من المتوقع أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة للاجتماع الثاني على التوالي، مما يسرع من وتيرة الخفض بعدما كشفت البيانات عن تزامن التراجع السريع للتضخم مع تدهور الاقتصاد.
بعد مرور خمسة أسابيع فقط على آخر خفض، توقع محللون استطلعت “بلومبرج” آراءهم بالإجماع أن يخفض البنك سعر الفائدة على الودائع بمقدار ربع نقطة مئوية إضافية اليوم الخميس، لتستقر عند 3.25%.
ورغم انخفاض التضخم الآن إلى ما دون 2% للمرة الأولى منذ عام 2021، إلا أن النظرة المستقبلية القاتمة لاقتصاد منطقة اليورو هي المحرك الرئيسي لتسريع وتيرة خفض تكاليف الاقتراض، التي كان يُتوقع أن تتم كل ثلاثة أشهر. وفي ذات الوقت، تتزايد عوامل المخاطرة، بدءاً من سياسة التيسير النقدي التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي وصولاً إلى نتائج الانتخابات الأميركية والتوترات في الشرق الأوسط.
قال بول هولينغسوورث، كبير الاقتصاديين في أوروبا لدى “بي إن بي باريبا” (BNP Paribas): “تحول تركيز البنك المركزي الأوروبي من مكافحة التضخم المرتفع إلى مواجهة نمو اقتصادي ضعيف للغاية”. وأضاف أنه “من منظور إدارة المخاطر، من المنطقي تماماً تسريع وتيرة التيسير النقدي، حتى وإن كان ذلك يتطلب بعض الحذر في ظل حالة عدم اليقين المستمرة”.
من المقرر أن يعلن البنك المركزي الأوروبي قراره الساعة 2:15 مساءً، وسيتبع ذلك مؤتمر صحفي لرئيسة البنك كريستين لاغارد بعد نصف ساعة في بريدو بسلوفينيا، حيث يُعقد اجتماع السياسة السنوي الوحيد خارج المقر الرئيسي في فرانكفورت.
خفض أسعار الفائدة الأوروبية
كان صُناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي قد أشاروا في سبتمبر إلى أن خفض الفائدة الثالث في هذه الدورة من المرجح أن يتم في الاجتماع الأخير لعام 2024، المقرر عقده في ديسمبر، حينما تُتاح التوقعات المحدثة للنمو الاقتصادي والتضخم، بما في ذلك أول توقعات لعام 2027.
لكن مع ظهور بيانات حديثة مثل استطلاع “إس آند بي غلوبال” الشهري لمؤشر مديري المشتريات، الذي أظهر تراجعاً في إنتاج القطاع الخاص، واستعداد ألمانيا لتسجيل انخفاض سنوي ثانٍ متتالٍ في الإنتاج، بدأ المستثمرون والاقتصاديون في توقع خفض إضافي هذا الشهر، مع احتمال إجراء خفض آخر في وقت قريب.
قال ميشالا ماركوسين، كبيرة الاقتصاديين بمجموعة “سوسيتيه جنرال” (Societe Generale)، إن “بيانات مؤشر مديري المشتريات رجحت كفة خفض الفائدة في أكتوبر”.
أكد العديد من المسؤولين هذه التوقعات بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث ذكرت لاغارد أن الثقة المتزايدة في عودة التضخم إلى الهدف المطلوب في الوقت المناسب سيتم أخذها بعين الاعتبار هذا الشهر. فيما وصف محافظ بنك فرنسا، فرانسوا فيليروي دي غالو، الخطوة المرتقبة في أكتوبر بأنها “مرجحة للغاية”.
ومع ذلك، يشعر بعض المسؤولين الأكثر تحفظاً بالقلق إزاء توقعات التيسير المتسارع حتى عام 2025. وحذر مارتينز كازاكس من لاتفيا، في مقابلة مع “بلومبرج”، الأسواق من “التسرع في افتراضاتها”.
النمو والتضخم في أوروبا
في سبتمبر، قلص البنك المركزي الأوروبي توقعاته الاقتصادية للأعوام الثلاثة المقبلة، متوقعاً نمواً بنسبة 0.8% لعام 2024. لكن حتى هذا الرقم يبدو متفائلاً الآن. وتكمن المخاوف الرئيسية في أن التعافي البطيء قد يؤثر في مرحلة ما على سوق العمل التي لا تزال مرنة حتى الآن، مما قد يزيد من ضعف النشاط الاقتصادي. وبالنسبة لماريو سينتينو، رئيس البنك المركزي البرتغالي، هناك خطر من العودة إلى بيئة التضخم المنخفض والنمو الضعيف التي كانت سائدة قبل جائحة كوفيد-19.
ورغم الإشارة إلى مخاطر عدم بلوغ هدف التضخم في محضر اجتماع سبتمبر، لا يزال بعض المسؤولين المتشددين قلقين من ضغوط الأسعار الأساسية، وخاصة التضخم في قطاع الخدمات، وأشاروا إلى أنه من السابق لأوانه إعلان الانتصار على التضخم.
مع ذلك، فإن العودة السريعة إلى نسبة التضخم المستهدفة عند 2% قد تفتح الباب لمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة. وصرح يانيس ستورناراس، محافظ البنك المركزي اليوناني، الأسبوع الماضي بأن الهدف قد يتحقق في منتصف العام المقبل أو قبل ذلك، بينما تشير تقديرات البنك المركزي الأوروبي إلى احتمالية تحقيقه فقط بحلول نهاية عام 2025.
المخاطر الجيوسياسية العالمية
وما يزيد الأمور تعقيداً هو التطورات العالمية التي يصعب التنبؤ بتأثيراتها. وحذر رئيس البنك المركزي الألماني، يواكيم ناغل، من أن اقتصاد أوروبا قد يواجه انخفاضاً حاداً في النمو وارتفاعاً في التضخم في حال إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.
مع ذلك، يشير بعض المحللين إلى أن خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية بشكل كبير، بجانب السياسة المالية التوسعية والقيود الصارمة على الهجرة، قد تؤدي في النهاية إلى خفض التضخم.
في الوقت نفسه، يمكن لتصعيد كبير بين إسرائيل وإيران أن يتسبب في نزاع إقليمي واسع النطاق، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. كما يتعين على صناع السياسات أخذ تأثير التحفيز الاقتصادي الصيني على الاقتصاد الأوروبي في الاعتبار.
وفي مذكرة حديثة، أوضح محللو “دويتشه بنك” أن “النمو والتضخم والسياسة النقدية قد تتبع مسارات متعددة في عام 2025”.
نهج المركزي الأوروبي
وعلى هذا النحو، من المرجح أن تبقى لاغارد حذرة بشأن وتيرة ومدى التخفيضات المستقبلية، مشددة على نهج البنك المركزي الأوروبي “المعتمد على البيانات” و”الاجتماع تلو الآخر”، دون تعديل توقعات السوق بخفض إضافي في ديسمبر.
كما يتوقع معظم الاقتصاديين أيضاً أن يؤكد المسؤولون أن مجلس الإدارة سيبقي السياسة “مقيدة بشكل كاف” طالما لزم الأمر لضمان وصول التضخم إلى 2% واستقراره عند هذا المستوى على المدى المتوسط.
مع ذلك، يدرس بعض المسؤولين بالفعل احتمالية تعديل أسعار الفائدة إلى مستوى محايد لا يحفز النمو ولا يقيده، إذا تم بلوغ هدف التضخم. وعلى الرغم من أن المستوى المحايد يُعتبر تقديراً غير دقيق، فإنه يُعتقد أنه يتراوح بين 1.5% و3%. ويتوقع أن تتصاعد المناقشات حول “السياسة المحايدة المناسبة” في العام المقبل، بحسب ما قاله كونستانتين فييت، الذي يعمل كمدير محافظ في شركة “بيمكو” (Pimco).