باتت جنوب أفريقيا واحدة من الوجهات المفضلة لمستثمري الأسواق الناشئة، حيث يتوقع الخبراء أن تحقق أداء متفوقا في عام 2025.
ويعزى هذا التحول إلى نجاحها في السيطرة على التضخم والعوائد المرتفعة للسندات، بالإضافة إلى عزلتها النسبية عن تأثيرات سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
وتوقع خبراء في بنك “جولدمان ساكس” و”سوسيتيه جنرال” أن تتفوق العملة والأسهم والسندات في جنوب أفريقيا على نظيراتها في الأسواق الناشئة في عام 2025، مما يساعد على حماية المحافظ من التقلبات العالمية المرتبطة بالتضخم والتجارة والجيوسياسات.
ورغم وعود ترامب، التي تتراوح بين زيادة التعريفات الجمركية، وخطط الإنفاق، وعمليات الترحيل، فإنها بدأت بالفعل في اهتزاز مديري الأموال بسبب قدرتها على إعادة التضخم، وتقليص المساحة المتاحة للتيسير النقدي، وتأثيرها على النمو المحلي.
وفقدت معظم عملات الأسواق الناشئة مكاسبها لهذا العام، فيما تعمقت أسواق الأسهم في التراجع مقارنة بالدول الأكثر ثراء، كما ارتفعت عوائد السندات منذ سبتمبر نتيجة للمخاوف المتعلقة بالسياسات الاقتصادية، مما طغى على تأثير خفض الفائدة الذي نفذه الاحتياطي الفيدرالي مرتين.
ومع ذلك، فإن جنوب أفريقيا تبرز بشكل مميز، حيث حققت نجاحا في معركتها ضد التضخم، وخفضت نمو الأسعار إلى أقل من الحد الأدنى من نطاق الهدف المحدد، فضلا عن تخفيض البنك المركزي لأسعار الفائدة الأساسية مرتين هذا العام، ولا يزال لديه مجال لمزيد من الخفض.
كما تقدم السندات في جنوب أفريقيا بعضا من أعلى العوائد في العالم، بينما تشهد البلاد تحسنا في تصنيفها الائتماني.
وقال مارك دريمال، كبير المحللين الاستراتيجي لـ “سوسيتيه جنرال” في لندن، إن جنوب أفريقيا قد تكون فرصة استثمارية جذابة في العام المقبل بسبب نقص البدائل في الأسواق الناشئة، مضيفا أن “البلاد تقدم مزيجا قويا من الأسعار الاسمية والحقيقية المرتفعة، والعزل النسبي عن التوترات الجيوسياسية، والتعرض الأقل بشكل مباشر للتعريفات التجارية الأمريكية المحتملة”.
وقد شهدت البلاد، التي سجلت تضخمًا يصل إلى 7.8% في فترة ما بعد جائحة كورونا، نجاحًا في تقليصه إلى 2.8%، لتصبح واحدة من أكبر قصص النجاح في الأسواق الناشئة خلال العامين الماضيين.
وسجلت العملة الجنوب أفريقية “الراند” أفضل العوائد للمستثمرين بين عملات الأسواق الناشئة هذا العام، باستثناء البيزو الأرجنتيني والليرة التركية، بينما جلبت العوائد المرتفعة والعملات المستقرة أكبر تدفقات استثمارية إلى السندات المحلية منذ عام 2019، لا يزال معدل الملكية الأجنبية منخفضا بسبب التدفقات الخارجة في السنوات الماضية.
وقال أندرو ماثيني، الاقتصادي في بنك “جولدمان ساكس”، إن “الأجانب قد قاموا بتقليص استثماراتهم”، مشيرا إلى أن ذلك كان أحد العوامل التي دفعت التدفقات الاستثمارية مع بداية ظهور قصة التحول الاقتصادي في البلاد.
وبعد سنوات من نقص الكهرباء المدمر، والنمو الاقتصادي الضعيف، والاضطرابات السياسية، وفقدان التصنيف الائتماني، بدأت جنوب أفريقيا في تنفيذ إصلاحات اقتصادية تحت حكومة الوحدة الوطنية.
وأضاف ماثيني: “إذا تمكنت الحكومة من استعادة مصداقيتها في إدارة المالية العامة، وتنفيذ الميزانية وفقا للخطة الموضوعة، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، فضلا عن استقرار مستويات الدين، فإنه من الممكن أن نشهد تراجعا في منحنى العوائد على السندات، إلى جانب مزيد من التشديد في سوق المبادلات المالية”.
ويتوقع الاقتصاديون تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وفي العامين المقبلين، بينما بدأت وكالات التصنيف الائتماني في إعطاء البلاد نظرة إيجابية، حيث رفعت وكالة “ستنادرد أند بورز S&P” تصنيف جنوب أفريقيا من “مستقر” إلى “إيجابي”، كما يتوقع بنك جولدمان ساكس أن تقوم وكالات التصنيف “S&P” و”فيتش” بترقية البلاد، مما يرفع تصنيفها درجة واحدة من “- BB” إلى ” +BB “.
وقالت مجموعة من المحللين في تقرير لهم، إن قصة الإصلاحات في جنوب أفريقيا يجب أن تستمر في التطور، لكننا نعتقد أن السوق قد بدأ في تسعير العديد من العوامل الإيجابية حتى عام 2025″، مضيفين أن البنك قد بدأ في تداول الراند بإتجاه الهبوط، مستهدفا 19.25 مع وقف عند 17.40.
لكن المتفائلين يرون أن جنوب أفريقيا أصبحت الآن قصة فريدة من نوعها يمكن أن تستمر في تحقيق العوائد الجيدة حتى عام 2025. ويقوم بنك “سوسيتيه جنرال” بالفعل ببيع الدولار الأمريكي مقابل الراند، متوقعا زيادة بنسبة 5%.
وتجذب جنوب أفريقيا المستثمرين أيضا من خلال التحديات التي تواجه معظم الأسواق الناشئة الأخرى، فالنمو البطيء في الصين والتهديدات المتعلقة بالتعريفات الجمركية الأمريكية تظل غائمة في الأفق، بينما لا تزال اقتصادات مثل المكسيك وتركيا عرضة للمخاطر الجيوسياسية وضغوط التضخم. حتى بعض الأسواق التي كانت محط إعجاب المستثمرين مثل الهند، تواجه تحديات بسبب التقييمات المرتفعة وتزايد السياسات النقدية المشددة.