تراجعت توقعات خفض الفائدة على الجنيه فى الربع الأخير من العام الحالى بعد الزيادات الأخيرة فى أسعار الوقود والكهرباء وارتفاع التضخم خلال سبتمبر الماضى.
قال بنك الاستثمار الأمريكى جولدمان ساكس إن الزيادة فى بيانات التضخم لشهر سبتمبر، خاصة فى ظل التوترات الجيوسياسية الإقليمية، لا تتيح فرصة لخفض معدلات الفائدة فى الربع الحالى من العام.
أوضح أن ذلك نظرًا لرؤيتهم حول منهجية لجنة السياسة النقدية التى تعتمد على البيانات وتتسم بالحذر، قائلا إن التضخم من المحتمل أن يبقى بالقرب من مستوياته الحالية حتى نهاية العام، وأن تبدأ دورة الخفض فى الربع الأول من العام المقبل.
وذكر البنك فى تقرير له أنه فى غياب ضغوط مستمرة على أسعار الأغذية، من المتوقع أن يحدث انخفاض فى معدل التضخم الأساسى بنحو 10% فى فبراير، مدفوعًا بتأثيرات الأساس.
وتوقع أن يستمر التضخم فى التراجع تدريجيًا ليصل إلى نحو 10% بحلول نهاية عام 2025، ما يؤدى لتراجع الفائدة إلى نحو 13% بنهاية العام المقبل من 27.25% حاليًا.
“فيتش سوليوشنز” تتوقع خفض الفائدة 9% فى 2025 بدلًا من 12% سابقًا
وقالت شركة “فيتش سوليوشنز” للأبحاث التابعة لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتمانى إنها عدلت توقعاتها إلى الإبقاء على الفائدة حتى نهاية الربع الحالى، وذكرت أن ذلك نتيجة الزيادة المعتدلة فى التضخم وعدم اليقين الناجم عن التوترات الجيوسياسية.
وتوقعت أن يرتفع التضخم ليصل إلى نحو 28% على أساس سنوى فى أكتوبر ويظل مرتفعًا حتى يناير 2024 بسبب زيادات أسعار الوقود والكهرباء.
ورجحت أن يؤدى تأثير سنة الأساس إلى خفض التضخم إلى نحو 16% على أساس سنوى بحلول فبراير 2025، لكنها أشارت إلى أنه سيبقى أعلى من النطاق المستهدف للبنك المركزى المصرى بين 5 و9%.
وراجعت الشركة توقعاتها لخفض سعر الفائدة خلال العام المقبل ليصبح مقدار الخفض 9% فقط بدلًا من 12% كانت تتوقعها قبل ذلك، فى ظل ترجيحها أن يشهد الربع الثانى من 2025 ارتفاعًا فى التضخم يصعب معه خفض الفائدة.
اقرأ أيضا: لماذا قرر البنك المركزى المصرى تثبيت أسعار الفائدة؟
ومن المقرر أن تنعقد لجنة تسعير المواد البترولية فى الربع الثانى من العام المقبل لبحث مصير أسعار المواد البترولية، ما لم تتوصل الحكومة إلى تعديل فى بنود برنامجها مع صندوق النقد.
لكن “فيتش سوليوشنز” أشارت إلى أن أولويات النمو الاقتصادى وجذب الاستثمارات الأجنبية قد تؤدى إلى تخفيضات أكبر فى أسعار الفائدة.
وقالت إن بيان البنك المركزى الأخير بشأن السياسة النقدية أكد فيه على تبنيه سياسة نقدية صارمة “حتى يتحقق انخفاض ملحوظ ومستدام فى التضخم”، كما حذف “المركزى” من البيان جملة أن قرارات السياسة النقدية قائمة على التوقعات وليس المعدلات السائدة ما يشير إلى أنه لن يبدأ خفض الفائدة قبل تراجع التضخم دون 20% فى فبراير المقبل.
واستمر التضخم فى الارتفاع فى قراءة سبتمبر عند 26% بدلًا من 25.6% فى أغسطس، وتوقع المُحللون استمرار ارتفاع التضخم خلال الشهر المقبل تأثرًا بزيادة أسعار البنزين والسولار خلال أكتوبر الجارى.
حمدى: “المركزى” سيركز على بناء الاحتياطيات قبل تحفيز الاستهلاك
وقال هشام حمدي، نائب رئيس قسم البحوث بشركة النعيم القابضة، إن خفض أسعار الفائدة سيكون مشروطًا بعدة عوامل، بينها استقرار الأوضاع الجيوسياسية فى المنطقة، خاصة أنها تضر بسلاسل الإمداد العالمية لكثير من السلع الاستراتيجية مثل الغاز الطبيعى والبترول، وسيؤدى ارتفاع سعره إلى ارتفاع معدلات التضخم فى مصر، الأمر الذى قد يطيل بقاء مستوى الفائدة الحالى.
وأضاف أن تحسين تصنيف مصر الائتمانى أحد العوامل الداعمة لخفض المركزى لأسعار الفائدة، إذ يضمن بقاء الأموال الساخنة فى السوق المحلى.
واستبعد حمدى خفض المركزى لمعدلات الفائدة خلال الثلاثة أشهر المقبلة، خشية من الخروج الصادم للأموال الساخنة من السوق المحلى حتى لا يتأثر سعر الصرف سلبًا، مشيرًا إلى أن مصر بحاجة لزيادة الاحتياطيات الأجنبية قبل أن تحفز الاستهلاك.
ورغم استمرار نمو الاحتياطيات الأجنبية لمصر منذ أغسطس 2023 وتسارعها بداية من مارس الماضى لكن مع التوترات الجيوسياسية ومخاوف الركود العالمى تعرضت الأصول الأجنبية للبنوك التجارية لضغوط أدت لتحول الفائض إلى عجز فى أغسطس الماضى.
وذكر حمدى أن إجمالى قيمة أذون الخزانة المستحقة فى مارس المقبل تتجاوز 433.3 مليار جنيه، وهو ما يعزز الحاجة للسيولة الأجنبية فى الدين.
وتحتاج مصر لنمو قوى لتحقيق مستهدفات خفض الدين للناتج المحلى، وتستهدف الحكومة نمو الناتج المحلى 4% خلال العام المالى الحالى فيما يتوقع صندوق النقد أن ينمو 4.1%، وكان البنك الدولى قد خفض توقعات نمو الاقتصاد إلى 3.5%.
لكن حمدى يرى أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال تكرار صفقات جديدة مثل رأس الحكمة، وتحويل السعودية ودائعها لدى المركزى المصرى لاستثمارات.
وتابع: “تلك الخطوات الإيجابية تضمن بدائل آمنة لتوفير العملة الأجنبية فى حال حدث خروج مفاجئ للأموال الساخنة”.
الألفى: خفض الفائدة سيبدأ خلال الربع الأول من العام المقبل
وتوقع عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم فى شركة ثاندر لتداول الأوراق المالية، أن خفض الفائدة قد يبدأ فى الربع الأول من 2025.
وأضاف أنه تأثير استمرار سعر الفائدة المرتفع لفترة طويلة سيكون سلبيًا على الموازنة العامة وسيعمق العجز الكلى، لكنه يرى أن القطاعات الاقتصادية تأقلمت على الوضع الحالى.
شفيع: الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية خلال الاجتماعين المقبلين
وتوقع مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية خلال الاجتماعين المقبلين للجنة السياسات النقدية، ملمحاََ إلى احتمال ضئيل زيادة أسعار الفائدة بداية العام المقبل.
وأوضح شفيع أن تخفيض الفائدة يحتاج إلى رؤية واضحة والتى ستحدث خلال الربع الثانى للعام المقبل، فى ظل ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات المنعكسة سلبًا على التضخم، وهى متطلبات أساسية برنامج الإصلاح الاقتصادى بالتنسيق مع صندوق النقد الدولى.
وأوضح أن أبرز القطاعات المستفيدة من الفائدة المرتفعة هو القطاع المصرفى بسبب شهية المستثمرين والأفراد فى زيادة الودائع لدى البنوك، واستثمار البنوك فى أدوات الدين الحكومية مرتفعة العائد ومنعدمة المخاطر.
وأشار إلى استمرار أسعار الفائدة سيؤدى إلى زيادة خدمة الدين، حيث يكلف كل 1% من ارتفاع الفائدة زيادة قدرها 60 مليار جنيه على الحكومة، وهو يعد أمراً مرهقاً للموازنة العامة للدولة.
وأوضح أن القطاعات المرتبطة بالصناعة والاستثمار هى أبرز القطاعات المتضررة من استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، حيث تعتمد على القروض لتمويل مشروعاتها.
توقع بنك بى إن بى باريبا الفرنسى أن ينخفض التضخم فى مصر بشكل كبير على المدى القصير، بفضل تأثير سنة الأساس الإيجابية، وتباطؤ نمو المعروض النقدي.
وقدّر فى تقرير حديث له أن يصل التضخم إلى 12.1% على أساس سنوى فى مارس 2025، مشيرًا إلى تباطؤ نمو المعروض النقدى إلى 18% بعد استبعاد أثر تغير سعر الصرف، مقارنة مع 30% فى المتوسط خلال 2023، موضحا أن ذلك يدعم توقعات الاتجاه النزولى فى الضغوط التضخمية.
وذكر أنه فى الاقتصادات الناشئة الكبرى، يتباطأ معدل التضخم، وقد بدأت دورة التيسير النقدى منذ أكثر من عام، لكن مصر تمثل استثناءً لهذا الاتجاه بسبب أزمة حادة فى ميزان المدفوعات أثرت على اقتصادها حتى أوائل عام 2024.
وأشار إلى أن التضخم بدأ فى التراجع بداية من الربع الثانى من 2024، بدعم من تراجع تضخم الغذاء واستقرار سعر الصرف والإفراج عن البضائع المتراكمة فى الموانئ، ما أدى لزيادة المعروض.
وأضاف: “لكن البنك المركزى قرر إبقاء أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير فى اجتماع لجنة السياسة النقدية الأخير، وذلك يرجع لعدة أسباب، منها أن انخفاض التضخم لم يدم”.
وأشار إلى أن الضغوط التضخمية تتلاشى لكن ببطء، حيث ارتفع المؤشر العام مرة أخرى بشكل طفيف فى سبتمبر، حيث أدى البرنامج المدعوم ماليًا من صندوق النقد إلى ارتفاع أسعار الكهرباء بشكل كبير بنحو 30% فى المتوسط، وكذلك أسعار الوقود.
وقال إنه بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التصاعد الملحوظ فى التوترات الجيوسياسية فى المنطقة أحد الحجج التى قدمها البنك المركزى المصري، حيث تشكل هذه التوترات خطرًا كبيرًا على أسعار السلع، لاسيما أسعار النفط، خاصة مع اتجاه ميزان الطاقة فى مصر نحو المزيد من العجز.