الذهب واحد من أقدم الأصول المالية التي عرفها الإنسان على مر العصور، فقد كان سلعة قيمة وحجز لنفسه مكانه لم تزعزع أبدًا، مكانة جعلته من السلع التي يمكن الاعتماد عليها كوسيلة للتحوط ضد تقلبات السوق مهما كانت اقتصادية أو مالية، لهذا يتم استخدامه من قبل المستثمرين لتحقيق مكاسب مالية من خلال التداول به في البورصة مقابل عملات مختلفة وأهمها الدولار الأمريكي.
تداول الذهب مقابل الدولار الأمريكي (XAU/USD) يحظى بشعبية كبيرة داخل سوق التداول، ولديه العديد من مفضليه عند التحدث عن تداول المعادن، ولكن للنجاح في هذا السوق ليس عشوائيًا، فالأمر يحتاج إلى اختيار الاستراتيجيات الصحيحة، خصوصًا أن هذا القطاع يتأثر بالعديد من العوامل الاقتصادية والعالمية منها أسعار الفائدة، والتضخم، والتغيرات الجغرافيا والسياسات المالية العالمية.
فيما يلي استعراض بما هي أفضل استراتيجيات تداول الذهب مقابل الدولار التي يمكن اعتمادها للنجاح في هذا السوق، بالإضافة إلى تحليل تفصيلي للعوامل المؤثرة في سوق التداول هذا، وكيفية استغلالها لتحقيق الأرباح؟
أبرز العوامل المؤثرة على سعر الذهب مقابل الدولار
قبل أن نفهم الاستراتيجيات الأفضل لتداول الذهب مقابل الدولار، يجب أن نفهم العوامل التي تؤثر على تحركات هذا المؤشر المالي بالسلب أو بالإيجاب.
اسعار الفائدة
يلعب سعر الفائدة الذي يضعه البنك الفيدرالي الأمريكي عاملًا مهمًا ورئيسيًا في التأثير على سعر الذهب، فعندما يرفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة حينها يميل الذهب إلى الانخفاض، حيث يتجه المستثمرين إلى الاستثمار في الأصول ذات العوائد كالسندات، حيث تكون أكثر جاذبية مقارنة بالذهب الذي لا يقدم عوائد، والعكس صحيح عندما تنخفض أسعار الفائدة يتجه المستثمرين إلى حماية أموالهم من خلال الاستثمار في الذهب باعتباره الملاذ الأمن الذي يمكنهم الاعتماد عليه في هذا التوقيت.
التضخم
لا شك أن الذهب وسيلة فعالة عندما يتعلق الأمر بالتحوط من التضخم، فعند ارتفاع مستويات التضخم يزداد الطلب على الذهب لكونه مخزنًا للقيمة، والعكس صحيح عند تراجع التضخم يقل الإقبال عليه، مما يؤدي هذا بالتبعية إلى انخفاض سعره. فالتضخم عامل رئيسي من العوامل المهمة التي تؤثر على تحركات سعر الذهب.
قوة الدولار الأمريكي
هناك علاقة عكسية دائمة تربط الذهب بالدولار، فعندما يرتفع الدولار الأمريكي يصبح الذهب أغلى بالنسبة للمستثمرين خصوصًا هؤلاء الذين لا يملكون دولار أمريكي، وهذا بالتأكيد يؤدي إلى انخفاض الطلب عليه، ولكن في حالة انخفاض الدولار الأمريكي يزداد الطلب على الذهب، وبالتالي يرتفع سعره.
الجغرافيا السياسية
في الأوقات التي يشهد فيها العالم عدم يقين سياسي، وأزمات عالمية، وحروب وصراعات إقليمية يلجأ الناس إلى الذهب لحماية أموالهم من ضياع قيمتها، وهذا يمكن أن يدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع، وأسعار الدولار إلى الانخفاض.
أفضل استراتيجيات لتداول الذهب مقابل الدولار
هناك مجموعة من الاستراتيجيات التي إذا ما اعتمدتها يمكنك النجاح في تداول الذهب مقابل الدولار، وتتمثل في الشكل التالي.
استراتيجية التحليل الفني
لا يمكن أن تحترف أي سوق تداول بدون احتراف التحليل الفني الذي يتمثل في دراسة الأنماط والاتجاهات على الرسوم البيانية السابقة واستخدام مؤشرات مثل الفيبوناتشي في التداول، وهذا من أجل التنبؤ بحركة الأسعار المستقبلية، والتحليل الفني هو من أهم الاستراتيجيات وأكثرها استخدمًا بالنسبة للمستثمرين الذين يريدون تداول الذهب مقابل الدولار.
يوفر لك التحليل الفني معلومات بخصوص الدعم والمقاومة، حيث يحدد لك مستويات الدعم، وهي الأسعار التي من المحتمل أن يرتفع منها السعر بعد انخفاضه، كما يحدد لك مستويات المقاومة والتي تتمثل في الأسعار التي من المحتمل أن ينخفض منها السعر بعد ارتفاعه، وبناءً على هذه التفاصيل البيانية يمكن للمتداولين اتخاذ قرار البيع والشراء الخاص بهم المتعلق بالتداول في الذهب مقابل الدولار.
من أهم أدوات التحليل الفني أيضًا المؤشرات الفنية، والتي تتمثل في مؤشر القوة النسبية (RSI)، المتوسطات المتحركة (Moving Averages)، ومؤشر الماكد (MACD). تُستخدم هذه الأدوات لتحليل الزخم وتحديد نقاط الدخول والخروج المثلى، وهي من الأدوات المساعدة بشكل كبير في عملية اتخاذ قرارات تداول مستنيرة.
كذلك هناك أداة الأنماط التي يمكن استخدامها للتنبؤ بتحركات الأسعار في المستقبل، ومن الأنماط الشائعة الرأس والكتفين، القمم والقيعان المزدوجة، وغيرها.
استراتيجية التحليل الأساسي
بعكس التحليل الفني الذي يعتمد على تحليل الأصول المالية التي يتم التداول عليها يعتمد التحليل الأساسي على تحليل الأخبار المحيطة بالسوق، حيث فيه يتم دراسة الأخبار الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تؤثر على سعر الذهب، وهذا النوع من التحليل يتطلب متابعة دقيقة لكافة العوامل الاقتصادية الكلية والجيوسياسية التي قد تؤثر على أسعار الذهب.
لاحتراف التحليل الأساسي ينبغي على المتداول مراقبة البيانات الاقتصادية المتعلقة بالسوق، والتي منها بيانات النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي بيانات التضخم، والسياسات المالية التي تنتهجها البنوك المركزية كالبنك الفيدرالي الأمريكي.
يتمثل التحليل الأساسي أيضًا في دراسة الأزمات الجيوسياسية والتي تؤثر بشكل قوي على تحركات أسعار الذهب، وتؤدي إلى ارتفاعه، لذا ينبغي على المتداولين متابعة هذه الأخبار المتعلقة بالتوترات الجيوسياسية التي تعمل على ارتفاع سعر الذهب مستقبلًا، والاستفادة منها كإشارات للدخول في صفقات الشراء.
كذلك السياسات النقدية يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تحرك سعر الذهب مقابل الدولار، فكما وضحنا يمكن لقرارات الفائدة من البنك الفيدرالي الأمريكي أن تؤثر بشكل مباشر على أسعار الذهب، فمثلًا، رفع الفائدة يزيد من جاذبية الدولار ويضغط على الذهب للانخفاض.
استراتيجية التداول اليومي
يشير التداول اليومي إلى عملية فتح وإغلاق الصفقات بنفس اليوم مع منصات تداول موثوقة، وهذا بهدف الاستفادة من التغيرات السعرية القصيرة الأجل التي يشهدها السوق، وفي هذه الاستراتيجية يتم تحديد إطار زمني قصير للغاية، وفتح الصفقات للاستفادة من تقلبات السوق اليومية دون الاحتفاظ بالمراكز لفترة طويلة، ولكن لنجاح هذه الآلية يجب أن يكون لدى المتداول القدرة على قراءة الحركات السريعة في السوق واتخاذ قرارات سريعة.
هذا، ومن المهم أن يكون المتداول اليومي لديه استراتيجية صارمة لإدارة المخاطر الخاصة بتداوله حتى يتمكن من تحديد نقاط وقف الخسارة (Stop Loss) وجني الأرباح (Take Profit) لتجنب الخسائر الكبيرة.
في التداول اليومي ينبغي الاستفادة من الأخبار الفورية التي يشهدها السوق، حيث قد تؤدي الأخبار الاقتصادية أو الجيوسياسية الفورية إلى تحركات كبيرة في السوق، مما يجعلها فرصة سانحة لتحقيق أرباح سريعة، لذا على المتداول أن يكون حاضرًا دائمًا.
انتبه من استراتيجية التداول اليومي إذا لم تكن لديك الخبرة الكافية في سوق التداول، وهذا لأن التداول اليومي يحتاج إلى التعامل السريع مع الأخبار المفاجئة، والاستجابة لها بشكل دقيق.
استراتيجية المدى الطويل (الاستثمار طويل الأجل في الذهب)
ليس هناك أفضل من اعتماد استراتيجية الاستثمار طويل الأجل في الذهب، خصوصًا إذا لم تكن لديك الخبرة الكافية في التداول، حيث يمكن الاحتفاظ بالذهب كوسيلة للتحوط ضد تقلبات السوق الاقتصادية أو الأزمات المستقبلية.
من أجل احتراف تداول الذهب على المدى الطويل، ينبغي فهم العوامل الاقتصادية والسياسات النقدية التي يمكن أن تؤثر في سوق التداول، كالتضخم واستقرار سعر الدولار، والفائدة.
هذا، ومن الأفضل شراء الذهب في هذا النوع من الاستثمار عند حدوث انخفاضات كبيرة في سعره، مما يمكن المتداولين من الاستفادة من الارتفاعات المستقبلية.
في النهاية، لا شك أن تداول الذهب مقابل الدولار واحدًا من الأسواق المالية الأكثر جذبًا للمستثمرين، نظرًا لقيمته كملاذ آمن وتأثره بالعوامل الاقتصادية العالمية. لكن ليس هناك استراتيجية مثالية للنجاح في هذا السوق يمكن أن تطبق على جميع الأوقات وفي جميع الظروف، لذا ينبغي أن يتمتع المتداول بالمرونة والفهم الجيد لحركة الأسواق وإدارة المخاطر وفقًا لذلك، حتى يتمكن من تحقيق الأرباح من وراء تداول الذهب مقابل الدولار.