حقق الذكاء الاصطناعي أرباحاً طائلة للعديد من الأشخاص، فمن اشترى أسهماً في شركة “إنفيديا” المتخصصة في تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي عام 2021، قد تضاعفت قيمة أمواله 8 مرات حتى الآن.
ومن المرجح أن يكون مؤسس الشركة، جنسن هوانج، قد جنى أكثر من 100 مليار دولار بفضل الارتفاع الهائل في أسعار الأسهم، وليس هو الوحيد في “وادي السيليكون” الذي يجلس على أرباح ضخمة غير محققة.
ومع ذلك، لم يكن للذكاء الاصطناعي حتى الآن أي تأثير يذكر على الاقتصاد الأمريكي، إذ لايزال معدل البطالة منخفضاً للغاية، فيما تظل معدلات نمو الإنتاجية ضعيفة، ومن المتوقع أن يستمر هذا التناقض في عام 2025.
تردد في تبني التكنولوجيا الجديدة
عادةً ما تكون الشركات بطيئة في تبني التقنيات الجديدة، فمعظم المديرين التنفيذيين لا يجدون الوقت لمواكبة أحدث الاتجاهات، بغض النظر عن ادعاءاتهم.
ويشتهر المديرون الماليون بالحذر، ويرفضون إنفاق مبالغ كبيرة على تقنيات لم تثبت فعاليتها بعد، حسب ما ذكرته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
وتظهر الأمثلة التاريخية هذا النمط، إذ استغرق اعتماد الكهرباء في الشركات حول العالم عقوداً، وبالنسبة للجرار الزراعي، تم اختراعه في أوائل القرن العشرين، إلا أنه بحلول عام 1940 لم يكن سوى 23% فقط من المزارع الأمريكية قد تبنته، كما لم يكن لدى ثلثي الشركات الأمريكية موقع إلكتروني إلا في عام 2010.
تبني محدود للذكاء الاصطناعي
يرى البعض أن الموجة الجديدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر أهمية من الكهرباء والإنترنت مجتمعين، وبالتالي ستنتشر بسرعة، لكن حتى الآن، لا توجد إشارات كبيرة على ذلك.
ففي الولايات المتحدة، تسأل “مكتب التعداد الأمريكي” الشركات ما إذا كانت تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنتاج السلع والخدمات (بمعنى أكثر من مجرد استفسارات عابرة عبر أدوات مثل “تشات جي بي تي”، ويجيب فقط ما يتراوح بين 5% و6% بالإيجاب.
أما في كندا، فقد استخدمت 6% فقط من الشركات الذكاء الاصطناعي لإنتاج السلع أو تقديم الخدمات خلال العام الماضي، وفقاً للبيانات الرسمية.
وفي بريطانيا، تبدو النتائج أكثر إيجابية، حيث تستخدم 20% من الشركات الذكاء الاصطناعي، رغم أن الإحصاءات هناك تُطرح بصيغة مختلفة.
ضعف التأثير الاقتصادي للذكاء الاصطناعي
حتى في بريطانيا، فإن الاتجاهات ليست مشجعة، حيث ظلت نفس النسبة تقريباً من الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي منذ العام الماضي.
وفي أماكن أخرى، لم يظهر أي دليل على انتشار الذكاء الاصطناعي في الأعمال التجارية، لذا، لا غرابة أن يكون من الصعب تحديد أي تأثير اقتصادي له.
ورغم أن نمو الناتج المحلي الإجمالي جيد، إلا أنه بالكاد أقوى مما كان عليه في عام 2022، وهو العام الذي أطلقت فيه شركة “أوبن إيه آي” نموذج “جي بي تي – 3” للجمهور، ولايزال نمو الإنتاجية في حالة ركود، بعيداً عن المستويات التي كانت عليها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وقد يزعم داعمو الذكاء الاصطناعي أن التكنولوجيا تغير مسار شركات بأكملها، ولكن لا تصدق ذلك.
تشير بيانات سوق العمل إلى نفس النتيجة، فقد انخفض معدل البطالة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم في الغالب دولاً غنية، مؤخراً إلى أقل من 5%، وهو أدنى مستوى له منذ عقود، وتصل نسبة الأشخاص في سن العمل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق.
ولا توجد أدلة كافية على أن الأشخاص يغادرون وظائفهم بأعداد كبيرة، وهو ما يمكن توقعه إذا كان الذكاء الاصطناعي يجعل البشر غير ضروريين.
كذلك، لاتزال معدلات نمو الأجور مرتفعة نسبياً، وإذا سألت محافظي البنوك المركزية، سيؤكدون أن الطلب على العمالة لايزال مرتفعاً للغاية، وليس منخفضاً، إذ يحاولون خفض التضخم إلى مستوى 2%.
هل سيغير الذكاء الاصطناعي الاقتصاد في عام 2025؟
لا تراهن على ذلك، إذ أفادت 7% فقط من الشركات الأمريكية بأنها تخطط لتبني الذكاء الاصطناعي في الأشهر المقبلة.
ويظل الإنفاق الرأسمالي في الدول الغنية ضعيفاً نسبياً، مما يشير إلى أن الشركات لا تستثمر في الأدوات التي يمكن أن تمنح الذكاء الاصطناعي دفعة إنتاجية كبيرة.
السؤال الأهم للعام المقبل هو: إلى متى يمكن لهذا التناقض بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي بشأن فائدة الذكاء الاصطناعي أن يستمر؟