“مصر الجديدة” و”سيدى كرير” أصحاب التوجه الأكبر بقفزة قوية
“الكاش هو الملك”.. مقولة مأثورة يتداولها المستثمرون فى قطاع الأعمال لتأكيد أهمية السيولة النقدية لدورة الأعمال وضمان استمرار النشاط التجارى، والبعض يرى أنها تعكس إيمان رواد الأعمال الراسخ بأن السيولة أهم من غيرها من أشكال الأدوات الاستثمارية.
اتجهت الشركات مؤخرًا للاحتفاظ بمزيد من السيولة النقدية لديها، ويتزايد هذا التوجه فى ظل الأوضاع الاقتصادية التى عادة ما تتسم بعدم اليقين.
وأجرت جريدة “البورصة” مسحًا على قوائم الشركات المكونة للمؤشر الرئيسى للبورصة المصرية باعتبارها أكبر الشركات المدرجة، ما أظهر ارتفاعًا قياسيًا فى الاحتفاظ بالسيولة النقدية يتجاوز الـ5 مرات فى بعض الشركات.
وتتباين أهداف الشركات من هذه الاحتياطيات النقدية، ففى حين يرمى الكثير من الشركات إلى تأمين سيولة تحفظ لها مصروفاتها المستقبلية القريبة، يهدف البعض الآخر إلى تأمين مبلغ يتيح لها اقتناص الفرص الاستثمارية بشكل سريع حال توفرها دون اللجوء إلى تسييل موجوداتها، وهى العملية التى تستغرق وقتاً طويلاً وتكلفة إضافية، خاصة مع ارتفاع معدلات الفائدة مما يصعب من عملية الاقتراض البنكى مع ارتفاع تكلفته، حيث وصلت معدلات الفائدة على الإيداع والإقراض نحو 27.25% و28.25% على التوالى.
كما تقوم هذه السيولة مقام الأصول لبعض الشركات، خاصة الشركات ذات الأصول الملموسة المنخفضة مثل الشركات التقنية والشركات المعتمدة على الأصول غير الملموسة مثل العلامات التجارية.
عبدالحكيم: احتفاظ الشركات بـ”الكاش” أمر طبيعى مع التحديات الاقتصادية
وقال محمد عبدالحكيم، رئيس قسم البحوث بشركة أسطول لتداول الأوراق المالية، إن احتفاظ الشركات بمعدلات سيولة مرتفعة أمر طبيعى بسبب التحديات الاقتصادية التى ظهرت خلال العامين الماضيين من ارتفاع أسعار الفائدة وتزايد وتيرة التضخم.
تشير التوقعات الآن إلى أن معدلات الفائدة فى مصر ستظل عند مستوياتها المرتفعة الحالية حتى العام المقبل.
وقال عبدالحكيم، إن استخدامات السيولة عادة ما توجه لتوسعات استثمارية أو تغطية تكاليف تشغيلية والتى ارتفعت بدورها مع زيادة معدلات التضخم، مما يعنى احتياج أكبر للسيولة، موضحًا أن الشركات تضع فى اعتبارها التوترات فى المنطقة.
وفى مارس الماضى، رفع البنك المركزى المصرى خلال اجتماع استثنائى، أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس، بهدف كبح جماح التضخم.
ووفقًا للمسح فإن مجموعة “إى إف جى القابضة” هى الأعلى فى حجم السيولة بين الشركات محل المسح بقيمة ناهزت 29.65 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من العام الجارى، مقارنة بنحو 15.23 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من العام السابق، بنمو 95%.
“إى إف جى” تحتفظ بـ29 مليار جنيه و”السويدى” وصيفًا بنحو 27 مليار
فى حين سجلت شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير أعلى نسبة نمو فى السيولة النقدية والتى قدرت بنحو 2359%، لتصل إلى 6.64 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من العام الجارى، مقابل 0.27 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من العام الماضى.
وتعد أحد أسباب احتفاظ الشركات بالسيولة المرتفعة، هى الحماية ضد مخاطر التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، والتى قد تدفع بعض الشركات للبحث عن مصادر تمويل لاستيراد المواد الخام بسعر مرتفع، أو التوجه لاقتناص أى فرص تراجع فى أسعار بعض احتياجاتهم.
وحددت “فاستر كابيتال”، فى تقرير لها، 3 محاور هامة يجب على الشركات مراعاتها فى عملية إدارة السيولة لديها، أولها: «تحمل المخاطر» حيث يجب على الأفراد والشركات تقييم مدى تحملهم للمخاطر عند تحديد المستوى المطلوب من السيولة.
وأضافت أن العنصر الثانى هو “تكلفة السيولة”، خاصة أن الحفاظ على مستويات عالية من السيولة يمثل تكلفة، لأنه قد يؤدى إلى انخفاض العائدات على الاستثمارات، ومن الضرورى تحقيق التوازن بين السيولة وتكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالنقد الخامل.
وأكدت على أهمية العنصر الثالث المتمثل فى «العوامل الخارجية»، التى تشمل تأثير الظروف الاقتصادية وديناميكيات الصناعة والمتطلبات التنظيمية بشكل كبير على السيولة، مؤكدة أنه يجب على الشركات النظر فى هذه العوامل الخارجية عند صياغة استراتيجيات إدارة السيولة الخاصة بهم.
وتحتفظ شركة إعمار مصر للتنمية بحجم السيولة الأكبر بين الشركات العقارية المدرجة فى البورصة والتى تقدر بنحو 20 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من العام الجارى، مقابل نحو 9.3 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من العام الماضي، بنمو يتجاوز 114%.
شفيع: الشركات تضع فى اعتبارها التوترات الجيوسياسية بالمنطقة
قال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، إنه فى ظل التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، فإن الاستثمار يعتبر أكثر وسائل استخدام السيولة خطورة لذلك فإن الشركات تتجه للاحتفاظ بالسيولة وشراء أذون الخزانة ذات العائد الكبير والذى يصل إلى نحو 30% لأنها الأكثر أمانًا فى الوقت الحالى.
وأضاف شفيع، أن عمليات الدمج والاستحواذ تعتبر قليلة نسبيًا مقارنة بما كانت عليه فى الماضى وإن حدثت تكون عن طريق تبادل الأسهم حفاظًا على السيولة المتاحة لدى الشركات، مما يعنى تقنين استخدام السيولة حتى فى اقتناص الفرص الاستثمارية.
وأوضح أن عدم استقرار سعر الصرف أيضاً من عوامل احتفاظ الشركات بالسيولة وخصوصاً الشركات المستوردة للمواد الخام تحسباً لأى زيادة فى أسعار المواد الخام اللازمة للصناعة.
ويعد أبرز أسباب احتفاظ الشركات بالسيولة النقدية المرتفعة تقليل المخاطر عن طريق مواجهة أى تقلبات فى السوق، أو أزمات اقتصادية قد تؤثر سلبًا على إيراداتها، مما يشكل حاجزاً أمام الحاجة للاقتراض أو بيع أصول غير سائلة فى أوقات ضيقة، بالإضافة إلى تعزيز الثقة لدى المستثمرين بأن الشركة قادرة على الحفاظ على استقرارها المالى خلال الأوقات الصعبة.
وارتفعت السيولة النقدية بشركة أبوقير للأسمدة خلال النصف الماضى بنحو 35% لتصل إلى 22.36 مليار جنيه، مقارنة بـ 16.54 مليار جنيه بنهاية نفس الفترة من العام الماضى.
واحتفظت شركة موبكو بسيولة نقدية بلغت 11.12 مليار جنيه بنهاية يونيو الماضى، مقارنة بـ7.16 مليار جنيه نهاية يونيو 2023، بنسبة نمو 55%.
محمد: عدم توافر الفرص الاستثمارية الدافع وراء تراكم السيولة
وقال عبدالخالق محمد، محلل استراتيجى بشركة ثاندر لتداول الأوراق المالية، إن غالبية الشركات تتوجه نحو النمو بدلًا من توزيع الأرباح، مما يدفعها للاحتفاظ بسيولة لتوجيهها لاقتناص الفرص الاستثمارية الموجودة فى السوق، خاصة أن الفرص تتزايد فى الأوقات الراهنة.
أضاف محمد، أن المشكلة الرئيسية لعدم استخدم هذه السيولة عدم توافر فرصة استثمارية تؤكد على تحقيق عائد أعلى من العائد على أذون الخزانة والذى يتخطى 25% بالإضافة إلى كونه منعدم المخاطر.
أوضح أن الشركات تتجه نحو الاستثمار فى أذون الخزانة واستغلالها لتحقيق عائد أعلى لحين توافر فرصة قوية، أو تراجع معدلات الفائدة والتى بدورها ستعزز من ضخ الاستثمارات فى مكانها الصحيح.
وقال إن البديل الثانى هو توزيع الأرباح على المساهمين، وبالفعل وزعت بعض الشركات أرباحًا مرتفعة لتقليل هذه السيولة، وتعد أبرزها شركة أبو قير للأسمدة والتى وزعت كوبون بحوالى 7.5 جنيه بعائد 11% على الأسهم.
أضاف أن هناك شركات بدأت الاحتفاظ بجزء من النقدية لديها بالعملات الأجنبية، بدلًا من الاعتماد على البنوك كمصادر لتوفير العملة، بعد أن شهدت الشركات صعوبة فى توفير المواد الخام وسداد الالتزامات الدولارية وقت أزمة توافر السيوبة الدولارية.
وزادت شركة أوراسكوم كونستراكشن من سيولتها حيث تحتفظ بنحو 670 مليون دولار بنهاية الستة أشهر الأولى من العام الجارى، مقابل 431 مليون دولار خلال الفترة المقارنة، بنمو نسبته 56%، فى حين تراجع حجم السيولة الدولارية فى الشركة القابضة المصرية الكويتية بنحو 10% خلال نفس الفترة لتسجل 190 مليون دولار، مقابل 230 مليون دولار خلال فترة المقارنة.
حسنى: ارتفاع السيولة فرصة للشركات العقارية مع انخفاض الفائدة
وقال محمد حسنى، محلل مالى بشركة القاهرة كابيتال للاستثمارات المالية، إن الشركات التى لديها معاملات دولارية تحاول تحقيق التوازن فى النقدية لديها وتوفير العملة الأجنبية للاستفادة من فروق سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
أضاف أن بعض الشركات الأخرى تحتفظ بجزء كبير من السيولة نتيجة لحجم ديونها وخاصة قصيرة الأجل، مما يدفعها للاحتفاظ بجزء كبير لخدمة هذا الدين، كما استفادت بعض الشركات من رصيدها النقدى عن طريق الاستثمار فى أدوات الدخل الثابت وخاصة قصيرة الأجل كأذون الخزانة، والتى مكنتها من تحقيق عائد مرتفع.
وتوقع أن يساهم توجه البنك المركزى لخفض الفائدة فى دعم نمو بعض القطاعات وخاصة قطاعى العقارات والإنشاءات، حيث أن خفض الفائدة سيتيح للشركات الحصول على تمويلات بنكية لضخها فى المشاريع المختلفة.
ومن بين 21 شركة تم إجراء المسح عليها، شهدت شركتى حديد عز والمصرية للاتصالات تراجعًا فى أحجام السيولة المحتفظ بها خلال النصف الأول من العام الجارى.
كتب- محمود معتز ومنة هانى