في عرضٍ قُدّم أمام المستثمرين بمكاتب “جي بي مورجان تشيس آند كو” في نيويورك الشهر الماضي، أعرب وزير الاقتصاد الأرجنتيني لويس كابوتو عن توقعات الحكومة بطرح سندات للبيع في الأسواق الخارجية بحلول يناير 2026.
ومع ذلك، فإن هذه الخطة تبدو بعيدة المنال بالنسبة لمديري الأصول في شركات الاستثمار الكبرى مثل “بيمكو” و”بارينجز”.
الخبراء في هذه المؤسسات يرون أن الأرجنتين، التي تعاني من تاريخ طويل من التعثرات الاقتصادية، بحاجة إلى تجاوز عقبات كبيرة قبل أن تتمكن من العودة إلى الأسواق المالية.
على رأس هذه التحديات، يجب على الحكومة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتضمن تمويلاً جديدًا، والحد من التضخم الكبير، وتحقيق توازن مالي مستدام.
في الوقت الحالي، تبدو أسعار الفائدة المرتفعة حاجزًا يصعب تجاوزه لطرح أي سندات.
وقال ياكوف أرنوبولين، المدير الأول لأسواق الاستثمار الناشئة في “بيمكو”، في مقابلة له: “من المستحيل إجراء هذا التوقع في ظل العوائد التي تقارب 20%”.
وأشار إلى أن حالات قليلة جدًا شهدت فيها دول وصولًا إلى الأسواق المالية بعوائد تتجاوز 10%.
وأضاف: “يتعين على الأرجنتين تحقيق تقدم شامل في كل من الجوانب المالية، والسيطرة على التضخم، والتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
هذا التصريح يُظهر مدى تعقيد الوضع المالي للأرجنتين، حيث تواجه البلاد ضغوطًا كبيرة لتحقيق استقرار اقتصادي يعزز ثقة المستثمرين الدوليين، وهو أمر ضروري لتمكينها من العودة إلى أسواق الدين الدولية.
ووفقًا لمؤشر “جي بي مورجان”، الذي يُعد مؤشرًا شائعًا لتقييم مخاطر الدول، يطالب المستثمرون حاليًا بعائد إضافي يصل إلى 1,204 نقطة أساس لحيازة السندات السيادية الأرجنتينية مقارنةً بسندات الخزانة الأمريكية المماثلة.
ورغم أن هذا المؤشر وصل إلى أدنى مستوياته منذ أبريل، فإنه لا يزال أعلى بكثير من نظرائه الإقليميين.
وفي هذا السياق، قال ريكاردو أدروغي، رئيس الديون السيادية العالمية والعملات في “بارينجز”: “الكثير من الأمور يجب أن تحدث من الآن وحتى عام 2026” في إشارة إلى إمكانية عودة الأرجنتين إلى أسواق رأس المال في ذلك الوقت.
وأضاف: “لكن هناك أشياء يمكن القيام بها، وأساسها هو استمرار الحكومة في تحقيق هدف العجز الصفري.”
يُظهر تصريح أدروجي أن استمرار الحكومة في إدارة المالية العامة بشكل فعّال والوصول إلى ميزانية متوازنة هو المفتاح الأساسي لاستعادة ثقة المستثمرين والعودة إلى الأسواق الدولية.
أحد التحديات الأولى التي يواجهها الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي هو تأمين قرض كبير من صندوق النقد الدولي، حيث يبلغ إجمالي الديون المستحقة على الأرجنتين للصندوق 44 مليار دولار.
وذكر متحدث باسم الصندوق يوم الخميس أن المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقراً لها تقوم حالياً بمراجعة مدى التزام المسؤولين الأرجنتينيين بأهدافهم المالية واحتياطي النقد الأجنبي المحددة لنهاية سبتمبر.
ومن بين الأمور الحيوية للأرجنتين هو بناء احتياطي قوي من النقد الأجنبي لرفع قيود رأس المال، وهي خطوة كان ميلي قد تعهد بإلغائها، لكنه حتى الآن رفض تنفيذها.
ويرى ريكاردو أدروجي، من “بارينجز”، أنه من الأفضل أن يستمر ميلي في الحفاظ على هذه القيود.
وفي هذا السياق، قال أدروجي: “نحن نختلف تماماً مع معظم المشاركين في السوق أو التعليقات التي تقول إنه في حال تم إلغاء قيود رأس المال، فسيكون ذلك هو الإشارة التي تحتاجها السوق لدخول الأموال. لا، تلك ستكون الإشارة لخروج الأموال. كان الأمر كذلك دائماً.”
ومع انتشار أثر “العلاج الصادم” الذي يتبعه ميلي في الاقتصاد، توقف ارتفاع سندات الأرجنتين المقومة بالعملات الصعبة بعد قفزة هائلة بنسبة 58% أوصلت السندات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وفقاً لبيانات الأسعار التي جمعتها “بلومبرج”.
ويرى ياكوف أرنوبولين من “بيمكو” أن الطريق أمام هذه السندات سيصبح أكثر صعوبة في المستقبل.
وقال أرنوبولين: “المرحلة التالية من هذا الارتفاع ستكون أصعب. الأمر الآن يتعلق بالتنفيذ، وتحليل البيانات المتعلقة بالحساب الجاري، والنمو، والتضخم – وما يمكن أن تحققه إدارة ميلي سياسياً. الناس يريدون المزيد من الأدلة، وهذه الأدلة تحتاج إلى وقت.”
هذه التحديات توضح أن نجاح السياسات المالية لميلي يعتمد على التقدم الفعلي في تحقيق استقرار اقتصادي وسياسي، ما يتطلب المزيد من الوقت لتحقيق النتائج المطلوبة.