الاستثمارات الأجنبية ستغطى الجزء الأكبر من احتياجات مصر من العملة الأجنبية
توقعت شركة الأبحاث “فيتش سوليوشنز”، أن يتقلص عجز الحساب الجاري لمصر من 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية الماضية إلى 4.8% فى السنة المالية الحالية، مدفوعًا بتعافٍ كبير في تحويلات المصريين العاملين بالخارج.
وقالت إن هذا التحسن سيخفي خلفه اتساع العجز التجاري وتراجع إيرادات قناة السويس، لكنها قدرت أنه في السنة المالية 2025-2026 سيتقلص العجز بشكل أكبر إلى 3.8% بسبب تعافي إيرادات القناة، بما يتماشى مع رؤيتهم بأن النزاعات في منطقة المشرق وتعطل الملاحة في البحر الأحمر سيتم حلهما بحلول ذلك الوقت.
أوضحت أن استمرار نمو تحويلات المصريين بالخارج فى العام المالى المقبل سيسهم فى خفض عجز الحساب الجارى، وإن كانت زيادة التحويلات ستكون أكثر تواضعًا مقارنة بالسنة المالية 2024-2025.
وقالت إنه على مدار العامين المقبلين، سيكون على مصر سداد نحو 15 مليار دولار سنويًا من الديون، والتي سيتم سدادها من خلال مزيج من إصدارات الديون والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
15 مليار دولار سنويًا على مصر سدادها خلال العامين الماليين الحالى والمقبل
وقالت إنه مع ذلك، تظل المخاطر المتعلقة بتوقعاتهم منحازة نحو اتساع عجز الحساب الجاري إذا لم تشهد الصادرات غير النفطية النمو المتوقع أو إذا ارتفعت فاتورة الواردات بمعدل أسرع.
وقال إن انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد يؤدي إلى تقليص الاحتياطيات الأجنبية، خاصة وأن الاستثمار في المحافظ المالية، الذي يمثل حوالي 80% من الاحتياطيات، لايزال مصدر غير موثوق للتمويل.
وقالت إن انخفاض العجز العام المالى الحالى مدعوم بترجيحها وصول تحويلات المصريين بالخارج إلى 28.7 مليار دولار من نحو 21.9 مليار دولار العام المالى الماضى.
وأشارت إلى أن التحويلات حيث ارتفعت من 5 مليارات دولار في الربع الثالث من السنة المالية 2023-2024 إلى 7.5 مليار دولار في الربع الرابع من نفس السنة، وهو أعلى مستوى منذ الربع الرابع من السنة المالية 2021-2022.
وتوقعت أن تستمر تدفقات التحويلات في الارتفاع، خاصة وأن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، التي تستضيف جزءًا كبيرًا من المصريين، ستشهد انتعاشًا في النمو من 1.4% في عام 2024 إلى 4.2% في عام 2025.
وفي الوقت نفسه، توقعت أن يتسع العجز في الميزان التجاري السلعي بشكل طفيف من 39.6 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2023-2024 إلى 40.2 مليار دولار في السنة المالية الحالية.
مصر تراهن على الاستثمارات الأجنبية لتمويل “البنية التحتية”
وقالت إن الصادرات غير النفطية ستسفيد من مكاسب التنافسية وتعافي قطاع التصنيع بعد عدة أرباع من الانكماش، وأشارت إلى أن بيانات ميزان المدفوعات للربع الرابع من السنة المالية 2023-2024 أظهرت بالفعل ارتفاعًا في الصادرات نتيجة زيادة الصادرات غير النفطية.
وقالت إن ارتفاع الواردات سيحد من الأثر الإيجابى لانتعاش التصدير، فى ظل ارتفاع الواردات البترولية فى ظل الإنتاج المنخفض وأيضًا الزيادة المتوقعة فى الواردات غير البترولية بعد إزالة القيود.
لكنها أشارت إلى أن الزيادة فى الواردات ستكون محدودة فى ظل أن انخفاض أسعار الطاقة وضعف الطلب المحلي سيحدان من ارتفاع الواردات إلى 5% فقط فى حين من المتوقع أن تنمو الصادرات 9%.
ورجحت “فيتش سوليوشنز” أن يتقلص الفائض في الميزان التجاري الخدمي من 14.3 مليار دولار في السنة المالية 2023-2024 إلى 12.6 مليار دولار في السنة المالية 2024-2025، فى ظل فقدان نحو 500 مليون دولار شهريًا من إيرادات قناة السويس، حيث بلغت إيرادات النصف الثاني من السنة المالية 2023-2024 حوالي 1.8 مليار دولار أمريكي، بانخفاض عن 4.8 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من نفس السنة.
وتوقعت استمرار هذا الاتجاه خلال معظم السنة المالية 2024-2025، مما يؤدي إلى انخفاض سنوي بنسبة 40% في إيرادات قناة السويس إلى 4 مليارات دولار في السنة المالية 2024-2025.
الحكومة اتخذت تدابير لتسريع إجراءات التراخيص وتسهيل الحصول على الرخصة الذهبية
وقالت إنه بالنسبة لقطاع السياحة، فقد أثبت مرونته على الرغم من قرب مصر من النزاع في غزة. استمرت عائدات السياحة بنفس النمط وتوقعت أن يواصل القطاع التوسع خلال بقية عام 2024 وفي عام 2025.
وتوقعت أن يغطي الاستثمار الأجنبي المباشر الجزء الأكبر من احتياجات التمويل الخارجي، بما في ذلك من خلال تنفيذ تعهدات الاستثمار من السعودية بقيمة 5 مليارات دولار، وبيع أصول مملوكة للدولة للمستثمرين الاستراتيجيين، وإتمام صفقات مشابهة لصفقة رأس الحكمة.
وقالت إن مصر ستواصل بذل جهودها لتوسيع دور الشركات الأجنبية في قطاع البناء والتشييد بهدف تعزيز تطوير البنية التحتية والمناطق الحضرية، كجزء من خططها لتحقيق نمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص، في سياق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ولكنها ذكرت أنه قد يؤدي احتمال إعادة التفاوض بشأن هذا الاتفاق إلى تأخير برنامج الخصخصة الحكومي، مما سيطيل فترة تقليص دور الدولة في الاقتصاد، بما يشمل قطاع البناء، وعلى الرغم من أن الخصخصة تهدف إلى تعزيز الاستثمار الخاص، إلا أنه من غير المرجح أن تُقلص بشكل كبير دور الجهات السيادية في هذا القطاع.
وتواجه مصر العديد من التحديات، وتسعى الحكومة لزيادة الاستثمارات الأجنبية لدعم مشروعات البنية التحتية الكبيرة، خاصةً مع ضرورة تقليص الإنفاق العام عليها، وهو ما يتطلبه الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وذكرت أنها إذا نجحت هذه الجهود، فقد تُفتح الأبواب أمام تمويل إضافي من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الدولي. وتهدف مصر إلى رفع حصة الاستثمار الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات.
وأشارت إلى أنه في الأشهر الأخيرة، عزز صانعو السياسات في مصر جهودهم لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر لدعم قطاعات البناء والبنية التحتية، وشملت تخفيف القيود على البناء وإطلاق ما يُعرف بـ”الرخصة الذهبية”، التي تُبسط إجراءات الموافقة على المشاريع ومنح الأراضي.
وذكرت أنه على الرغم من الزيادة المستمرة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر منذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في عام 2017، إلا أن هناك مخاطر إذا تبنّت الشركات الخاصة سياسة “الانتظار والترقب” بسبب تعافي الاقتصاد الهش والمخاطر الجيوسياسية الإقليمية.
%6.53 نموًا سنويًا متوقعًا لقطاع الإنشاءات.. وهناك فرصة لنمو أسرع
وقالت إنه خلال الشهر الجارى برزت العديد من الاتفاقيات البارزة التي أكدت الموقف الاستباقي للحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث أعلن رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، وليد جمال الدين، عن استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية خلال السنوات الماضية، مع خطط لمواصلة تعزيز دور القطاع الخاص بمستويات استثمار مشابهة لتطوير الهيئة.
ومطلع الشهر الجارى اجتمعت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة مع شركة اليابان للاستثمار في البنية التحتية الخارجية لتشجيع الاستثمارات اليابانية، بينما ناقشت مع مسؤولين صينيين تعزيز الاستثمار في مشروعات استراتيجية مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة.
وأشار رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، في سبتمبر الماضى إلى خطط لتطوير مناطق جديدة على طول ساحل البحر الأحمر، حدد فيها خمس مناطق جديدة لإبرام اتفاقيات مشابهة لاتفاقية رأس الحكمة. ويعتمد تطوير العاصمة الإدارية الجديدة بشكل كبير على الاستثمارات الخاصة، سواء من مصادر محلية أو أجنبية.
وقالت “فيتش سوليوشنز”، إنه رغم الجهود المكثفة لتحسين مناخ الاستثمار في مصر، لاتزال هناك تحديات قائمة.
وتُعد الإجراءات التنظيمية والبُنى البيروقراطية تحديًا إضافيًا، حيث تستغرق التصاريح والتراخيص فترات طويلة، وفي سبتمبر 2024، ألغى صانعو السياسات القيود المفروضة على البناء التي تم وضعها في عام 2021، وعادوا إلى أحكام قانون البناء لعام 2008 لتقليل خطوات إصدار تصاريح البناء من 15 إلى 8 خطوات.
وقالت إنه مع تقدم مشروعات كبرى مثل رأس الحكمة والعاصمة الإدارية الجديدة، قد تكون هناك آفاق أكثر إشراقًا إذا نجحت الجهود الحالية في جذب استثمارات أجنبية مباشرة.
وأشارت إلى أن توقعاتها حاليًا تشير إلى تحقيق قطاع البناء في مصر نموًا سنويًا متوسطًا بنسبة 6.53%، ولكنها نوهت أن النمو قد يكون أكثر قوة فى السنوات القادمة إذا استمر التقدم فى هذه المشاريع.