عندما يرحب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بقادة الأعمال في القمة الاستثمارية الكبرى المقرر انعقادها في لندن يوم الاثنين، ستكون رسالته إلى المديرين التنفيذيين لشركات من أمثال “بلاك روك” و”فودافون” و”غلاكسو سميث كلاين” بسيطة؛ وهي استثمروا أموالكم في بريطانيا.
لكن ما يقوض جهوده التسويقية هي الضبابية المحيطة بالاستراتيجية الصناعية لإدارته الجديدة. يحرص المستثمرون لمعرفة الحوافز التي سيتم تقديمها لجعل الأمر يستحق ضخ الأموال في المصانع والبنية التحتية وخلق فرص العمل في المملكة المتحدة. وبينما تخطط الحكومة لتوضيح القطاعات المفضلة لديها في اجتماع اليوم الاثنين، فلن تكشف عن الخطة الكاملة حتى فصل الربيع.
رؤية الاستثمار في المملكة المتحدة
يقول ستيفن فيبسون الرئيس التنفيذي لشركة “ميك يو كي” (MakeUK) التي تمثل شركات التصنيع البريطانية: “نرى الكثير من الشركات تنتظر ضخ استثمارات بمجرد أن تعرف الاستراتيجية على المدى البعيد”. مضيفاً: “من الضروري اتضاح الرؤية طويلة الأجل لمسار البلاد ومعرفة كيفية جمع الحكومة لمواردها”.
أعلن ستارمر عن أن تشجيع الاستثمار الداخلي هو أحد أهدافه الرئيسية، حيث يسعى إلى تحقيق النمو الاقتصادي اللازم لتمويل أولويات حكومته بما يضمن إعادة انتخابه بعد خمس سنوات. ويرى هو ووزيرة الخزانة راشيل ريفز أن قمة الاستثمار هي نقطة انطلاق رئيسية، حيث يُنتظر أن تعلن فيها الحكومة عن مليارات الجنيهات التزامات من قبل الشركات.
اليوم الأحد، عينت وزارة الأعمال والتجارة الرئيسة التنفيذية لشركة “مايكروسوفت” في المملكة المتحدة كلير باركلي لرئاسة مجلسها الاستشاري الجديد للاستراتيجية الصناعية، وهو المجلس المكلف بمساعدة الحكومة في تطوير خططها للأعمال. يأتي ذلك بعد أن أزال ستارمر يوم الخميس حالة الضبابية من خلال تعيينه الرئيس التنفيذي السابق لشركة “دارك تريس” (Darktrace)، بوبي غوستافسون، وزيراً للاستثمار، منهياً مرحلة بحث استمرت ثلاثة أشهر وشهدت انسحاب مرشحه الأول، بنيامين ويغ بروسير.
تحديات أمام جذب الاستثمارات
سيكون التحدي الذي يواجه غوستافسون هو إظهار قدرة بريطانيا على اجتذاب استثمارات جديدة. وكانت القمة معرضة لنكسة وسط الحديث عن تجميد شركة “موانئ دبي” العالمية العملاقة للخدمات اللوجستية استثماراً كبيراً في ميناء لندن، بعد أن انتقدت الحكومة البريطانية ممارسات التوظيف في إحدى شركاتها التابعة، (قبل أن تقرر الشركة التي تتخذ من دبي مقراً لها مساء أمس السبت معاودة المشاركة في القمة).
إلى جانب ذلك، كانت العديد من إعلانات الاستثمار الأخيرة عبارة عن إعادة صياغة لخطط سابقة، بما في ذلك خطة بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني (13 مليار دولار) من شركة “بلاكستون” لإنشاء مركز بيانات ضخم للذكاء الاصطناعي في بليث، شمال شرق إنجلترا، و8 مليارات جنيه إسترليني من “أمازون ويب سيرفيسز”.
كان جزء من عرض حزب العمال للرؤساء التنفيذيين هو قيامه بتصميم استراتيجية صناعية وطنية، وهو النهج الذي تجنبه المحافظون إلى حد كبير خلال فترة وجودهم في السلطة الممتدة لـ14 عاماً. وفي حين ابتكر وزير الأعمال السابق في حزب المحافظين غريغ كلارك استراتيجية خلال رئاسة تيريزا ماي للحكومة، فقد تم تهميشها في عهد خليفتها بوريس جونسون.
رفع الميزة التنافسية
قال شيفون هافيلاند المدير العام لغرف التجارة البريطانية: “نحن بحاجة إلى إرسال رسالة إلى العالم توضح فرص الاستثمار المتاحة هنا، وإنشاء علامة تجارية بريطانية جديدة تبني على الماضي، لكنها تتطلع إلى المستقبل”. وتابع: “هذا يعني وضع الابتكار الأخضر والرقمي في قلب ما نقوم به، والاستثمار في البنية التحتية والمهارات، وإزالة الحواجز أمام الاستثمارات وزيادة الصادرات من الطاقة والموارد”.
وبينما أعرب كلارك عن عدم رضاه عن الخطة، قال هافيلاند من غرفة التجارة البريطانية إن الخطة الجديدة “يجب أن تركز على رفع الميزة التنافسية للبلاد. ويتعين تحديد القطاعات والمجالات التي نحتل فيها مكانة رائدة على مستوى العالم والتخطيط لكيفية البناء عليها بهدف تنميتها”.
يجادل حزب العمال بأن هناك حاجة إلى استراتيجية صناعية لمواكبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.
أجاب وزير الأعمال جوناثان رينولدز في حلقة نقاشية على هامش المؤتمر السنوي لحزب العمال الشهر الماضي، عندما سُئل عن الاستراتيجية الصناعية: “يتعين علينا القدرة على المنافسة. ولأكون صادقاً، لقد سئمت من الناس الذين يخبرونني عن مدى جودة العرض الفرنسي”.
يصوغ حزب العمال استراتيجيته الصناعية على خلفية اقتصاد المملكة المتحدة، حيث كان كل نموه تقريباً على مدى السنوات الخمس الماضية مدعوماً بقطاعين متألقين، وهما: التكنولوجيا والصناعات القائمة على العلوم. في حين تعثرت مجالات مثل الضيافة والتصنيع للتوسع. ولا يزال ثلث إنتاج القطاعات التي تمثل ما يقرب من 20% من القيمة المضافة الإجمالية أقل من مستوياتها في عام 2019 بعد ما يقرب من خمس سنوات على جائحة كوفيد.
القطاعات ذات الأولوية
قالت وزارة الأعمال اليوم الأحد إنها ستعطي الأولوية لثمانية قطاعات في استراتيجيتها الصناعية؛ وهي الخدمات المالية، والدفاع، وعلوم الحياة، والتكنولوجيا، والطاقة النظيفة، والقطاعات الإبداعية، والتصنيع المتقدم، والخدمات المهنية والتجارية. وقالت الحكومة إنها ستعلن عما يسمى بـ”الورقة الخضراء” حول الاستراتيجية الصناعية يوم الاثنين، لتبدأ مشاورات تدعو الشركات للمساهمة فيها.
قال رينولدز في البيان: “ستعزز استراتيجيتنا الصناعية الحديثة الاستقرار للمستثمرين، وتمنحهم الثقة للتخطيط، ليس فقط للعام المقبل، ولكن للسنوات العشر المقبلة وما بعدها”. مضيفاً “هذه هي الخطوة التالية في خطتنا الداعمة للعاملين والمؤيدة للشركات”.
رغم ذلك، لم يطمئن حزب العمال الشركات بعد إلى أن خططه للاقتصاد هي الخطط الصحيحة. وأُصيب المسؤولون التنفيذيون بخيبة أمل في اليوم الذي خُصص للشركات بالمؤتمر السنوي للحزب الشهر الماضي، حيث كان الوصول إلى الوزراء محدوداً. وفي الوقت نفسه، واجه ستارمر وريفز انتقادات بسبب نظرة قاتمة للغاية لوضع الاقتصاد بالمملكة المتحدة والذي تزامن مع انخفاض ثقة المستهلك.
يقول كمال بهاتيا، الرئيس التنفيذي في “برينسيبال أسيت مانجمنت” التي تدير أصولاً بقيمة 650 مليار دولار على مستوى العالم بينما تنخفض استثماراتها في المملكة المتحدة، “يحتاج المستثمرون الدوليون إلى الشعور بالثقة في الرؤية الاقتصادية طويلة الأجل للمملكة المتحدة ليستثمروا المزيد من رأس المال”.
تحدي إقرار الميزانية
اكتسبت قمة الاستثمار أهمية إضافية بسبب الموقف المالي الصعب للبلاد قبل إقرار الميزانية الحاسمة في 30 أكتوبر. وتتعرض ريفز لضغوط لسد العجز البالغ 22 مليار جنيه إسترليني والتي تقول إنها ورثته من الحكومة السابقة، دون الحد من النمو. وتابعت أن جذب الاستثمارات الخاصة هو مفتاح النجاح للوفاء بوعود حزب العمال الانتخابية.
يعد تشكيل الميزانية عامل عدم يقين آخر معلق على الاجتماع، حيث من المتوقع أن تعلن ريفز عن زيادات ضريبية في مجالات مثل مكاسب رأس المال والمعاشات التقاعدية والعقارات. كما أنها ملتزمة بإصلاح نظام الضرائب على المواطنين غير المقيمين وإغلاق ما يسمى بثغرة الفائدة المحمولة، وهي القرارات التي تثير تحذيرات من هروب أموال الأثرياء البريطانيين.
يعتزم الوزراء استغلال القمة لإعادة بث الإيجابية في رسائل الحكومة. ويتضمن جدول الأعمال خطابات رئيسية لكل من ستارمر وريفز، ومن المقرر أيضاً أن يعقد رئيس الوزراء “نقاشات جانبية” مع الرئيس التنفيذي السابق لشركة “جوجل” إريك شميت.
وتشمل الجلسات الأخرى:
مناقشة حول أهمية الاستقرار الاقتصادي مع الرئيس التنفيذي لشركة “بلاك روك” لاري فينك، ورئيسة نظام التقاعد الجامعي كارول يونغ، والرئيس التنفيذي لشركة “بروكفيلد لإدارة الأصول” بروس فلات.
ندوة حول المشهد الاستثماري مع الرئيسة التنفيذية لشركة “أفيفا” أماندا بلانك، والرئيس التنفيذي لشركة “غلوبال إنفراستركشر بارتنرز” أديبايو أوغونليسي.
جلسة “تسريع الابتكار” تضم رئيسة قسم الاستثمار في شركة “ألفابت” روث بورات، والرئيسة التنفيذية لشركة “فودافون” مارجريتا ديلا فالي.