قالت مؤسسة فريدريش إيبرت، الألمانية التابعة للحكومة الألمانية، إن استدامة قطاع النقل وخفض معدلات التلوث به من القضايا المعقدة التى تتطلب حلولاً متعددة الأبعاد.
وذكرت أن العديد من المصريين يعتمد يومياً على وسائل النقل المختلفة، التى تشمل السيارات الخاصة ووسائل النقل غير الرسمية مثل الميكروباص والتوك توك، فى التنقل بين العمل والمنزل أو لممارسة حياتهم اليومية، لكن هذه الوسائل تعانى من مشاكل هيكلية تجعل من النقل فى مصر أمراً مرهقاً ومكلفاً سواء من الناحية المالية أو البيئية.
الازدحام المرورى المستمر
وأشارت إلى أن مشكلة الازدحام المرورى تعتبر واحدة من أكبر المشاكل التى تعانى منها مصر، خاصة فى القاهرة الكبرى، حيث يعيش أكثر من 24 مليون نسمة فى مساحة صغيرة، ما يؤدى إلى حركة خانقة وشلل مرورى فى معظم أوقات اليوم.
أضافت: «يعتمد النظام الحالى بشكل كبير على شبكة طرق لا تتحمل هذا الكم من السيارات الخاصة ووسائل النقل العامة وغير الرسمية».
وأشارت إلى أن الازدحام المرورى فى القاهرة وحده يكلف الدولة ما يقرب من 8 مليارات دولار سنوياً بسبب التأخير وفقد الإنتاجية وتكاليف الوقود الزائدة.
وذكرت أنه رغم من الجهود التى تبذلها الحكومة من خلال مشاريع ضخمة مثل توسعة الطرق وبناء الجسور والأنفاق، فإن التوسعات فى شبكة الطرق غالباً ما تكون قصيرة الأجل، وتتعامل مع العرض دون معالجة الطلب المتزايد على النقل.
فى الوقت ذاته، يظل العديد من المناطق فى القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى الأخرى تعانى من قلة الخيارات المتاحة للنقل العام الميسر.
مصر تعتزم استكمال تنفيذ ألف كوبرى لحل الاختناقات المرورية
ولفتت إلى أن وسائل النقل غير الرسمية تلعب دوراً حاسماً فى حياة ملايين المصريين، لكن هذه الوسائل لا تزال تفتقر إلى التنظيم المناسب، ما يؤدى إلى معايير سلامة منخفضة وتجربة غير مريحة للمستخدمين.
وقالت إن الميكروباصات، على سبيل المثال، تظل وسيلة النقل الأكثر استخداماً فى مصر، لكن غياب النظام الفعّال لإدارة هذه الوسيلة يجعلها مصدراً دائماً للانتقاد؛ بسبب عدم الالتزام بالقواعد المرورية، وعدم تقديم خدمات ملائمة للمواطنين.
ونوهت بأن السائقين فى هذا القطاع يعملون عادة فى ظروف غير مستقرة، ولا توجد عقود ثابتة أو تأمينات اجتماعية لهم، ما يفاقم من مشكلة النقل.
وقالت: كذلك التوك توك، الذى انتشر فى العقدين الأخيرين فى المناطق الحضرية، يوفر حلاً سريعاً ورخيصاً للتنقل لمسافات قصيرة، إلا أنه يشكل خطراً كبيراً على السلامة، خاصة فى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
وذكرت أن الحلول الممكنة لهذه المشكلة تتضمن تنظيم هذه الوسائل من خلال الترخيص وتحديد مسارات محددة لها. تقديم برامج تدريب للسائقين وتوفير دعم مالى لتحديث المركبات يمكن أن يساعد فى تحسين جودة الخدمة وتقليل الحوادث.
التلوث الناتج عن النقل
وقالت إن واحداً من التحديات البيئية الأكثر حدة فى مصر هى مشكلة التلوث الناتج عن وسائل النقل، فالهواء الملوث فى القاهرة يُعتبر من بين الأسوأ فى العالم، ووسائل النقل، خاصة تلك التى تعمل بالديزل، تُعتبر أحد المساهمين الرئيسيين فى هذه المشكلة.
ولفتت إلى أن الاعتماد الكبير على السيارات الخاصة التى تعمل بالوقود الأحفورى يسهم فى زيادة الانبعاثات الكربونية، ويزيد من حدة التغير المناخى محلياً وعالمياً.
وذكرت أن السياسات الحكومية تسعى لتحسين الوضع عبر إجراءات تشمل رفع أسعار الوقود وتقليل دعم الطاقة لتحفيز المواطنين على التحول إلى وسائل نقل أقل تلويثاً، لكن هذه السياسات لم تكن كافية لمعالجة المشكلة بشكل جذرى.
وقالت إن النقل فى مصر ما زال يعتمد بشكل كبير على الوقود التقليدي، وهذا يزيد من الانبعاثات الضارة بالبيئة، التى تؤثر بشكل خاص على الصحة العامة، حيث تتسبب فى زيادة حالات الأمراض التنفسية مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، فضلاً عن ارتفاع معدلات الوفيات المبكرة.
تعزيز وسائل النقل فى طليعة الحلول
وذكرت أن من الحلول الأكثر وضوحاً لمشكلة النقل فى مصر تحسين وتوسيع وسائل النقل العامة، مثل الحافلات والمترو.
وقالت إنه من المهم أن تركز الحكومة على تحسين الخدمات المتاحة حالياً لتكون أكثر كفاءة وجاذبية للمستخدمين، مشيرة إلى أن مشروع توسيع شبكة مترو الأنفاق فى القاهرة خطوة مهمة، ولكن يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية أوسع تشمل مدناً أخرى خارج القاهرة الكبرى.
“البيئة” تواصل تكثيف لجان المرور لمواجهة نوبات تلوث الهواء الحادة
وقالت إن بناء خطوط جديدة للحافلات العامة، وخاصة الحافلات السريعة (BRT)، يمكن أن يكون حلاً فعّالاً لتخفيف الضغط على شبكة الطرق.
وشددت على أنه يجب أيضاً أن تتمتع هذه الوسائل بمواصفات عالية مثل النظافة، والأمان، والدقة فى المواعيد لجذب المستخدمين بعيداً عن السيارات الخاصة ووسائل النقل غير الرسمية.
تعزيز النقل النشط
وقالت إن مصر يجب أن تحفز النقل النشط، الذى يشمل المشى وركوب الدراجات، حيث يمكن أن يلعب دوراً حيوياً فى حل مشكلة النقل فى مصر.
لكنها نوهت بأن البنية التحتية الحالية غير مناسبة لتشجيع هذه الوسائل، حيث تفتقر المدن إلى أرصفة ملائمة ومسارات مخصصة لركوب الدراجات. وفى ظل الازدحام المرورى الحالي، تصبح هذه الوسائل غير آمنة.
ولفتت إلى أن إعادة تصميم الشوارع لتشمل مسارات مخصصة للمشاة والدراجات يمكن أن تسهم فى تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة وتحسين الصحة العامة.
وقالت إن هذه الحلول ليست مكلفة نسبيًا، ويمكن أن توفر فوائد كبيرة على المدى الطويل من خلال تقليل التلوث وتعزيز النشاط البدنى بين المواطنين.
التحول إلى السيارات الكهربائية
ونوهت بأن مع التوجه العالمى نحو الطاقة النظيفة، يجب أن تسعى مصر إلى تشجيع استخدام السيارات الكهربائية.
وقالت إن التحول إلى السيارات الكهربائية يتطلب بنية تحتية ملائمة، مثل محطات شحن فى جميع أنحاء المدن والطرق السريعة.
ولفتت إلى أن مصر لديها إمكانيات كبيرة فى إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ما يجعل هذا التحول اقتصادياً ومستداماً على المدى الطويل.
وذكرت أن تشجيع الشركات المصنعة للسيارات على الاستثمار فى تصنيع السيارات الكهربائية محلياً يمكن أن يوفر فرص عمل جديدة ويسهم فى تقليل الاعتماد على الوقود المستورد.
كما يمكن للحكومة تقديم حوافز للمواطنين لشراء سيارات كهربائية، مثل الإعفاءات الضريبية أو توفير تمويل بأسعار فائدة منخفضة.
تنظيم قطاع النقل غير الرسمى
وأكدت أنه لا يمكن تجاهل دور وسائل النقل غير الرسمية مثل الميكروباصات والتوك توك، ولكن يجب أن تكون هناك جهود جادة لتنظيم هذا القطاع.
وقالت إن الحكومة يمكنها أن تبدأ بتقديم تراخيص لسائقى الميكروباص والتوك توك، مع توفير تدريبات إلزامية حول السلامة المرورية.
كما يمكن أن يتم إدخال نظم ذكية لتحسين الإدارة والمتابعة، مثل نظام تتبع الحافلات الصغيرة والتوك توك، لضمان سلامة الركاب وتحسين الخدمة.
وقالت إن ذلك بجانب توفير حوافز للسائقين لتحديث مركباتهم، مثل تقديم قروض ميسرة أو إعفاءات ضريبية، يمكن أن يحسن من كفاءة المركبات ويقلل من استهلاك الوقود والتلوث.
كما يمكن للحكومة أن تعمل على توفير بدائل آمنة ومريحة للنقل غير الرسمى من خلال تعزيز وسائل النقل العامة وتطوير شبكات النقل السريعة داخل المدن.
استخدام التكنولوجيا لتحسين حركة المرور
أشار التقرير إلى أن إدارة حركة المرور بفعالية يمكن أن يسهم فى تقليل الازدحام. استخدام التكنولوجيا الذكية، مثل أنظمة التحكم المرورى التكيفية التى تعتمد على البيانات فى ضبط الإشارات الضوئية، يمكن أن يحسن تدفق حركة المرور ويقلل من التأخيرات.
وقال إن هذه الأنظمة قادرة على تحليل البيانات المرورية فى الوقت الحقيقى وتعديل الإشارات بناءً على الكثافة المرورية، ما يسهم فى تحسين انسيابية الحركة على الطرق.
وذكر أنه يمكن للحكومة أيضاً استخدام تطبيقات الهواتف الذكية لتوفير معلومات حية عن حركة المرور وأوقات الوصول للحافلات والمترو، مشيرة إلى أن هذا النوع من الخدمات يساعد فى تحسين تجربة المستخدمين وجعل النقل العام خياراً أكثر جاذبية للمواطنين.
تحسين التخطيط الحضرى المستدام
وقالت إن التخطيط الحضرى المستدام هو عنصر أساسى فى حل مشكلات النقل فى مصر، حيث يجب أن تكون هناك سياسات تهدف إلى تقليل الحاجة إلى التنقل لمسافات طويلة من خلال تحسين توزيع الخدمات والمرافق فى المناطق الحضرية.
وذكرت أن الحكومة المحلية يمكن أن تركز على تطوير مجتمعات عمرانية متكاملة توفر فرص عمل وخدمات بالقرب من المناطق السكنية، ما يقلل من حاجة السكان لاستخدام السيارات أو وسائل النقل العامة لمسافات طويلة.
وذكرت أن المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية تحتاج إلى تكامل أفضل مع شبكات النقل العامة، بحيث يتم توجيه التنمية حول محاور النقل العام مثل المترو والحافلات السريعة.