تدرس الحكومة الفرنسية الجديدة خيارات متعددة لخفض العجز القياسي في موازنتها من بينها، فرض ضرائب جديدة على الأثرياء والشركات؛ مع عدم تقويض سجل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإصلاحات المؤيدة للأعمال التجارية.
ووفق تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، تتوقع الحكومة حاليا، أن يصل العجز إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وهو أعلى من الهدف المحدد بنسبة 5.1% لهذا العام، وأعلى من المستوى البالغ 5.5% في 2023، وأعلى من الحد الأقصى الذي يحدده الاتحاد الأوروبي البالغ 3%.
وقال وزير المالية الفرنسي أنطوان أرماند، الذي ينتمي لحزب ماكرون الوسطي، إن “هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة أحد أسوأ العجز في تاريخنا خارج الأزمات الاستثنائية مثل جائحة فيروس كورونا”، مؤكدا أنه سيتم العمل لمواكبة خطورة الموقف.
وتم تعيين أنطوان أرماند، وهو حليف للرئيس إيمانويل ماكرون، وزيراً للمالية في نهاية الأسبوع الماضي.
وأوضح أرماند، أنه يتم حاليا دراسة فرض رسوم مستهدفة على أغنى الأسر في البلاد فضلا عن النظر في فرض رسوم مستهدفة على الشركات، وتابع قائلا: “الأشخاص الذين لديهم أصول كبيرة جدًا، والذين لا يدفعون أحيانًا الكثير من الضرائب، ربما يمكنهم المساهمة بشكل أكبر”.
وأضاف أنه يعارض زيادة العبء الضريبي على “العمال والطبقة المتوسطة بشكل عام”، مؤكدا “على ضرورة أن لا تؤثر أي زيادات ضريبية على النمو أو خلق الوظائف”؛ مما يدل على أن الحكومة الفرنسية ستحاول الالتزام بسياسات ماكرون الاقتصادية.
وأشارت “فاينانشيال تايمز”، إلى أن وزير المالية الفرنسي الجديد أنطوان أرماند، ووزير الميزانية الجديد لوران سان مارتين؛ يدرسان خيارات لزيادة الضرائب ليتم تقديمها إلى رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه كجزء من التحضيرات للميزانية لعام 2025، التي ستُعرض على البرلمان الشهر المقبل؛ لتكون بذلك أول اختبار سياسي كبير لبارنييه حيث هددت الأحزاب المعارضة بتقديم اقتراحات لعدم الثقة في حكومته إذا اختلفوا مع خيارات الإنفاق والضرائب.
ويُعتبر رفع الضرائب تغييرًا جذريًا في سياسة ماكرون الاقتصادية، التي تهدف منذ انتخابه في 2017 إلى خفض الضرائب على الأعمال والأسر، معتبرًا أن ذلك سيساهم في تعزيز النمو وزيادة الاستثمارات.
ومع ذلك، لم تولِ الحكومات الفرنسية المتعاقبة اهتمامًا كبيرًا لكبح الإنفاق، مراهنة على أن النمو الأقوى سيزيد من إيرادات الضرائب بشكل طبيعي رغم أن هذه الاستراتيجية أتت بثمارها من حيث خفض البطالة وتحفيز الاستثمار من قبل الشركات، إلا أن الافتقار إلي الانضباط المالي أدى إلى عجز واسع النطاق.
وبذلك، تبرز من جديد القضية السياسية الحساسة حول ما إذا كان يجب على فرنسا إعادة فرض ضريبة الثروة، التي ألغيت في عهد ماكرون واستبدلت بضريبة على الممتلكات العقارية، وسط دعوات من الأحزاب اليسارية لجعل الأثرياء يساهمون بشكل أكبر في خزينة الدولة.
وكانت قد وضعت بروكسل فرنسا في ما يعرف بإجراء العجز المفرط مطالبة إياها بتقديم خطة لخفض العجز في السنوات المقبلة، وخفضت وكالات التصنيف الائتماني تصنيف البلاد، بينما ارتفعت تكاليف الاقتراض.
في السياق نفسه، تقاربت تكاليف اقتراض فرنسا مع تلك الخاصة بإسبانيا، لأول مرة منذ الأزمة المالية لعام 2008، مما أثار قلق المستثمرين بشأن قدرة فرنسا على تقليص عجز ميزانيتها.
واقترح خبراء اقتصاديون عدة تخفيضات قد تؤثر على الشركات، مثل تقليص الدعم السخي الذي يُمنح لأرباب العمل الذين يوظفون متدربين أو الشركات التي تقوم بأبحاث وتطوير.
وفيما يتعلق بالزيادة المحتملة على الضرائب المفروضة على بعض الشركات الكبرى، وهي فرضية قال رئيس جمعية أرباب العمل الفرنسية “ميديف”، باتريك مارتان، إنه “مستعد لمناقشتها” بشروط، أوضح الوزير الفرنسي أن الحكومة ستعمل على ذلك بشكل واضح مع جميع الشركات ومع الشركاء في المجتمع، مؤكدا على أن هذه الرسوم الجديدة يجب ألا تؤدي إلى وقف النمو.
ومن المنتظر أن يستعرض رئيس الوزراء ميشيل بارنييه خطته للسياسة العامة الأسبوع القادم، بعدما دعا الأحد الماضي إلى “جهد وطني” لخفض عجز القطاع العام في البلاد، مستبعدا رفع الضرائب بشكل شامل.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي في وقت سابق، إن هناك إمكانية لطلب مساهمة استثنائية من الأثرياء جداً والشركات متعددة الجنسيات الكبرى التي يمكنها المساهمة في جهود الانتعاش الوطني، مضيفا
أن الوضع المالي للحكومة خطير للغاية، ويتطلب اتخاذ تدابير للحد من الإنفاق وزيادة الإيرادات، إلا أنه أوضح أنه لن يكون هناك زيادات في ضريبة الدخل لأصحاب الدخل المنخفض أو العمال أو الطبقة المتوسطة.
جدير بالذكر أنه، بدون مدخرات إضافية، فإن العجز العام في فرنسا سيصل إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بدلا من 5.1% كما كان مأمولا، وفي عام 2025، يمكن أن يرتفع إلى 6.2% وفق وثائق متعلقة بالميزانية بوزارة الاقتصاد والمالية.
وستكون إحدى العقبات الأولى التي ستواجه الحكومة الفرنسية الجديدة هي كيفية تمرير موازنة عام 2025 في ظل برلمان غير مستقر.
وفي إشارة إلى قلق المستثمرين بشأن قدرة الحكومة الجديدة على معالجة عجز كبير في الموازنة، ارتفعت تكاليف الاقتراض في فرنسا لفترة وجيزة فوق نظيرتها في إسبانيا يوم الثلاثاء لأول مرة منذ عام 2008.
وتوقع المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في فرنسا، نمو اقتصاد البلاد في الربع الثالث من العام بفضل دورة الألعاب الأولمبية، لكنه توقع أن يتباطأ قبل نهاية العام.