شهد السوق الملاحى العالمى، خلال العام الجارى، عدداً من التغييرات بالإعلان عن تحالفات جديدة للخطوط الملاحية؛ حيث ظهر تحالف تحت مسمى «Gemini» مكون من الخط الملاحى الدنماركى ميرسك، والخط الملاحى الألمانى هاباج لويد، بطاقة استيعابية تصل إلى 1.5 مليون حاوية، بأسطول مكون من 290 سفينة، وتحالف ثانٍ تحت مسمى Premier Alliance والمكون من 3 خطوط ملاحية، وهى one السنغافورى، وخط هيونداى الكورى، بالإضافة إلى يانج مينج التايوانى، وسيكون سارى المفعول لمدة خمس سنوات ابتداء من فبراير 2025.
وكشفت شركة MSC عن شبكة خدماتها المستقلة الجديدة بين الشرق والغرب؛ إذ صرحت عن إبرامها اتفاقية مشاركة السفن (VSA) مع التحالف Premier Alliance»، والتى تتضمن تشغيل تسع خدمات بين آسيا وأوروبا، فضلاً عن تحالف تحت مسمى MSC/ ZIM، والذى يضم كلاً من خطى MSC السويسرى الايطالى، وzim العالمى، وتصل طاقته نحو 1.5 مليون حاوية.
واستطلعت «البورصة» آراء عدد من خبراء والعاملين فى مجال النقل البحرى؛ لمعرفة مدى قدرة التحالفات الجديدة على تغيير أدوات اللعبة وكيف يستفيد قطاع الشحن البحرى فى مصر من ذلك؟
يرى حازم أبوالنيل، مدير التسويق وعلاقات المستثمرين بشركة الإسكندرية لتداول الحاويات، أن التحالفات الجديدة الحالية ليست الأخيرة بل سنشهد الفترة القادمة مزيداً من التحالفات الأخرى، والتى من شأنها استعادة تشكيل منظومة الشحن البحرى بالعالم.
وأضاف أن الموانئ المصرية تتأثر بشدة فى حال ظهور تحالفات الجديدة فى سوق الملاحى، لأنها تُشكل ضغطاً على السياسة المالية للموانئ المصرية، كما أنها تُزيد من حالة التنافس بين الموانئ وبعضها البعض، ويضطر كل ميناء إلى خفض أسعاره، ووضع تعريفة تنافسية لجذب أكبر عدد من الخطوط الملاحية.
وأوضح أن التحالفات فى العادة تتكون مع ثلاث أو أربع خطوط ملاحية كبرى، هؤلاء الخطوط تستحوذ على نسبة كبيرة من السوق النقل البحرى، وهو ما يُزيد من صعوبة التفاوض مع تلك التحالفات الجديدة، ويضطر كل ميناء إلى خفض رسوم خدماته للتعاقد مع أكبر عدد من الخطوط الملاحية العالمية.
الموانئ الجافة.. محرك جديد لتنمية المناطق الصناعية فى مصر
وأشار «أبوالنيل» إلى أن التحالفات الجديدة تعنى انسحاب أحد الخطوط الملاحية من التحالف، ما يقلص من حجم عمليات الشحن لهذا التحالف ويقلل من حصته فى سوق الملاحى، موضحاً أن خطورة انسحاب أحد الخطوط الملاحية من التحالف على الموانئ المصرية، تأتى فى تسببه لانخفاض عدد السفن المترددة عليها.
وأكد أنه من الضرورى دراسة خطورة التحالفات الجديدة بين الخطوط الملاحية الكبرى وإعداد دراسات جدوى لمعرفة تداعيات تلك التحالفات الجديدة على الموانئ المصرية ومعدل نشاطها وسياستها المالية، وتجنب تهديداتها فى حال انسحاب أحد الخطوط الملاحية من الموانئ المصرية.
وعن أبرز الإجراءات التى ينبغى علينا اتباعها لتجنب الآثار السلبية للتحالفات الجديدة، قال مدير التسويق وعلاقات المستثمرين بشركة الإسكندرية لتداول الحاويات، إنه ينبغى علينا الدخول فى شراكات تنافسية مع الخطوط الملاحية سواء فى إدارة تشغيل الموانئ أو محطات الحاويات كما حدث فى محطة تحيا مصر متعددة الأغراض بميناء الإسكندرية ويتولى إدارة تشغليها الخط الملاحى الفرنسى CMA-CGM، لضمان بقائه وعدم خروجه من الميناء المصرى، كما أنه قد يجلب خطوطاً أخرى متعاقدة معه فى تحالفات الجديدة.
وتابع: علينا معرفة متطلبات تشغيل السفن ومواكبة التطورات فى هذا المجال، إذ نجد فى الوقت الراهن معظم الخطوط الملاحية الكبرى تبنى سفناً تعمل بالوقود النظيف، ففى هذه الحالة علينا توفير محطات فى الموانئ المصرية تولد طاقة نظيفة للتموين تلك السفن، مثل تموين السفن بالوقود الأخضر أو إمدادها بالطاقة الكهربائية.
«كامل»: فرصة للتعاقد مع خطوط ملاحية لا تتردد على الموانئ المصرية
محمد كامل، الباحث فى شئون النقل الدولى واللوجستيات والمستشار الاقتصادى لشركة ماهونى للملاحة، قال إن التحالفات سوف تؤثر إيجابياً على قطاع النقل البحرى فى مصر وليس سلباً، لأن التحالفات الجديدة بين الخطوط الملاحية قد تُجلب خطوط ملاحية ليست متعاقدة مع الموانئ المصرية، ما تعطينا فرصة للتعاقد معه.
وذكر أن هذا التحالف قد يدفع الحكومة المصرية إلى تحديث معدات تداول الحاويات المتواجدة داخل الموانئ المصرية، وهو يعد أمراً جيداً لمواكبة التطورات الحديث ولكى تستطيع استقبال السفن الجديدة.
وقال الباحث فى شئون النقل الدولى واللوجستيات والمستشار الاقتصادى لشركة ماهونى للملاحة، إن التحالف ينتج عنه شركات جديدة غير الشركات القائمة، ما يترتب عليه تغيير وكلاء الخط الملاحى الموجودين فى قطاع النقل البحرى، ويزيد من تنافسية بين شركات المصرية، كما أنه قد يجبر الحكومة لتأسيس وكالة تحت إشرافها.
وتابع أن التحالفات الجديدة تُسبب نوعاً من الهيمنة واحتكار سوق وهو أبرز عيوبها، إذ تتحكم فى أسعار أجور الشحن البحرى، كما قد تنخفض جودة الخدمات المقدمة نتيجة عدم وجود تنافس حقيقى بين شركات الكبرى، مؤكداً أن أسعار نوالين الشحن البحرى سوف تشهد ارتفاعاً خلال الشهر القادم نتيجة تلك التحالفات الجديدة التى طرأت على قطاع النقل البحرى، وتنعكس آثارها على أسعار البضائع والمنتجات.
«صابر»: التحالفات الجديدة تفتح قنوات جديدة للتجارة العالمية
ويرى الدكتور أحمد سالم صابر، خبير فى النقل الدولى واستشارى فى سلاسل الإمداد، أن التحالفات الجديدة للخطوط الملاحية من الممكن أن تُسهم فى فتح قنوات جديدة للتجارة العالمية، من خلال وصول الخطوط الملاحية لموانئ لا تتردد إليها، الأمر الذى ينعكس إيجابياً على حركة التجارة العالمية.
وأشار إلى أن التحالفات الجديدة بين الخطوط الملاحية قد تصب فى مصلحة ملاك السفن، لأنها قد تعطى أسعاراً تنافسية لجذب أكبر عدد من الشاحنين للعمل معها، بالإضافة إلى وصولها إلى منطقة جغرافية لم تكن تغطيها من قبل، ما ينعكس إيجابياً لملاك السفن والشاحنين.
وأوضح أن الفترة السابقة اهتمت الخطوط الملاحية بزيادة أرباحها، خاصة مع وجود أزمة البحر الأحمر، إذ فرضت نحو ألف دولار تكلفة تأمين مخاطر، الأمر الذى نتج عنه ارتفاع فى أسعار النوالين؛ نظراً إلى أن التحالفات بين الخطوط العالمية الكبرى ينتج عنها تحكم فى أسعار النوالين وينتج عنها ارتفاع فى أسعار الوقود.
واستكمل «صابر» حديثه، سابقاً كان يعقد مؤتمرات تُسمى (المؤتمرات الملاحية) وكانت تعقد 4 مرات فى العام من أجل تحديد أسعار النوالين وأسعار الوقود، ولكن مع ظهور التحالفات الاستراتيجية، بدأت الشركات هى التى تُحدد مصاريفها الإضافية مثل معامل التغير فى سعر الوقود ومعامل التغيير فى سعر العملة بالإضافة إلى مصاريف الانبعاثات الكربونية، ما خلق نوعاً من الهيمنة واحتكار سوق من قبل تلك الكيانات العملاقة.
كيف استقبل المجتمع الملاحى تعديلات قوانين تسجيل وسلامة السفن والتجارة البحرية؟
وأشار إلى أن الخطوط الملاحية الآن أصبح لديها شركات متخصصة لإدارة وتشغيل الموانئ، مثل الخط العالمى MSC، CMA CGM، Maersk، ما مكن الكيانات الناتجة من تلك التحالفات التحكم فى أسعار السوق بصورة كبيرة، لافتاً إلى أن الخطوط الملاحية أصبحت مؤخراً تستحوذ على شركات «freight forwarder»، وبالتالى أصبحت تلك الكيانات هى المسيطرة على أسعار السوق، مطالباً بضرورة وجود جهة رقابية للتحكم فى أسعار نوالين الشحن.
وأوضح أن إجمالى عدد الخطوط الملاحية العاملة فى قطاع النقل البحرى قرابة 413 خطاً ملاحياً، ويتردد على الموانئ المصرية ما بين 28 و45 خطاً ملاحياً، من بينها 12 خطاً ملاحياً عالمياً، وهى الأكثر القدرة على تكوين التحالفات، وهى الأكثر استحواذاً على حصة السوقية للقطاع.
وأكد «صابر»، أنه من الضرورى تقليل وقت انتظار السفن فى الموانئ؛ لأنه من أبرز الأسباب التى تتسبب فى خروج الخطوط الملاحية من الموانئ، لافتاً إلى أن ميناء شرق تفريعة بورسعيد حصد المركز العاشر على مستوى العالم فى وقت انتظار السفن داخل الميناء؛ لأن الفترة الزمنية للسفينة داخل الميناء لا تتجاوز 6 ساعات، ولكن نجد فى المقابل ميناء الإسكندرية قد تصل الفترة الزمنية للسفينة داخل الميناء لـ4 أيام.
«الريس»: شركات الشحن البحرى تستفيد من تعدد الخيارات لنفس المسار الملاحى
ويرى رامى الريس، رئيس مجلس إدارة شركة دريم لاين للخدمات اللوجستية، أن التحالفات الجديدة للخطوط الملاحية سوف تعيد تشكيل القطاع الملاحى العالمى، وبالتأكيد سينعكس على القطاع الملاحى فى مصر، إذ ينتج عنها توسيع دائرة خدماتها فى الموانئ وفى المناطق الجغرافية المختلفة.
وأكد «رامى»، أن التحالفات الجديدة ستنعكس آثارها على الخدمات المقدمة فى الرحلات وتقلل من زمن الرحلة كما أنها تسهم فى نمو عمليات سلاسل التوريد عالمياً، وتُزيد من الخدمات المقدمة عبر الممرات التجارية الرئيسية، موضحاً أن التحالفات الجديدة سينتج عنها زيادة السفن المترددة على الموانئ على طول الخط الملاحى.
وذكر أن الشركات العاملة فى مجال النقل البحرى ستستفيد من التحالفات الجديدة التى ظهرت على المشهد الملاحى، لأنها سيكون لديها اختيارات متعددة وأسعار تنافسية لنفس المسار الملاحى، موضحاً أن الغرض من التحالفات الملاحية توسيع قاعدة عملائها وتغطية أكبر وجهة ملاحية ممكنة.
وتوقع أن تكون التحالفات الخطوط الملاحية الكبرى مع الخطوط الأقل حجماً هى الأكثر نجاحاً فى السوق النقل البحرى، موضحاً أن الخطوط الملاحية الصغرى ظهرت أهميتها خلال أزمة البحر الأحمر، إذ استطاعت سفنها اتخاذ مسار قناة السويس بخلاف السفن التابعة للخطوط الملاحية الكبرى والتى اضطرت إلى اتخاذ مسارات أخرى.
والجدير بالذكر، أن تحالف «OCEAN Alliance» والذى يضم كلاً من الخط الملاحى الفرنسى «CMA CGM» و«COSCO 0» الصينى، و«Evergreen» التايوانى مستمر حتى عام 2032، وهو يعد التحالف الأكبر إلى الآن إذ تصل طاقته الاستيعابية قرابة 2 مليون حاوية بين آسيا وأوروبا.