شهدت مصر فى السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً فى منظومة ريادة الأعمال مع التزايد المستمر للشركات الناشئة، وتشجيع الحكومات للشباب على الإبداع، والمخاطرة، وتقديم عدة تسهيلات لهم تمكنهم من الاستمرار فى توسعة مؤسساتهم، عن طريق تمويلات لهذه الشركات وإعفاءات ضريبية وتسهيلات فى إجراءات التأسيس وغيرها من الأمور.
وعلى الرغم من الدعم المقدم للشركات الناشئة المصرية من قبل الحكومة، فإن مصر تستحوذ على مقعد واحد فى نادى شركات “اليونيكورن” منذ العام الماضي.
ويعد “اليونيكورن” مصطلحًا اقتصاديًا يطلق على الشركات الصاعدة التى يتخطى رأسمالها مليار دولار.
خاطر: التعويم الأخير تسبب فى بعض العقبات للشركات الناشئة التكنولوجية
وقال مصطفى خاطر، مدير النمو والتنمية بـ “الجريك كامبس”، إن عدد الشركات التى تتأهل لنادى “اليونيكورن” يعتمد على طبيعة السوق فى كل بلد، وباختلاف طبيعة الأسواق تفاوت أعداد هذا النوع من الشركات فى كل سوق، مشيرًا إلى أن عدد الشركات الناشئة فى مصر قليل مقارنة بباقى الأسواق، وبالتالى عدد شركات “اليونيكورن” المصرية أقل.
وأوضح خاطر أن أحد أسباب قلة عدد شركات “اليونيكورن” هو أن صعود الشركات الناشئة لمرحلة تجعلها تنافس الشركات الأخرى يستغرق وقتًا أطول من الطبيعى بسبب طبيعة السوق المصري، وأن الشركات الناشئة تحتاج للعمل على طاقتها التنظيمية على مستوى الفرد والمجموعة.
وأضاف أن تحريك سعر الصرف الأخير تسبب فى بعض العقبات للشركات الناشئة المتخصصة فى التكنولوجيا، بسبب أن الشركات تشترى نظام الـ APIs – واجهة برمجة التطبيقات – بالعملة الصعبة، ومع ارتفاع سعر الصرف، زادت التكاليف التشغيلية الخاصة بالشركات الناشئة التكنولوجية، مما أدى إلى تراجع أرباحها أو تأخر توجهها نحو نادى اليونيكورن.
اقرأ أيضا: صعود الشركات الواعدة على حساب نشاط «اليونيكورن»
وأوضح خاطر أن الحل الأساسى لمشكلة قلة أعداد شركات “اليونيكورن” فى مصر، هو إدخال مواد دراسية لطلاب المدارس تشمل إدارة الأعمال، وإدارة المخاطر، لإنشاء جيل مفكر ومبدع يخطط لمشروعات مبتكرة من وقت مبكر.
وتابع أن التعليم الجامعى لا يجب أن يكون هو السبيل الوحيد الذى يتجه إليه جميع طلاب المدارس؛ ويجب تغيير المناهج التعليمية لتأهيل الطلاب لسوق العمل، مضيفًا مثالًا ببيل جيتس وستيف جوبس اللذين لم يكملا تعليمهما الجامعى ومع ذلك كانا ناجحين فى مجالاتهما.
وكانت الحكومة قد عملت على تسهيل العقبات أمام الشركات الناشئة، وأصدر مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، فى 11 سبتمبر الماضي، قرارًا بتشكيل واختصاصات المجموعة الوزارية لريادة الأعمال برئاسة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
وفى نفس الوقت أعلنت وزارة المالية عن حزمة من التسهيلات الضريبية تضم نظام ضريبى مبسط ومتكامل للمشروعات التى لا يتجاوز حجم أعمالها السنوى 15 مليون جنيه، والتى تشمل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ورواد الأعمال و”الفرى لانسرز”، والمهنيين أيضًا.
أنور: يجب توفير تمويلات للشركات الناشئة فقط لاختلافها عن الشركات الصغيرة
وقالت مارجريت أنور، رئيس قطاع الشركات والأبحاث بشركة إجزيتس للاستشارات الإدارية، إن قلة أعداد الشركات الناشئة المؤهلة لدخول “اليونيكورن” فى مصر ترجع إلى عدة أسباب منها أسباب عالمية مثل الأزمات الاقتصادية، والتوترات السياسية التى تؤثر فى سلاسل الإمدادات، ومعدلات التضخم.
وأضافت أنور، أن من أسباب قلة الأعداد أيضًا هى أسباب محلية، مثل افتقار السوق المصرى إلى الأفكار والابتكارات الجديدة فى الصناعات الأساسية، وقلة المهارات المتخصصة فى مجالات مثل الذكاء الاصطناعى وعلوم البيانات وهندسة البرمجيات، وضعف البنية التحتية التكنولوجية، وسعر الصرف الذى يشكل إعاقة للاستيراد بالعملة الصعبة على الشركات الناشئة، مما يسبب حذرًا للمستثمرين سواء فى الخارج أو الداخل بسبب عدم توفير السيولة الدولارية الكافية والعائد القليل على الاستثمار، والقدرة الشرائية الضعيفة التى تعيق عملية النمو السريع، إضافة إلى أن تأسيس الشركات يحتاج وقتًا طويلًا بسبب اللوائح والرقابة فى التخصصات التى تخضع لذلك.
وأشارت إلى ضرورة اتحاد كل الأطراف المعنية لزيادة عدد شركات “اليونيكورن” وتوفير بيئة تنظيمية مشجعة تساعد على الاستثمار فى الشركات وتطوير مهارات الشباب لخلق بيئة آمنة للمستثمرين، وتدريب رواد الأعمال على التكيف وإيجاد الحلول للتعامل مع ظروف السوق المتغيرة، وتوفير تمويلات من البنوك خاصة بالشركات الناشئة فقط لأنها تختلف عن الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودعم القطاع الخاص للشركات الناشئة، والتوسع فى أسواق جديدة لتوفير العملة الصعبة.
اقرأ أيضا: “سافا” النيجيرية تساعد ألف شركة ناشئة مصرية على بدء أعمالها فى أمريكا
ومنذ عام 2018 يتم إدراج أكثر من 100 شركة ناشئة “يونيكورن” جديدة كل عام حول العالم، باستثناء عام 2021 عندما ارتفع هذا العدد إلى 787 خلال عام واحد، وفقًا لبيان صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
وتعتبر “فوري” أول شركة ناشئة مصرية تدخل نادى “اليونيكورن” فى عام 2020، ولكن بسبب ارتفاع سعر الصرف خرجت “فوري” من نادى “اليونيكورن” بسبب انخفاض قيمة الجنيه.
إلا أن شركة “إم إن تى حالا” هى الوحيدة فى السوق المصرى والمدرجة فى قائمة اليونيكورن فى الوقت الحالي، فى انتظار دخول العديد من الشركات الأخرى للقائمة.
عكاشة: على الشركات الناشئة تصدير خدماتها للخارج للحصول على العملة الصعبة
وقال محمد عكاشة، رئيس مجلس الإدارة والشريك المؤسس لصندوق ديسربتيك، إن هناك ثمانى شركات من شركات “اليونيكورن” فى أفريقيا، منها شركة “حالاً” فى مصر، وأن سعر الصرف المرتفع يعد من الضغوطات على الشركات الناشئة فى مصر التى تصعب تأهيل الشركات لنادى “اليونيكورن”.
ويحاول مركز مصر لريادة الأعمال والابتكار دعم أنشطة ريادة الأعمال والابتكار ودعم التحول إلى اقتصاد المعرفة من خلال تمكين الشباب المصرى من تحويل أفكارهم المبتكرة إلى شركات ناشئة تندمج فى سلاسل القيمة العالمية، من خلال توفير بيئة ريادية ممكنة تساعد على تسريع النمو الاقتصادى فى مصر.
وأضاف عكاشة، أنه يجب على الشركات الناشئة التى تريد التأهل للـ”يونيكورن” أن تصدر خدماتها للخارج من أجل الحصول على العملة الصعبة، مما يرفع من تقييمها.
على المستوى الإقليمى تسعى السوق السعودية والسوق الإماراتية إلى توفير بيئة صالحة لنمو الشركات الناشئة ومساعدتها للتوسع، حيث قامت السعودية بالعديد من المبادرات التى تركز على دعم الشباب والمنشآت الصغيرة والمتوسطة بتوفير العديد من حاضنات الأعمال، ومسرعات الأعمال، ومساحات العمل المشتركة ضمن رؤيتها 2030.
ويأتى ذلك عن طريق توفير الخدمات التى تساعدها على النمو فى سوق العمل، حيث أنشأت المملكة هيئة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت” فى عام 2016 لدعم رواد الأعمال وفهم احتياجاتهم.
وتوفر دبى الكثير من خيارات الدعم المناسبة لتأسيس شركة جديدة والانطلاق فى رحلة عمل ناجحة عن طريق عدة محاور، كإطلاق صندوق دبى للمستقبل فى العام 2020، الذى تبلغ قيمته 272 مليون دولار ويهدف إلى دعم الشركات الناشئة وتطويرها، وتسهل مسرّعات دبى المستقبل التعاون بين الشركات الناشئة ومؤسسات القطاعين العام والخاص، ومنصة تمويل “دبى نكست” تساعد الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة على جمع الأموال، اعتمادًا على مفهوم التمويل الجماعي.