بعد شهور من الصعود المستمر، بدأ الدولار في فقدان بعض مكاسبه خلال الأشهر الأخيرة.
فمنذ بداية العام حتى نهاية يوليو، ارتفع الدولار بنسبة 5% مقابل سلة واسعة من العملات التي يتتبعها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قبل أن يشهد انخفاضًا طفيفًا نتيجة التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة.
هذه التوقعات تم تأكيدها في سبتمبر عندما خفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بنصف نقطة مئوية، مما جعل الدولار أقل جاذبية نسبيًا، حسب ما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، لكن هذه التوقعات ليست كافية للحفاظ على الدولار في اتجاه هبوطي على المدى الطويل.
ففي ظل ظهور بيانات قوية حول فرص العمل في الولايات المتحدة، بات من الصعب الاعتقاد أن الدولار سيستمر في التراجع.
عادة ما تتفاعل الأسواق مع المعلومات المتاحة علنًا، والدولار حاليًا يعكس توقعات بخفض إضافي لسعر الفائدة بنحو 1.5 نقطة مئوية بين نوفمبر ونهاية 2025.
ومع ذلك، فإن تخفيضات إضافية في الفائدة تتطلب تدهورًا اقتصاديًا أكبر، وهو أمر يبدو بعيدًا حاليًا في ظل البيانات الإيجابية لسوق العمل.
ثمة عوامل أوسع قد تدعم الدولار، حيث ترتبط أسعار الصرف بشكل كبير بتدفقات التجارة والاستثمارات عبر الحدود، إضافة إلى السياسات المالية والنقدية التي تؤثر على هذه التدفقات.
وبشكل عام، من أجل أن يضعف الدولار، يجب أن تكون التدفقات الرأسمالية إلى الولايات المتحدة (أي الطلب على الدولار) أقل من عمليات البيع التجاري للدولار.
على مدار العقد الماضي، استفاد الدولار من تدفقات رأس المال المستمرة إلى الأسهم والسندات الأمريكية، بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الولايات المتحدة.
كما أن جاذبية الأصول المقومة بالدولار تعززت بفضل النمو الاقتصادي القوي والعوائد المرتفعة للسندات، فضلاً عن التفاؤل بأن قطاع التكنولوجيا الأمريكي سيظل يساهم في تفوق سوق الأسهم.
ومع ذلك، قد يجادل البعض اليوم بأن الأصول الأمريكية أصبحت محل تقدير مبالغ فيه، مما يعرضها والدولار للتراجع.
فعلى سبيل المثال، مكرر الربحية الآجل لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” لمدة 12 شهرًا ارتفع إلى 24 مرة، وهو أعلى بكثير من متوسطه التاريخي البالغ 18 مرة.
لكن جاذبية الأسواق الخارجية وحدها لا تكفي لجذب رؤوس الأموال بعيدًا عن الدولار.
التاريخ يظهر أن ضعف الدولار الطويل يحدث عادة عندما تتحسن الظروف الاقتصادية في الخارج مع وجود تقييمات أكثر جاذبية، مما يدفع المستثمرين الأجانب لإعادة أموالهم إلى بلدانهم.
في الأيام الأخيرة، ظهرت بوادر تحفيز اقتصادي في الصين، حيث أعلنت الحكومة عن حزمة تحفيز شاملة، مما دفع المستثمرين لشراء الأسهم الصينية والرنمينبي، وهذا رفع العملة الصينية إلى أعلى مستوى لها مقابل الدولار منذ حوالي 16 شهرًا.
يبقى السؤال هنا ما إذا كانت هذه الجهود الحكومية ستكون كافية لدفع ثقة المستهلك وتحفيز الإنفاق بشكل مستدام.
بالنسبة للمستثمرين الذين يتوقعون ضعف الدولار، فإن التحسن الاقتصادي خارج الولايات المتحدة، خاصة في الصين وأوروبا، هو أمر حاسم.
فدون هذا التحسن، قد يؤدي “الهبوط السلس” للاقتصاد الأمريكي، مدعومًا بتخفيضات الاحتياطي الفيدرالي، إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال إلى الأصول المقومة بالدولار، مما يعزز قوته، ومن الممكن أن تتعزز قوة الدولار مجددًا في العام القادم من خلال عدة قنوات.
إذا سمحت مرونة المستهلك الأمريكي واستمرار تخفيضات الفائدة للنمو الاقتصادي الأمريكي بتجاوز النمو في الاقتصادات الأخرى، فقد تتدفق المزيد من الأموال إلى الأصول المقومة بالدولار.
كما أن الانتخابات الأمريكية المقبلة قد تؤدي إلى حرب تجارية أشد مع تأثيرات سلبية على النمو العالمي، مما يعيد التضخم في الداخل ويجعل الاحتياطي الفيدرالي يعيد النظر في استراتيجيته النقدية.
وأخيرًا، إذا كررت الأحداث التاريخية نفسها، فقد يستفيد الدولار أيضًا أو على الأقل يحتفظ بقيمته في حال دخل العالم في أزمة ركود.
وهذا النوع من البيئات يميل إلى تفضيل السيولة والأمان في الدخل الثابت الأمريكي، مما يساعد الدولار من خلال تدفقات رأس المال المرتبطة بذلك.
وربما يكون السيناريو الأسوأ للدولار مع اقتراب عام 2025 هو السيناريو الأفضل للاقتصاد العالمي، لكن في الوقت الحالي، من الصعب التنبؤ بمن سيكون الفائز بين المتشائمين بشأن الدولار أو المتفائلين بشأن الاقتصاد العالمي.