في عالم الشركات الناشئة في مصر، حيث تتسارع الأحداث وتتغير المعطيات بسرعة، يصبح “النمو” هدفًا أساسيًا لكل شركة ناشئة، فالجميع يتحدث عن “النمو”، لكن قلة هم من يتعمقون في فهم معانيه الحقيقية.
ليس النمو زرًا سحريًا تضغط عليه، ولا هو سر مخفي يعرفه فقط “خبراء النمو”، بل إن مصطلح “خبير النمو” قد يكون مضللاً، إذ يعطي انطباعًا على غير الحقيقة بوجود ساحر قادر بعصاه السحرية على تحقيق النجاح السريع والنمو بين عشية وضحاها، بينما النمو في حقيقته عملية استراتيجية تعتمد على المعرفة والتخطيط والتواصل المستمر مع جمهورك، وتحقيق النمو المستدام هو رحلة مستمرة تعتمد على المعرفة وبذل الجهد، وقد يؤدي التركيز على النمو السريع دون تخطيط إلى نتائج عكسية.
لذلك، يجب على الشركات الناشئة أن تعتمد على أدوات تحليلية متطورة تساعدها في تحديد المراحل المختلفة لنمو الشركة وتقييم أدائها، ولعل واحدة من أفضل الطرق لخوض هذه الرحلة المليئة بالإثارة والتحدي هي استخدام إطار AAARR (الوعي، الاستحواذ، التفعيل، الاحتفاظ، الإيرادات) مع تقسيم الجمهور بذكاء.
دعونا نستكشف كيف يمكن للشركات الناشئة المصرية تحقيق النمو الحقيقي والمستدام.
فهم إطار AAARR
لا يحدث النمو في أي شركة ناشئة، سواء في مصر أو عالميًا، بين يوم وليلة، وتحول فكرتك إلى شركة عملاقة لا علاقة له بالسحر، بل يحتاج إلى خطوات مدروسة، ويتبع مراحل محددة، وكل منها يلعب دورًا حيويًا في بناء مشروع ناجح وقابل للتوسع.
وإطار AAARR هو خريطتك التي تساعدك على فهم رحلة عميلك خطوة بخطوة، ويقدم طريقة منظمة لفهم وتحسين نقاط الاتصال الأساسية في رحلة العميل، بداية من اهتمامه بمنتجك حتى ولائه لك، ولكل مرحلة أسئلتها الخاصة وأهدافها التي تقيس مدى تقدمك، بالإضافة إلى المؤشرات الرئيسية للأداء (KPIs) التي تساعد على قياس النجاح، فما هي الأسئلة التي يجب الإجابة عليها في كل مرحلة لضمان النجاح؟.
مرحلة الوعي Awareness
يمكن وصف هذه المرحلة بمرحلة إشعال شرارة الاهتمام، وهدفها تعريف الجمهور المستهدف بمنتجك أو خدمتك بشكل واضح ومميز، وتوجيه اهتمامهم نحوه.
إن الرسائل هنا يجب أن تدور حول “ما هو هذا المنتج؟”، سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو الشراكات مثل التعاون مع المؤثرين والمدونين والشركات الأخرى في نفس المجال، أو الأنشطة غير الرقمية مثل المعارض والمؤتمرات والفعاليات، فالجمهور بحاجة إلى معرفة منتجك قبل أن يفكروا في الشراء.
في هذه المرحلة، سترصد المؤشرات الرئيسية للأداء (KPIs) الوصول (Reach)، والتي تحدد عدد الأشخاص الذين تعرفوا على منتجك، وكذلك تكلفة الألف ظهور (CPM)، والتي تعني تكلفة الوصول إلى كل 1000 شخص؟
مرحلة الاستحواذ Acquisition
تهدف هذه المرحلة إلى تحويل المهتمين والمتابعين إلى عملاء، وإقناع العملاء المحتملين الذين أصبحوا على دراية بمنتجك، بشرائه وتجربته. هنا، يجب أن تركز على إبراز القيمة التي يقدمها المنتج وكيف يمكنه حل مشكلة معينة تواجههم.
خلال هذه المرحلة، سترصد المؤشرات الرئيسية للأداء (KPIs) تكلفة الاستحواذ لكل عميل (CPA)، والتي تعني التكلفة التي تتحملها نظير جذب عميل جديد.
مرحلة التفعيل Activation
بعد جذب العملاء المحتملين، الذين أظهروا اهتمامًا بمنتجك وخدماتك، عليك التفكير في تحويلهم إلى مستخدمين فعليين، بمعنى آخر، دفعه لاتخاذ الخطوة الأولى نحو الاستفادة من المنتج، سواء كان ذلك بالتسجيل، أو إجراء عملية شراء، أو تحميل التطبيق.
سوف يكون عليك إرسال رسائل أساسية واضحة، تكشف أن استخدام المنتج سهل وبسيط ولا يتطلب أي مهارات خاصة، وتؤكد على الفوائد التي سيحصل عليها العميل فور البدء في استخدام المنتج، وتقدم دليلاً واضحاً وسهلاً للفهم يشرح كيفية استخدام المنتج، كما يمكنك تقديم عروض خاصة أو حوافز تشجع العملاء على التسجيل أو الشراء.
ومن خلال المؤشرات الرئيسية للأداء (KPIs) ستعرف معدل التفعيل، أي نسبة المستخدمين الذين اتخذوا خطوة فعلية، وكذلك تكلفة المستخدم المفعل، أي تكلفة تحويل المستخدم إلى مستخدم فعلي للمنتج؟
مرحلة الاحتفاظ Retention
الهدف من هذه المرحلة هو الحفاظ على العميل مدى الحياة، أي بناء علاقة طويلة الأمد مع العميل، ليتم تحويل العملاء الجدد إلى عملاء مخلصين يستخدمون المنتج بانتظام ويشاركونه مع الآخرين.
يتحقق ذلك عندما نظهر للعملاء كيف يمكنهم الاستفادة القصوى من المنتج واكتشاف ميزات جديدة بمرور الوقت، وأن قدم تجربة مخصصة لكل عميل بناءً على سلوكه واهتماماته، وقد يفيد كثيرا تشجيع العملاء على الانضمام إلى مجتمع المستخدمين والتفاعل مع الآخرين، إلى جانب دور برامج ولاء والمكافآت في تشجيع العملاء على الاستمرار في الشراء.
وبالنظر إلى المؤشرات الرئيسية للأداء (KPIs) خلال هذه المرحلة، سنتعرف على معدل الاحتفاظ، أي نسبة المستخدمين الذين يعودون لاستخدام المنتج بعد فترة زمنية معينة، وفي المقابل معدل التخلي، أي نسبة المستخدمين الذين توقفوا عن استخدام المنتج.
مرحلة الإيرادات Revenue
ها قد وصلنا إلى المرحلة الأخيرة ضمن إطار AAARR، وهي مرحلة الإيرادات، والتي تعني تحقيق العائد على الاستثمار، والتي تهدف إلى تحويل العملاء المخلصين إلى مصدر مستدام للإيرادات، وتركز على تحقيق أكبر قيمة ممكنة من العملاء.
سيكون من المهم أن نظهر للعملاء القيمة التي يحصلون عليها مقابل الأموال التي ينفقونها، وأن نقدم منتجات وخدمات إضافية لزيادة قيمة الطلب، أو نشجعهم على الاشتراك في برامج اشتراك شهرية أو سنوية، كما يمكن أن نقدم عروضاً مخصصة لكل عميل بناءً على سلوكه ومشترياته السابقة.
اقرأ أيضا: محمد عابدين يكتب: بين فرحة التمويل وأهمية الإنجاز.. هذا هو المستقبل الحقيقى للشركات الناشئة بمصر
سترصد المؤشرات الرئيسية للأداء (KPIs)، خلال هذه المرحلة، الإيرادات الإضافية، الإيرادات التي تم توليدها من العملاء الذين تم تفعيلهم أو الاحتفاظ بهم.
تقسيم الجمهور: صوابعك مش زي بعضها
يعد تقسيم الجمهور حجر الزاوية في أي استراتيجية تسويق ناجحة، خاصة للشركات الناشئة، ومع ذلك، فإنه واحد من الجوانب المهمة التي يتم تجاهلها غالبًا في رحلة تحقيق النمو!
ولعلك تتساءل.. لماذا يعد تقسيم الجمهور مهمًا للغاية؟ لأنه ببساطة، ليس كل العملاء متساوون.
كل عميل لديه احتياجاته ورغباته الخاصة، وتقديم تجربة مخصصة له هو السبيل الأمثل لكسب ولائه وتحويله إلى عميل دائم، ومن خلال فهم الفروق بين الشرائح المختلفة، يمكن للشركات الناشئة تخصيص استراتيجياتها لتحقيق نتائج أفضل.
يعد تقسيم الجمهور أمرًا حيويًا لتحقيق النمو، ويمكن أن نجمل أهم فوائد تقسيم الجمهور في نقاط محددة:
• زيادة المبيعات: الشرائح المختلفة من المستخدمين لديها احتياجات مختلفة، ومن خلال فهم كل شريحة من العملاء، يمكنك تقديم العروض والمنتجات التي تناسبهم تمامًا، مما يزيد من فرص الشراء.
• تحسين تجربة العميل: عندما يشعر العميل بأنك تفهم احتياجاته، فإنه يشعر بتقدير أكبر لعلامتك التجارية.
• استخدام فعال للموارد: بدلاً من توجيه جهودك التسويقية إلى جمهور واسع، يمكنك التركيز على الشرائح الأكثر ربحية، فالتركيز على العملاء ذوي القيمة العالية يضمن عدم إهدار الوقت أو المال.
• بناء علاقات قوية: من خلال تخصيص رسائلك وعروضك، يمكنك بناء علاقات قوية مع كل شريحة من العملاء.
باختصار، باستخدام تقسيم الجمهور، يمكنك تحويل عملائك من مجرد أرقام إلى أفراد، وبالتالي بناء علاقة قوية ومستدامة معهم.
النمو: رحلة مستمرة وليست وجهة وصول للراحة
إن النمو عملية مستمرة تتطلب صبرًا ومثابرة، ورواد الأعمال المصريون، بمعنوياتهم العالية وطموحاتهم الكبيرة، قادرون على تحقيق إنجازات عظيمة، ولكن يجب أن يكونوا على دراية بأن النجاح لا يأتي بين ليلة وضحاها، ولعل من الضروري أن نبرز أهم النقاط التي يجب على الشركات الناشئة تذكرها:
• الأهمية القصوى للمعرفة: كل مرحلة من مراحل نمو الشركة تتطلب معرفة ومهارات جديدة. يجب على الشركات الناشئة أن تستثمر في تطوير قدراتها من خلال القراءة، حضور الورش التدريبية، والتعلم من خبراء الصناعة.
• التجريب هو مفتاح النجاح: لا تخافوا من التجربة والخطأ. التجريب المستمر هو الطريقة الوحيدة لاكتشاف أفضل الاستراتيجيات والأساليب التي تناسب عملكم.
• الصبر والمثابرة هما الوقود: رحلة ريادة الأعمال مليئة بالتحديات والعقبات. الصبر والمثابرة هما السلاحان اللذان سيسمحان لكم بالاستمرار والتغلب على أي صعوبات تواجهونها.
• البناء على النجاحات الصغيرة: لا تركزوا فقط على الأهداف الكبيرة، بل احتفلوا بالنجاحات الصغيرة التي تحققونها على طول الطريق. هذا سيعزز معنويات فريقكم ويشجعهم على الاستمرار.
• التكيف مع التغيير: سوق الأعمال يتغير باستمرار، لذا يجب على الشركات الناشئة أن تكون مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات.
• بناء شبكة قوية: تواصلوا مع رواد أعمال آخرين، وخبراء في المجال، ومستثمرين. شبكة العلاقات القوية ستوفر لكم الدعم والمشورة التي تحتاجونها.
ختامًا، ومن أجل تحقيق نمو مستدام في النظام البيئي للشركات الناشئة في مصر، يجب معرفة أن تحقيق النمو هو عملية منظمة تجمع بين الاستراتيجية وفهم المستخدم والتجربة المستمرة، وباستخدام أطر مثل AAARR والتركيز على تقسيم الجمهور، يمكن للشركات الناشئة أن تضع نفسها في مكانة تسمح لها بتحقيق النجاح القابل للتوسع والمستدام.
إن النظام البيئي الريادي الديناميكي في مصر يحمل فرصًا وفيرة للنمو، لذا، خذ الوقت اللازم لفهم جمهورك، واختبر استراتيجياتك، والتزم برحلة النمو.