استبعد محللون انخفاض الودائع بالعملة الأجنبية الفترة المقبلة بالتزامن مع خفض البنوك الفائدة على الأوعية الادخارية الدولارية فى ظل الحفاظ على هامش الفائدة مع الفيدرالى واستمرار رغبة العملاء فى التحوط.
وخفض بنكا مصر والأهلى أسعار الفائدة على شهادتهما الدولارية أجل 3 سنوات نحو 0.5% خلال أكتوبر الجارى، وكذلك البنك التجارى الدولى، بعدما خفض الفائدة الأمريكية الشهر الماضى.
وقال ماجد فهمى، رئيس بنك التنمية الصناعية السابق، إن البنوك مازالت تعطى فائدة مرتفعة للأفراد مع الحفاظ على هامش الفائدة مع الفيدرالى الأمريكى بواقع 6.5% للعائد المنصرف كل 3 أشهر، وهو أعلى عائد قد يحصلون عليه.
وبحسب بيانات البنك المركزى ارتفعت مدخرات الأفراد منذ تحرير سعر الصرف نحو 2.5 مليار دولار وجاءت أغلب الزيادة فى الأوعية الادخارية لأجل والمتمثلة فى الشهادات والودائع لأجل، والتى زادت نحو 2.8 مليار دولار، فيما تراجعت الأوعية الادخارية الجارية نحو 300 مليون دولار، وتمثل مدخرات الأفراد نحو 78% من الودائع غير الحكومية بالعملة الأجنبية لدى البنوك.
أضاف أن احتمالية سحب الشركات لودائعها التى نمت بوتيرة متسارعة خلال السنوات الأخيرة مستبعد، فى ظل صعوبة إجراء توسعات خلال الفترة حالية فى ظل مستويات الفائدة المرتفعة وعدم استقرار الأسواق.
أشار إلى أن وتيرة النمو فى ودائع الشركات بالعملة الأجنبية قد تتأثر فى ظل بدء استعادة الشركات للإنتاج تدريجيًا، مع وجود بوادر على تحسن أداء القطاع الخاص والانخفاض المنتظر فى التضخم والفائدة.
وبحسب بيانات البنك المركزى وصلت ودائع الشركات الخاصة بالعملة الأجنبية إلى 17.78 مليار دولار، بينها 8.6 مليار حسابات جارية وتوفير، ونحو 9.2 مليار دولار ودائع وشهادات ادخار لأجل.
يأتى تخفيض البنوك للفائدة على الأوعية الدولارية فى وقت حذر فيه صندوق النقد من أن بعض البنوك الحكومية توسعت فى الإقراض بالدولار خاصة للحكومة دون أن تمتلك ودائع دولارية كافية.
“المركزى”: 105% معدل توظيف القروض للودائع بالعملة الأجنبية فى أكبر 5 بنوك
وبحسب بيانات البنك المركزى فإن معدل توظيف القروض إلى الودائع بالعملة الأجنبية يصل إلى 105% فى أكبر 5 بنوك بنهاية يونيو الماضى، وتقل النسبة لدى أكبر 10 بنوك إلى 93.7%، فيما تسجل على مستوى القطاع المصرفى نحو 85.8%.
وقال فهمى، إن البنوك ستستغل حسابات التوفير والودائع قصيرة الأجل لجذب السيولة الدولارية عبر زيادة العوائد عليها، خاصة أنها منتجات أكثر مرونة فى التسعير ويسهل تغييرها تماشيًا مع المستجدات.
ومنذ طرح البنوك للشهادات الدولارية مرتفعة العائد على الدولار زادت الودائع غير الحكومية بالعملة الأجنبية لأجل من نحو 37 مليار دولار فى نهاية يوليو 2023 إلى 41.3 مليار دولار فى نهاية أغسطس 2024، فيما تراجعت أرصدة الحسابات الجارية والتوفير إلى 13 مليار دولار من نحو 13.4 مليار دولار
ورغم احتياج البنوك لزيادة الودائع بالعملة الأجنبية خاصة مع مقابلتها لالتزامات كبيرة لسداد الديون الخارجية التى توسعت فى اقتراضها خلال السنوات الأخيرة حيث يتعين عليها سداد 13.3 مليار دولار خلال العام المالى 2024/2025 والذى بدأ فى يوليو وينتهى يونيو المقبل.
محللة: مرونة سعر الصرف عنصر حاسم فى تخلى الأفراد والشركات عن تحوطهم عبر الادخار بالدولار
لكن محللة اقصاد كلى فى أحد بنوك الاستثمار قالت، إن جزءًا غير قليل من الودائع بالعملة الأجنبية للأفراد والشركات كان خفضا اضطراريا أو تحوطيا للنفقات.
أضافت أنه مع استعادة الثقة فى الاقتصاد والتأكد أن الأزمة الاقتصادية مرت ستخرج كودائع من البنوك لكنها ستصبح سيولة مُتنازل عنها وبالتالى ستعزز السيولة بالعملة الأجنبية.
وأشارت إلى أن ذلك الجزء ليس قليل وهو ما يمكن استنباطه من الزيادة المتسارعة فى الودائع بالعملة الأجنبية منذ يونيو 2022 مقارنة بالمعدل الطبيعى فى السنوات السابقة.
وظلت الودائع بالعملة الأجنبية غير الحكومية مستقرة فى يونيو 2019 عند 45.7 مليار دولار وهى مستوياتها فى يونيو 2018، قبل أن تنخفض فى يونيو 2020 إلى 42.5 مليار دولار.
وفى يونيو 2021 واصلت الانخفاض إلى 41.4 مليار دولار قبل أن تصل إلى 45.2 مليار دولار فى يونيو 2022.
ومنذ ذلك الحين واصلت الودائع الارتفاع لتصل إلى نحو 49 مليار دولار فى يونيو 2023، قبل أن تسجل 52.1 مليار دولار فى يونيو 2024، لتصل إلى 54.3 مليار دولار فى أغسطس الماضى.
وقالت إن أهم ما يحافظ على استمرار وجود ودائع الأفراد فى البنوك هو ألا يكون هناك سوق موازي توفر عوائد أعلى أو أن تضع البنوك قيودًا على استخدام الدولار فى الحسابات وهو أمر مستبعد فى ظل أن القيود دائمًا ما كان يتم فرضها على السيولة التى تدبرها البنوك من مواردها سواء لبطاقات الائتمان أو الخصم المباشر بالجنيه.
وذكرت أن وضع حدود قصوى للسحب من الحسابات أمر تنظيمى فى نهاية المطاف للحفاظ على مستويات السيولة فى الفروع وليس قيدًا على الاستخدام.
حامد: البنوك ستلجأ لجذب العملاء عبر حسابات التوفير والودائع القصيرة
ويرى المصرفى معتز حامد، أن بعض البنوك كانت تستثمر السيولة لديها فى أدوات الدين الأمريكية أو الودائع بالبنوك الأجنبية، ولكن مع اتجاه خفض الفائدة فى أمريكا وأوروبا، لم تعد العوائد مناسبة للاستمرار فى طرح شهادات طويلة الأجل بأسعار مرتفعة، وأصبح خفض الفائدة عليها ضرورة.
وقال إن سعى البنوك للحفاظ على العملاء سيدفعها لرفع العوائد على المنتجات الادخارية قصيرة الأجل مثل حسابات التوفير، وهى المنتج الأكثر مرونة فى التسعير ويسهل تغييره بالتوازى مع التغيرات المستقبلية المفاجأة، ويليها الودائع قصيرة الأجل لفترة لا تتجاوز شهر مثلًا.
ورفع بنك مصر أسعار الفائدة على الودائع وحسابات التوفير بالدولار الأمريكى بنسبة تتجاوز 0.37% ليتراوح العائد السنوى على الحساب بين 2.60642% و3.00642%، كما رفع البنك أيضاً العائد السنوى على الودائع بالدولار الأمريكى لتصل إلى 3.85642%.
اقرأ أيضا: البنوك تُراهن على حسابات التوفير لجذب العملاء بعد اتجاهها لخفض عوائد الشهادات
ويتيح البنك فتح حسابات التوفير بالدولار بحد أدنى 100 دولار، كحد أدنى للرصيد، ويفرض بنك مصر رسوماً تصل إلى 5 دولارات على فتح الحساب، ونحو 3 دولارات كمصاريف إدارية، وما يعادل 10 جنيهات شهريًا فى حال نزول الرصيد عن الحد الأدنى.
وقال المدير المالى لأحد البنوك الخاصة إن عوائد سندات مصر فى الأسواق الدولية التى كانت وسيلة أساسية لتوظيف الودائع بالعملة الأجنبية تراجعت فى الفترة الأخيرة بالتزامن مع تحسن الأوضاع الاقتصادية والسيولة بالعملة الأجنبية ورفع النظرة المستقبلية للاقتصاد من قبل وكالات التصنيف الائتمانى.
أضاف أنه فى الوقت نفسه تراجع العائد على معظم أصول البنوك بالعملة الأجنبية الأخرى مثل القروض، فى ظل ربطها على الأغلب بسعر العائد الآمن لليلة واحدة على الدولار “SOFR” ما يجعل من الصعب على البنوك تحمل تكلفة مرتفعة.
وأشار إلى أن صافى هامش الفائدة بالعملة الأجنبية لأغلب البنوك سيقع تحت ذلك الضغط لذلك إعادة تسعير الودائع ليس اختياريًا، خاصة أن العائد وتكلفة الأموال على العملة الأجنبية معرضة لمخاطر سعر الصرف لذلك البنوك لن تخاطر بتحمل تكلفة مرتفعة عليها لفترة طويلة.
ولفت إلى أن ما سيحدث الفترة المقبلة مع اتجاه الحكومة لخفض بصمتها فى الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص هو أن معدل اقتراضها بالعملة الأجنبية سينخفض وبالتالى ستعود معدلات القروض للودائع بالعملة الأجنبية لمستوياتها الطبيعية.
وذكر أن البنوك خاصة الحكومية الكبرى قادرة على تجديد التمويلات الخارجية ومعظمها قروض ميسرة بفوائد منخفضة ولن تواجه تحدى كبير طالما أن الموارد الأساسية الدولارية مثل تحويلات للعاملين بالخارج تدخل القطاع الرسمى.