تتخذ شركة الطاقة الحكومية في أبوظبي “أدنوك” أكبر خطوة عالمية لها حتى الآن عبر الاستحواذ على مؤسسة رئيسية لصناعة الكيماويات في قلب أوروبا، وتراهن على أن هذه الصفقة ستساعدها في مواجهة التحول بقطاع الطاقة.
قدمت “أدنوك” عرضاً بقيمة تقارب 13 مليار دولار لشراء شركة “كوفيسترو الألمانية”، فيما يُنتظر أن تكون أكبر عملية استحواذ شرق أوسطية على شركة أوروبية.
تتيح عملية الاستحواذ لعملاقة النفط الحكومية السيطرة على شركة رائدة تزود بعض أبرز شركات صناعة الهواتف والسيارات في العالم بالمواد الأولية، في رهان على أن نمو الطلب على منتجات مثل البلاستيك سيستمر متجاوزاً الطلب على النفط.
توسع “أدنوك” العالمي
قال خالد سالمين، الرئيس التنفيذي لدائرة التكرير والتصنيع والتسويق في “أدنوك”، الذي قاد مفاوضات الصفقة: “نفكر كمستثمر استراتيجي. ولا نركز في تفكيرنا على فترات ربع سنوية، بل على السنوات والعقود المقبلة”.
ستكون هذه الصفقة علامة فارقة رئيسية لـ”أدنوك” في جهودها نحو التوسع العالمي –والنفوذ الذي يجلبه– مع استفادة الشركة من الإيرادات الضخمة التي تحققها من بيع النفط.
ترغب الشركة الإماراتية في شراء أصول الغاز الطبيعي والكيماويات والمشاركة في مشاريع الطاقة المتجددة حول العالم، ويظهر الاستحواذ على “كوفيسترو” قدرة “أدنوك” على دفع الأموال اللازمة لتحقيق تلك الأهداف.
يأتي الاستحواذ المنتظر بعد أكثر من عام على بداية المحادثات، حيث رفعت “أدنوك” قيمة العرض بنسبة تقارب 13% عن المبلغ الذي تقدمت به في البداية. كما قالت الشركة الإماراتية إنها ستحمي وظائف الألمان، وتحافظ على استراتيجية إدارة “كوفيسترو”.
ويحظى عرض الاستحواذ الذي تقدمت به “أدنوك” بدعم مجلسي الإدارة التنفيذي والإشرافي بالشركة الألمانية.
تجديد نموذج عمل “أدنوك”
حتى حوالي عام 2016، كانت “أدنوك” تعتمد بشكل أساسي على كسب المال من تصدير النفط الخام إلى آسيا. غير أن سمعتها كمستثمرة خاملة اتخذت منحنى جديداً عندما تم تكليف الرئيس التنفيذي سلطان الجابر ببناء الشركة التي ستباري أكبر شركات النفط في العالم.
بعد ست سنوات، وضعت “أدنوك” ميزانية قدرها 150 مليار دولار لتسريع زيادة القدرة الإنتاجية للنفط في الداخل والتوسع في الأعمال ذات الصلة في الخارج. واشترت أصول غاز في الولايات المتحدة وأفريقيا في الأشهر الأخيرة، وهي من بين أكثر صانعي صفقات الطاقة نشاطاً في العالم.
استعرض الجابر أيضاً قوة الشركة المالية من خلال رفع القدرة الإنتاجية للنفط في الإمارات إلى ما يقرب من 5 ملايين برميل يومياً وقرار بناء محطة جديدة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في البلاد. وتشكل الكيماويات جزءاً كبيراً من خطط التوسع العالمية.
غير أن الطبيعة الدورية لهذه الصناعة تجعلها معقدة. وعانت شركات الكيماويات الأوروبية مزيجاً من ارتفاع تكاليف الطاقة وانخفاض الطلب الاستهلاكي مما أضر بأرباحها.
قال سالمين من “أدنوك” إن التكنولوجيا الفريدة ومجموعة المنتجات الخاصة بـ”كوفيسترو” تمنحها فرصة أفضل لتجاوز تقلبات الأسواق.
وأضاف: “نعتقد أن هذه الشركة تستطيع تجاوز الدورة الاقتصادية دون مشكلات. كنا ندرك بشكل واضح أن هذه الشركة تتمتع بقيمة كبيرة”.
ذلك ما يبرر عرض “أدنوك” البالغ 62 يورو للسهم، وهو ما يمثل علاوة بنحو 54% على سعر إغلاق “كوفيسترو” في 19 يونيو 2023، وهو آخر يوم تداول كامل قبل أن تكشف “بلومبرغ نيوز” عن نهج “أدنوك” الأول. ارتفعت أسهم شركة الكيماويات الألمانية المنافسة “بي إيه إس إف” (BASF) بنحو 6% خلال هذه الفترة بينما انخفضت أسهم شركة “لانكسيس” (Lanxess) بنسبة 11%.
على الرغم من صفقة “كوفيسترو”، التي لا تزال تحتاج إلى بعض الموافقات من الهيئات التنظيمية، تواجه “أدنوك” صعوبات في إغلاق صفقات أخرى.
تخلت الشركة الإماراتية عن عرض لشراء شركة “براسكيم” (Braskem) البرازيلية في مايو، وتم تعليق المحادثات مع شركة “أو إم في” (OMV) النمساوية حول دمج شركتين كيماويتين تمتلكان حصصاً فيهما بسبب الانتخابات في الدولة الأوروبية. وقال سالمين يوم الثلاثاء إن المحادثات مع “أو إم في” لا تزال جارية.
تهدف “أدنوك” إلى امتلاك القدرة التنافسية في جوانب مختلفة من صناعة الكيماويات، ومن شأن صفقة “كوفيسترو” أن تمنحها قدرات للبوليمرات المتخصصة التي لم تكن تمتلكها سابقاً، كما قال سالمين، واختتم أن: “(كوفيسترو) بالتأكيد واحدة من الشركات الرائدة عالمياً”.