لا يزال اقتصاد هونج كونج يعاني من صعوبة استعادة زخم النمو، مع توقعات بأن أي تأثيرات إيجابية لخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وحزمة التحفيز الصينية قد تستغرق وقتًا قبل أن تنعكس على الاقتصاد المحلي، وفقًا لتحليل صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
سجل المركز المالي الآسيوي نموًا بنسبة 2.8% و3.3% في الربعين الأولين من هذا العام، ويتوقع الاقتصاديون أن تسجل قراءة إيجابية أيضًا للأشهر الثلاثة حتى سبتمبر.
ومع ذلك، تواجه آفاق النمو الاقتصادي في هونج كونج تحديات كبيرة، بما في ذلك تباطؤ النمو في الصين، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وانخفاض أعداد السياح.
المحللون يحذرون من أن الديون المتراكمة على الشركات والعقارات المتعثرة تشكل ضغطًا على البنوك في المنطقة، مما قد يتسبب في المزيد من التداعيات السلبية على الاقتصاد.
قال جاري نج، كبير الاقتصاديين في “ناتيكسيس”، إن “السؤال يكمن في ما إذا كانت نماذج الأعمال التقليدية، مثل الخدمات المالية والسياحة والعقارات، لا تزال ملائمة للوضع الاقتصادي الجديد”، مشيرًا إلى تباطؤ النمو في الصين كعامل مؤثر.
وأضاف نج أن هذا التباطؤ لن يؤثر فقط على الاستثمارات في الصين، لكنه قد ينعكس أيضًا بشكل غير مباشر على هونج كونج.
تحديات قطاع العقارات
قبل جائحة كورونا، كان الطلب الكبير من المشترين الصينيين على العقارات في هونج كونج السبب الرئيسي في جعلها واحدة من أغلى أسواق العقارات في العالم.
وفي الآونة الأخيرة، ساهمت برامج الهجرة والاستثمار الجديدة التي تستهدف الوافدين من الصين في زيادة أعداد الوافدين ورفع مستويات الإيجارات.
ومع ذلك، أشار إدوارد تشان، مدير في “إس آند بي جلوبال ريتينجز”، إلى أن معدلات الرهن العقاري لا تزال تفوق العائدات الإيجارية، مما يجعل المستثمرين يترددون في الشراء.
وأوضح تشان أن المشترين يفضلون الانتظار حتى تنخفض معدلات الرهن العقاري قبل اتخاذ قرارات الشراء.
وأضاف أن “الطلب السكني يتزايد تدريجيًا من الوافدين الجدد من الصين الذين يختارون الاستئجار في البداية قبل اتخاذ قرارهم بالبقاء في هونج كونج على المدى الطويل”.
سوق العقارات التجارية
على الرغم من الآمال بأن خفض الاحتياطي الفيدرالي الأخير لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس قد يخفف من الضغوط الاقتصادية، لا يزال سوق العقارات التجارية يعاني من فائض العرض.
وقد انخفضت أسعار الإيجارات للمكاتب الرئيسية بنسبة 17% منذ عام 2022، بينما شهدت أسعار المنازل انخفاضًا بنسبة تجاوزت 20% في نفس الفترة، وفقًا لشركة “كوشمان آند ويكفيلد”.
أحد العوامل التي أثرت على سوق العقارات التجارية هو تقليص الشركات الأجنبية لعملياتها أو مغادرتها، مما يعود إلى قلقها من القوانين الأمنية الصارمة التي فرضتها هونج كونج خلال جائحة كورونا.
ووفقًا لأليكس لام، المدير التنفيذي بوكالة “كوليرز” العقارية، فإن عدد الشركات الأجنبية التي تقيم في هونج كونج انخفض، بينما تراجع الطلب على المساحات المكتبية من الشركات الصينية أيضًا.
انخفض عدد الشركات متعددة الجنسيات التي تمتلك مقرات إقليمية في هونج كونج إلى 1,336 شركة في العام الماضي، مقارنةً بـ1,541 شركة في عام 2019، مع تسجيل الشركات الأمريكية أكبر نسبة انخفاض.
ومن المرجح أن يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى “زيادة عدد المعاملات بدلاً من رفع الأسعار”، لكن أسعار الفائدة المنخفضة قد لا تكون كافية لمواجهة التحديات الهيكلية التي يواجهها سوق العقارات التجارية، والذي يُتوقع أن يشهد عامًا آخر من التراجع، بحسب نج.
ووفقًا للمجموعة العقارية “سي بي آر إي”، بلغ حجم استثمارات العقارات التجارية نحو 34 مليار دولار هونج كونج (4.3 مليار دولار أمريكي) في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، وهو ثاني أدنى مستوى منذ عام 2008.
ويمثل أكثر من نصف هذا الرقم أصولاً متعثرة تم بيعها من قبل المقترضين المثقلين بالديون أو البنوك.
كما أن الضغوط على سوق العقارات تزداد، حيث ارتفعت الديون المتعثرة لمصرف “إتش إس بي سي” في قروض العقارات التجارية في هونج كونج إلى أكثر من 3 مليارات دولار أمريكي في النصف الأول من هذا العام، بزيادة ستة أضعاف.
السياحة والإنفاق
الشركات ليست الوحيدة التي لم تعد بعد إلى هونج كونج.
لا يزال عدد السياح الوافدين، ومعظمهم من الصين، عند حوالي 30% من مستويات عام 2018، رغم مرور عامين تقريبًا على رفع قيود كوفيد.
كما أن السياح ينفقون أقل، فقد انخفض إنفاق الفرد على البيع بالتجزئة بنسبة 30% مقارنة بمستويات 2018، وفقًا لجانيت تشان، المديرة العليا للبيع بالتجزئة في “جيه إل إل”.
لكن تجار التجزئة يظلون متفائلين بشأن عطلة الأسبوع الذهبي المقبلة، رغم حذر المستهلكين المستمر.
في مفارقة جديدة، يفضل سكان هونج كونج الآن التوجه إلى شينزن للتسوق، نظرًا لانخفاض الأسعار هناك.
وتعليقًا على ذلك، قال ريكي تسانج، مدير في “إس آند بي جلوبال ريتينجز”، إن هذا التوجه قد يواصل الضغط على قطاع البيع بالتجزئة في هونج كونج.
وأضاف ماركوس تشان، المدير التنفيذي ورئيس الأبحاث في “سي بي آر إي” في هونج كونج، أن تخفيض أقساط الرهن العقاري قد يساهم في تحسين معنويات المستهلكين خلال الأشهر المقبلة، مما قد يسهم في انتعاش طفيف في الاقتصاد.