قال عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب المركزي، إن الوقت غير مناسب حالياً للقيام بخطوة جديدة في إصلاح سعر صرف عملة الدرهم بفك ارتباطها بسلة عملتي اليورو والدولار، لأن غالبية الفاعلين الاقتصاديين، وخصوصاً الشركات الصغيرة جداً، غير مؤهلين بالشكل الكافي.
الجواهري ذكر في مقابلة مع “الشرق” أجريتها الإعلامية نور عماشة على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، أن أكثر من 80% من الشركات في المغرب صغيرة جداً وهي لا تعرف حتى آليات التغطية ضد مخاطر الصرف. موضحاً أن هذا الأمر جعل “المركزي” يتريث في اتخاذ أي خطوة مقبلة رغم إلحاح صندوق النقد الدولي.
كانت المملكة بدأت تحرير سعر صرف عملتها عام 2018 باعتماد نطاق تقلُّب بنسبة 2.5% صعوداً وهبوطاً عوضاً عن 0.3% كما في السابق. وفي عام 2020، جرى توسيع هذا النطاق إلى حدود 5% مع الاستمرار في ربط الدرهم بسلة عملات تضم اليورو بنسبة 60% والدولار بنسبة 40%. والخطوة المقبلة تقوم على فك الارتباط بالسلة.
إصلاح ليس بالهين
يعني فك ارتباط الدرهم بسلة العملات خضوعها لسياسة العرض والطلب. وقال الجواهري: “في حال قمنا بذلك سنكون مضطرين لتعديل سعر الفائدة الرئيسي مرتين إلى 3 مرات في العام” وزاد قائلاً: “تقنياً نحن مستعدون لهذه المرحلة، لكن الفاعلين الاقتصاديين ليسوا مستعدين وخصوصاً الشركات الصغيرة جداً. هذا ليس إصلاحاً هيناً، لأن قيمة الدرهم المغربي أمام العملات الأجنبية سيتم المساس به، وهذا إصلاح كبير سيكون له تأثير وسيتحمل المركزي مسؤولية كبرى وسيجعل مصداقيته على المحك”.
قد يتخذ المركزي الخطوة المقبلة لإصلاح عملته في عام 2026 بحسب ما كشفه الجواهري في مقابلة مع “بلومبرغ”، حيث ذكر أنه سيتم تقليل ارتباط الدرهم بسلة العملات الحالية التي تضم اليورو والدولار.
التأني بشأن الفائدة
رغم انخفاض التضخم في المغرب لأقل من المستهدف، يُفضل المركزي التأني بشأن سياسته النقدية، ونوه الجواهري في هذا الصدد قائلاً: “هناك استمرار عدم اليقين بسبب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا واستعداد دول عديدة لتنظيم الانتخابات خاصة الولايات المتحدة في نوفمبر”.
كان المركزي خفض سعر الفائدة الرئيسي في يونيو الماضي من 3% إلى 2.75% وفي شهر سبتمبر الماضي أبقى على الفائدة دون تغيير بينما كانت الأسواق تترقب خفضاً جديداً في ظل تباطؤ وتيرة معدل التضخم حيث سجل معدله العام في الشهر الماضي 0.8% على أساس سنوي.
الجواهري، إن قرار الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير الهدف منه السماح بتمرير قرار الخفض إلى السوق، والاطلاع على مضامين مشروع موازنة عام 2025 قيد المناقشة في البرلمان للاطلاع على تصور الحكومة بشأن الاستمرار في دعم المواد الأساسية من عدمها.
تضخم 1.1% عام 2024
في آخر توقعات المركزي حول التضخم، يرتقب أن يسجل معدله السنوي هذا العام 1.3% و2.5% العام المقبل، بعدما بلغت مستويات كبيرة بنحو 6.6% و6.1% خلال العامين الماضيين على التوالي.
يأخذ المركزي المغربي أيضاً بعين الاعتبار في سياسته النقدية استمرار عدم اليقين عالمياً، حيث قال الجواهري: “سنأخذ الوقت الكافي لنرى تطور عدم اليقين هناك عوامل خارجية أيضاً تؤثر علينا، لذلك في اجتماعنا المقبل في شهر ديسمبر سيكون قرارنا مرتكزاً على معطيات محددة”.
يبدو الجواهري متفائلاً بخصوص التحكم في التضخم، موضحاً: “تحليلنا يُفيد بأن أعلى نسبة من التضخم أصبحت من الماضي وبدأنا في مسار تنازلي، وقد ننهي العام بمعدل سنوي يتراوح بين 1.1% إلى 1.3%، وهذه نتيجة للسياسة النقدية وأيضاً لإجراءات الحكومة لجهة توفير العرض الكافي من المواد الأساسية التي كانت تنزل بثقلها على التضخم في السنوات الماضية، إضافة إلى تقديم دعم نقدي شهري للأسر”.
خروج مرتقب للسوق الدولية
قد يُصدر المغرب سندات في السوق المالية الدولية بنهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل بحسب توقع والي بنك المغرب الذي ينص قانون الأساسي على صفته كمستشار مالي للحكومة. ورجح أن يتم هذا الخروج بداية العام مع افتراض بدء انخفاض أسعار الفائدة عالمياً.
كان آخر خروج للمغرب للسوق الدولية العام الماضي حين جمع 2.5 مليار دولار عقب خروج البلاد مباشرةً من “اللائحة الرمادية” لمجموعة العمل المالي.
يرى الجواهري أنه في ظل انخفاض أسعار الفائدة محلياً فإن الأولى أن تتجه الحكومة للاقتراض من السوق المحلية، لأن أسعار الفائدة دولياً بالكاد بدأت في الانخفاض. يمثل الدين المحلي 70% من إجمالي الدين في المملكة، وحصة مهمة منه بسعر فائدة ثابت.
لا نشتري الذهب
لا يستثمر المغرب كثيراً في الذهب فرصيده لم يتحرك من عقود من 22 طناً. ويبرر الجواهري هذا الموقف بأن “المملكة لم تسلك مسار زيادة رصيدها من الذهب كما فعلت عدة دول لأن احتياطياتها النقدية بالكاد تناهز 30 مليار دولار، والدول التي تشتري الذهب مثل الصين لديها رصيد كبير ومهم من العملة الأجنبية بنحو 3400 مليار دولار”.
كما ذكر أن عدداً من البنوك المركزية التي لديها رصيد مهم من الذهب كانت كذلك منذ زمن طويل مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا. منوهاً بأن التعامل بالذهب صعب لأن الأسعار متقلبة والرصيد المتوفر للبلاد من الاحتياطيات غير كافٍ لاستثمار جزء منه في الذهب.
منذ 3 سنوات، تعمل المملكة على إعداد مشاريع قوانين لتنظيم العملة الرقمية للبنك المركزي والأصول المشفرة بدعم تقني من البنك الدولي والنقد الدولي. وأفصح الجواهري في هذا الصدد أن “مسودة مشروع قانون الأصول المشفرة جاهزة وتنتظر مصادقة الحكومة لبدء مسار المناقشة في البرلمان والذي قد يتطلب وقتاً أطول لدراسة التأثيرات الداخلية المرتقبة.
ويراهن المركزي على إصدار عملة رقمية للدرهم حيث يدرس تجارب دول سارت على هذا النهج، ويسعى من خلال هذا المشروع “للمساهمة في دعم الشمول المالي للمواطنين الذين لا يستفيدون من الخدمات البنكية، وخفض النقد المتداول، بحسب الجواهري، موضحاً أننا ربما الدولة الأولى في العالم من حيث تداول الكاش الذي يمثل ذلك 28% من الناتج المحلي. وقد بلغ حجم هذا النقد أكثر من 40 مليار دولار نهاية العام الماضي.