقرأ أيضا: “الحاسبات” تراهن على العودة للمدارس والتمويل الاستهلاكى لتحريك المبيعات
ويرى أن هذا الإجراء ساهم بشكل كبير فى زيادة اطمئنان المستهلك عند القيام بمعاملاته، لأن العملية لها أطر تنظيمية تضمن حقوقه وحقوق التاجر.
وأوضح أن نشاط التمويل الاستهلاكى يساعد فى تخفيف الأعباء الاجتماعية والنفسية والاقتصادية على المواطن، ولكن هذا يتوقف على سلوك المستهلك الذى يتحكم فى مدى احتياجه للاقتراض وضبط تلك العملية على قدر يناسبه.
مدنى: يجب فرض رقابة للسيطرة على ارتفاع أسعار المواد الأساسية
على الجانب الآخر، قال حازم مدنى، الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب لشركة سهولة للتمويل الاستهلاكى، إن نشاط التمويل الاستهلاكى يعطى فرصة للمواطن لتجاوز الطبقة التى يعيش فيها، وهو ما قد يتحول إلى مأزق حيث قد يتعثر المستهلك فى تسديد ديونه فى النهاية.
وأضاف أن المشكلة تكمن أيضًا فى الرقابة على الأسواق المصرية والتجار الذين يستغلون المواطن من خلال زيادة أسعار المواد الأساسية، مما يدفعه للجوء إلى التمويل الاستهلاكى والشراء بالتقسيط.
حمدى: انخفاض القوة الشرائية يدفع نشاط التمويل الاستهلاكى للنمو
وقال هشام حمدى، نائب رئيس قسم البحوث فى شركة النعيم القابضة، إن نشاط التمويل الاستهلاكى له تأثير إيجابى، خاصة خلال الأحداث الاقتصادية، موضحًا أن لجوء العملاء إلى التمويل الاستهلاكى يأتى بسبب ضعف القدرة الشرائية، لكن بعض العملاء يتجهون إلى التمويل الاستهلاكى لتقسيط بعض المنتجات على الرغم من امتلاكهم القدرة على شرائها، لإدارة شئون حياتهم المالية.
وأوضح أن ارتفاع الأسعار مع الثبات النسبى فى الأجور أدى إلى ضعف القوة الشرائية، مما أدى إلى زيادة الإقبال على التمويل الاستهلاكى لسد الفجوة.
ويرى على متولى، محلل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى إحدى شركات الاستشارات فى لندن، أن الضغوط التضخمية وارتفاع سعر الفائدة أثرا على ارتفاع الأسعار، مما ساهم بشكل كبير فى زيادة الطلب على نشاط التمويل الاستهلاكى فى الآونة الأخيرة.
وأوضح أن التضخم، دفع الأسر للجوء إلى الائتمان من أجل الاستهلاك اليومى، مشيرًا إلى أن نشاط التمويل الاستهلاكى ساعد فى ضمان استقرار نمو الاستهلاك، أحد مكونات الناتج المحلى الإجمالى، ودفع الأفراد للجوء إلى النظام المصرفى والمؤسسات التمويلية المختلفة الأكثر أمانًا من المعاملات الأخرى.
كما ساهم النشاط فى زيادة حجم التمويل من البنوك، مما ينعش القطاع ككل من خلال الاستفادة من دخل الفائدة، وبالتالى أدى ذلك إلى زيادة الطلب على الخدمات التمويلية ونمو خدمات التكنولوجيا المالية، الذى يعد قطاعًا ناشئًا فى مصر.
وأشار إلى ارتفاع مخاطر نشاط التمويل الاستهلاكى، خاصة فى بيئة أسعار فائدة مرتفعة، وموجة تضخمية مستمرة تزيد من ديون الأفراد، مضيفًا أن النشاط قد يؤدى إلى زيادة معدلات التضخم لفترة أطول فى حالة تأثيره على زيادة الطلب على المنتجات والخدمات.