تشكل سلاسل التوريد الركيزة الأساسية للتجارة الدولية، إذ تمثل أكثر من نصف قيمة التجارة العالمية فى السلع، وتسهم بشكل كبير فى توفير فرص عمل وتقليل الحواجز أمام مشاركة الدول والشركات فى الاقتصاد العالمى.
لكن التمويل المتاح لدعم هذه السلاسل لا يزال دون المستوى المطلوب، ما يحرم العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة فى الاقتصادات الناشئة من فوائد التجارة العالمية.
تقوم شبكات سلاسل التوريد بربط المواد الخام وقطع الغيار والخدمات والمدخلات الأخرى من دول متعددة، وتمر السلع بعمليات تصنيع متعددة وتوزيع وتسويق قبل وصولها للمستهلكين، بحسب ما أوضحه موقع «بروجكت سنديكيت».
ويعتمد كثير من هذه الشركات على تمويل قصير الأجل لسلاسل التوريد لتجنب الضغوط الناتجة عن دفع المستحقات للموردين قبل استلام الدفعات من المشترين.
وهذا النوع من التمويل يلعب دوراً جوهرياً فى تعزيز التجارة العالمية، ويعد حيوياً بشكل خاص للشركات الصغيرة فى الدول النامية.
خلال جائحة كوفيد ـ 19، أسهم تمويل سلاسل التوريد فى دعم العديد من الشركات المتضررة من تعطل الأسواق العالمية.
ومع زيادة الطلب العالمى على السلع عوضاً عن الترفيه والسفر، واجهت الشركات فى الدول النامية صعوبات فى السيولة؛ بسبب تزايد الإنتاج والطلب، مثل منتجى الملابس الذين احتاجوا إلى تمويل فورى لشراء المواد الخام، رغم تأخر المدفوعات من العملاء.
وقد وفَّر تمويل سلاسل التوريد سيولة فورية ساعدتهم على إدارة رأس المال واستقرار العمليات، ما خفف من ضغوط العرض العالمية.
على الصعيد العالمى، يُعد تمويل سلاسل التوريد واحداً من أسرع القطاعات نمواً فى مجال تمويل التجارة؛ حيث تُقدر قيمته حالياً بنحو 2.3 تريليون دولار، وفقاً لتقرير التمويل العالمى لسلاسل التوريد لعام 2024 الصادر عن شركة «بى سى آر».
ورغم هذا النمو، فإنَّ أغلب الشركات فى الدول النامية لا تزال خارج هذه المنظومة، فى حين تستفيد الشركات الكبرى والدول المتقدمة من هذا التمويل فى تعزيز عملياتها التجارية.
تواجه الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى الدول النامية صعوبة فى الحصول على تمويل سلاسل التوريد؛ بسبب أطر قانونية ضعيفة، وبنية تحتية تكنولوجية غير كافية، وتكاليف مرتفعة.
ونتيجة ذلك، تُحرم هذه الشركات من فرصة النمو، وتحرم اقتصاداتها الوطنية من الاستفادة الكاملة من التجارة الدولية.
تؤكد بيانات المسوحات المشتركة لتمويل التجارة التى أجراها البنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية حجم المشكلة.
فقد أظهرت النتائج، أن العديد من الشركات الصغيرة فى دول مثل فيتنام وكمبوديا استطاعت الاندماج فى سلاسل التوريد، خاصة فى قطاعات مثل المنسوجات، والإلكترونيات الاستهلاكية، رغم اعتمادها بشكل رئيسى على السيولة النقدية، فإنَّ نقص التمويل يظل يشكل عائقاً أمام تحقيق المزيد من التوسع الاقتصادى.
ورغم أن 50% من تجارة هذه الدول تعتمد على سلاسل التوريد، فإنَّ 0.5% فقط من هذه التجارة مدعومة بتمويل سلسلة التوريد من المؤسسات المالية المحلية.
وبالتالى، تعانى الشركات المحلية ضغوطاً مالية مستمرة، وارتفاع معدلات الخروج من السوق، فضلاً عن عدم قدرتها على توليد الموارد الاستثمارية الضرورية للارتقاء ضمن سلسلة القيمة.
وتعتبر المنافع المحتملة لزيادة تمويل سلسلة التوريد فى الاقتصادات النامية هائلة، إذ تشير أبحاث منظمة التجارة العالمية إلى أن زيادة بنسبة 10% فى استخدام الخصم الدولى (أحد أنواع التمويل الأساسى لسلسلة التوريد الذى يساعد الشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر فى الحصول على سيولة فورية مقابل فواتيرها غير المدفوعة) يمكن أن تعزز تجارة الدول بنسبة 1%.
ومن شأن تعزيز الوصول إلى أدوات تمويل سلاسل التوريد، أن يرفع مستويات المشاركة فى التجارة العالمية، خاصةً من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة فى الدول النامية، ما يسهم فى زيادة الدخل والحد من الفقر وتعزيز الشمول المالى.
وتستطيع البنوك التنموية متعددة الأطراف أن تلعب دوراً كبيراً فى دعم هذا التوجه من خلال تنسيق الجهود مع الحكومات والجمعيات الصناعية والمؤسسات المالية المحلية والدولية.
ويمكن لمثل هذا التعاون أن يسهم فى تحقيق عدة أهداف، منها تقوية الأطر القانونية لتمويل سلاسل التوريد، وبناء القدرات لدى المشرعين وصناع السياسات.
كما يمكن للمنظمات الدولية أن تقدم تدريبات حول أفضل الممارسات العالمية، ما يعزز معايير الإبلاغ الائتمانى وآليات التنفيذ.
كذلك، يسهم دعم الرقمنة وتطوير البنية التحتية التقنية فى تسهيل الوصول إلى تمويل سلاسل التوريد، خاصة فى الأسواق الناشئة.
من خلال هذا التعاون بين المؤسسات الدولية والحكومات والبنوك، يمكن إطلاق إمكانات تمويل سلاسل التوريد بالكامل، ما يعزز التجارة والشمول المالى فى المناطق ذات الحضور الضعيف فى السوق العالمى.
فعند الحديث عن تحقيق التنمية، يعتبر تمويل سلاسل التوريد خياراً مثمراً يعزز من فرص التوظيف والنمو الاقتصادى، ويدفع بتحقيق أهداف التنمية العالمية إلى الأمام.