سجلت الميزانية السعودية عجزاً للفصل الثامن على التوالي، حيث أظهرت بيانات وزارة المالية الصادرة اليوم بلوغ العجز للربع الثالث من العام 30.2 مليار ريال، بما يناهز صعف عجز الربع السابق، وسط تراجع الإيرادات النفطية وغير النفطية.
وفقاً للبيان التمهيدي لميزانية عام 2025، الصادر في 30 سبتمبر، توقعت حكومة المملكة تحقيق عجز عند 118 مليار ريال هذا العام. ومع انقضاء ثلاثة أرباع فإن العجز التراكمي حتى الآن لم يتجاوز نصف هذا المبلغ، ما قد يترك هامشاً لتقليص مستوى العجز المستهدف، إن لم يكن هنك توجهاً لتوسيع هامش الإنفاق.
وزير المالية محمد الجدعان وصف، بمقابلة مع “الاقتصادية” في مايو، عجز الميزانية بأنه “مقصود وبنسب مستدامة ولأهداف تنموية اقتصادية، وليس عجزاً إجبارياً كما هو الحال لدى بعض الدول التي تضطر للاستدانة لتلبية نفقات أساسية قد لا تكون منتجة”.
كانت ميزانية المملكة سجلت في الربع الثاني من العام عجزاً تجاوز 15 مليار ريال، رغم تحقيق إيرادات غير نفطية هي الأعلى منذ الربع الأخير لعام انتشار جائحة كورونا.
في أحدث تقديراتها الصادرة مطلع أكتوبر، توقعت وزارة المالية عجزاً أعمق في ميزانية العام الحالي بواقع 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى بنقطة مئوية عن تقديرات البيان التمهيدي لميزانية 2024. ويعود اتساع العجز بشكلٍ أساسي إلى زيادة كبيرة في الانفاق الاستثماري على المشاريع العملاقة التي تشهدها البلاد، وسط تراجع أسعار النفط بنحو الخُمس منذ بداية السنة، بموازاة خفض المملكة لإنتاجها من الخام إلى 9 ملايين برميل يومياً.
الإيرادات النفطية غير النفطية
شكّلت الإيرادات غير النفطية علامة فارقة مجدداً في أرقام ميزانية الربع الثالث، حيث بلغت 118.3 مليار ريال، بنمو 6% على أساس سنوي. لكنها كانت أقل بنحو 16% مقارنةً بالربع الثاني من هذا العام حين سجلت أعلى مستوى منذ نهاية 2020.
تركز حكومة المملكة على محورين استراتيجيين بما ينعكس بشكلٍ أساسي على ميزانياتها للأعوام المقبلة، ربما حتى نهاية العقد مع وصول “رؤية 2030” إلى خواتيمها. يتمثل الأول بنمو الاقتصاد غير النفطي وانعكاسه على الإيرادات غير النفطية، حيث أعلن الجدعان في “مبادرة مستقبل الاستثمار” العام الماضي أن بلاده لم تعد تركز على أرقام الناتج المحلي بل على تطور القطاع غير النفطي.
والمحور الثاني يتمثل في الإنفاق الاستراتيجي على برامج “رؤية 2030″، وهو ما أوضحه وزير المالية، عند الإفصاح عن البيان التمهيدي لميزانية العام المقبل، بتأكيده أن الحكومة ستواصل الإنفاق على المشاريع الكبرى ذات العائد الاقتصادي المستدام، إضافةً إلى زيادة الصرف على البنية التحتية والخدمات العامة.
بلغ الإنفاق الرأسمالي في ميزانية الفصل الثالث، الصادرة اليوم، 48.1 مليار ريال، بنمو 17% عن الفترة المماثلة من العام الماضي.
رغم التطورات على هاتين الضفتين، يبقى النفط عموداً فقرياً بميزانية أكبر بلد مُصدِّر للخام في العالم. سجلت الإيرادات النفطية بميزانية الربع الثالث 190.8 مليار ريال، بنمو 30% على أساس سنوي. لكنها كانت أقل بنسبة 10% عن الربع الثاني من 2024.
ويرى صالح السلطان، كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقاً، أن الايرادات النفطية زادت على أساس سنوي بفعل زيادة توزيعات أرباح أرامكو.
وفق البيانات التمهيدية لميزانية السعودية، كان يُنتظر تأثر الإيرادات النفطية، بفعل تراجع أسعار النفط، وتمديد كبار اللاعبين في “أوبك+” تخفيضاتهم الطوعية الإضافية للإنتاج البالغة 2.2 مليون برميل يومياً لمدة شهر حتى نهاية ديسمبر المقبل.