منذ أن أعلن وزير الخزانة الأمريكى جون كونالى فى عام 1971 عبارته الشهيرة بأن الدولار هو «عملتنا، لكنه مشكلتكم»، والاقتصاد العالمى يشهد تغيرات كبرى، لكن حقيقة تأثير الدولار الأمريكى لم تتغير.
فتقلبات قيمة الدولار، التى تحددها فى الغالب التطورات الاقتصادية داخل أمريكا، تواصل إحداث تأثيرات كبيرة على بقية أنحاء العالم.
السياسات الاقتصادية التى أعلن عنها الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب تشير إلى احتمال ارتفاع حاد فى قيمة الدولار، ما قد يُشكل تحدياً للنمو الاقتصادى العالمى، وفقاً لما نقلته مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.
لا تزال تفاصيل أجندة ترامب الاقتصادية غير واضحة، لكن الحركة القوية فى أسواق الأسهم الأمريكية تعكس توقعات المستثمرين.
فقد شهد مؤشر «إس آند بى 500» ارتفاعات قياسية فى أيام متتالية، فى ظل توقعات بأن تسهم إدارة ترامب المرتقبة فى زيادة أرباح الشركات عبر تخفيض الضرائب وتخفيف القيود التنظيمية، إلى جانب ارتفاع الاقتراض الحكومى.
كما أن ارتفاع العجز المالى والتضخم المتوقع قد يدفع الاحتياطى الفيدرالى للإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة، ما يجعل السندات الأمريكية أكثر جاذبية، وبالتالى يدعم قوة الدولار.
فى 7 نوفمبر الجارى، خفض الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية لتتراوح بين 4.5% و4.75%.
ورغم ذلك، أشار رئيس الفيدرالى، جيروم باول، إلى احتمال تثبيت أسعار الفائدة فى الاجتماع القادم بدلاً من خفضها مرة أخرى.
فى سياق ذلك، ارتفع الدولار بنسبة 1.5% مقابل سلة من العملات العالمية خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ارتفاع يعكس توقعات الأسواق بتشديد السياسة النقدية.
يرتبط صعود الدولار عادة بتدهور التوقعات الاقتصادية العالمية، حيث يتجه المستثمرون خلال فترات الأزمات إلى الأصول الآمنة مثل الدولار وسندات الخزانة الأمريكية.
لكن الدولار القوى، رغم جاذبيته، يحمل آثاراً سلبية، لا سيما على الاقتصادات الناشئة، ووفقاً لدراسة لصندوق النقد الدولى فى عام 2023، فإن ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 10% يقلص الناتج المحلى الإجمالى فى الدول الناشئة بنسبة 1.9% وفى الدول المتقدمة بنسبة 0.6%.
أكثر من 40% من التجارة العالمية يتم بالدولار، حتى وإن لم تشمل أمريكا، ما يعنى أن ارتفاع قيمة العملة يزيد من تكاليف الاستيراد ويضعف الطلب على السلع الأجنبية.
وأكدت دراسة أكاديمية نشرت فى عام 2020 أن ارتفاع الدولار بنسبة 1% مقابل جميع العملات يؤدى إلى انخفاض التجارة بين الدول الأخرى بنسبة 0.6%، ما يهدد استقرار سلاسل الإمداد.
ويشير بنك التسويات الدولية إلى أن الدولار القوى يزيد أيضاً من تكاليف المشترين للسلع الوسيطة، ما يخلق خطراً يهدد بانهيار سلاسل التوريد الطويلة.
إلى جانب تأثيرات التجارة، فإن التأثيرات المالية للعملة الأمريكية القوية لا تقل أهمية.
أما فى القطاع المالى، فإن الدول والشركات التى تقترض بالدولار دون وجود مصادر إيرادات بالعملة نفسها تواجه تضخماً فى ديونها وارتفاعاً فى تكاليف الفائدة.
كما تؤدى معدلات الفائدة المرتفعة فى أمريكا إلى جذب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، ما يضع ضغطاً إضافياً على اقتصاداتها.
وعادةً ما تتدفق رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، ما يجبرها على رفع أسعار الفائدة أيضاً، ما يشدد السياسة النقدية فى وقت قد تعانى فيه اقتصاداتها بالفعل من تباطؤ عام فى التجارة.
لا يزال غير واضح ما إذا كان الدولار القوى سيستمر أم لا.
فقد أعرب دونالد ترامب مراراً عن استيائه من أن الدولار القوى يضر بالمصنعين المحليين ويكلف الأمريكيين وظائف، لكنه لا يستطيع إجبار البنك المركزى على خفض الفائدة بسهولة.
وفى ظل استمرار السياسات النقدية الحالية، سيظل الدولار الأمريكى ملاذاً آمناً للمستثمرين، لكنه سيبقى أيضاً مصدر قلق كبيراً للاقتصاد العالمى.