تسود صورة ذهنية حول نظام الطاقة بالولايات المتحدة، عبارة عن صمام عملاق مخفي تحت مكتب اتخاذ القرار في البيت الأبيض؛ إذ يُعتقد أن الرئيس يمكنه التحكم بسلاسة في تدفق الطاقة وأسعارها صعوداً وهبوطاً. هذه الفكرة، بالطبع، بعيدة عن الواقع، لكنها تبدو مقبولة لدى إدارة دونالد ترامب القادمة.
شهدنا خلال الأسبوع الحالي بعض التصريحات الصادمة حول الطاقة من الرئيس المنتخب وفريقه. تعلق التصريح الأول بخطة مقترحة من سكوت بيسنت الذي اختاره ترامب لقيادة وزارة الخزانة، وتتضمن تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3%، وعجز فيدرالي بنسبة 3%، وزيادة إنتاج البترول بما يعادل 3 ملايين برميل يومياً. والتصريح الثاني كان تهديد ترامب مساء الإثنين بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على “جميع المنتجات” المستوردة من كندا والمكسيك.
تضمّن رقم بيسنت “مكافئ” 3 ملايين برميل، أي أنه يشمل الغاز الطبيعي ضمن هذا الرقم. القاعدة العامة في الصناعة تقول إن 6 آلاف قدم مكعب من الغاز تعادل طاقة برميل واحد من البترول الخام.
بناءً على هذا الأساس، فإن مثل هذا النمو متوقع بالفعل. تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع إنتاج البترول في الولايات المتحدة بأكثر من مليون برميل يومياً بحلول عام 2028 (مع انتهاء فترة إدارة ترامب). في الوقت نفسه، يتم توفير نحو 12.6 مليار قدم مكعب من قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال، أي ما يعادل 2.1 مليون برميل يومياً، وهو ما يشير إلى أن الصناعة تتوقع إنتاجاً جديداً لتلبية هذه الحاجة.
من الواضح أن بيسنت يعني 3 ملايين تُضاف لهذا المستوى، وإلا، فلماذا ذكرها؟ لكن هذا يبدو غير مرجح، وإليكم السبب:
التركيز على الأرباح وليست زيادة الإنتاج
عند ملاحظة الزيادات الكبيرة في الإنتاج خلال الإدارات الثلاث الأولى لعصر البترول الصخري، يظهر أن المستثمرين في الطاقة لم يبدأوا بجني الأرباح إلا خلال إدارة الرئيس جو بايدن الحالية.
كان هذا نتيجة لتركيز منتجي البترول والغاز على الأرباح بدلاً من زيادة الإنتاج الكمي. على عكس شركة “أرامكو السعودية”، التي تُعتبر حكومية بواجهة خاصة، فإن صناعة البترول الأمريكية تتكون من شركات تجارية تنافسية تستجيب للأسعار، وليست نموذجاً مركزياً حكومياً. هذا يفسر تصريح رئيس قطاع التنقيب في شركة “إكسون موبيل” هذا الأسبوع بأن استراتيجية “احفر، احفر، احفر” لم تعد مطروحة.
رغم الأرقام الرئيسية، سجل إنتاج البترول رقماً قياسياً جديداً في ظل إدارة بايدن. لكنه لا يزال أقل من نصف مليون برميل يومياً مقارنة بذروة الإنتاج خلال فترة ترامب، وذلك نتيجة التعافي من جائحة كورونا وحرب أوكرانيا.
اليوم، تواجه السوق حالة من التراجع مع ضعف الطلب من الصين، وتراجع الطلب الأمريكي بشكل هيكلي، وتقييد “أوبك+” لإنتاج أكثر من 6 ملايين برميل يومياً لدعم الأسعار. في ظل هذه الظروف، من غير المتوقع أن يؤدي فتح المزيد من الأراضي الفيدرالية، وهي جزء صغير من الإنتاج الأمريكي على أي حال، إلى زيادة كبيرة في الإنتاج عما هو متوقع بالفعل، إلا إذا حدثت زيادة حادة في الأسعار، وهو ما يتناقض مع تعهد ترامب بخفض تكاليف الطاقة للأمريكيين.
الوضع بالنسبة للغاز مشابه. أصبحت صادرات الغاز الطبيعي المسال مصدر الطلب الأساسي للنمو بالنسبة للمنتجين الأمريكيين، ومن المؤكد أن ترامب سيرفع “حظر” تراخيص التصدير الذي فرضه بايدن في وقت سابق هذا العام.
لكن هذا الإجراء كان دائماً يبدو كحيلة سياسية خاطئة، وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يتم عكسه بعد الانتخابات بغض النظر عن الفائز. من جهة أخرى، فإن تفضيل ترامب للرسوم الجمركية يؤثر سلباً، كما حدث خلال ولايته الأولى عندما أدت الرسوم المفروضة على الفولاذ إلى رفع تكاليف مطوري الغاز الطبيعي المسال، وأوقفت الصين استيراد الغاز الطبيعي المسال الأمريكي لفترات طويلة في 2019.
تداعيات الرسوم الجمركية على الطاقة
يعود الحديث عن الرسوم الجمركية مجدداً مع تهديد ترامب لجيران أمريكا، مما ينذر بتداعيات سلبية على قطاع الطاقة الأمريكي في خال تم تنفيذها. كندا تمثل 61% من واردات الولايات المتحدة من البترول الخام، بمتوسط يتجاوز 4 ملايين برميل يومياً، فيما تمثل المكسيك 9% أخرى.
قد يتساءل البعض: أليست الولايات المتحدة مستقلة بترولاً؟ الجواب: نعم، ولكن على أساس صافي الإنتاج. في العالم الواقعي، يتم تحسين تدفقات البترول بناءً على الاقتصاديات، ولهذا السبب لا تزال المصافي الأمريكية تشتري أكثر من 6.6 ملايين برميل يومياً من البترول الخام من الموردين الأجانب؛ حيث يحقق ذلك أفضل هوامش ربحية.
البترول الكندي مثالي في عدة نواحٍ: يتم إنتاجه في مكان قريب من الولايات المتحدة، وهو قادم من حليف مستقر، والكثير منه أثقل من البترول الصخري الأمريكي، مما يجعله مناسباً لقدرات التكرير الأمريكية. البترول المكسيكي أيضاً يتميز بخصائص مماثلة، ويصل بسهولة إلى مراكز التكرير في الساحل الأمريكي.
إضافة رسوم جمركية بنسبة 25% على سعر مزيج البترول الثقيل الكندي الحالي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود، وستظهر التأثيرات بسرعة في معظم مناطق الغرب الأوسط.
هذا سيضر بمصافي البترول الأمريكية والمستهلكين الأمريكيين على حد سواء، كما سيقوض أمن الطاقة الأمريكي. ينتقد الجمهوريون إفراج بايدن عن 180 مليون برميل من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي لمواجهة تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، فلماذا يكون منطقياً فرض قيود على تجارة البترول مع الجيران الأقرب الذين يزودون الولايات المتحدة بهذه الكمية كل 39 يوماً؟.
الإجابة المختصرة: هذا ليس منطقياً. يبدو أن تصريحات بيسنت المستوحاة من رقم 3 وتهديدات ترامب الجمركية (وليست الأولى من نوعها) لا تعدو كونها جولة جديدة من استعراض سياسي، أو تكتيك تفاوضي.
سنعرف الحقيقة قريباً. لكن ما لن يتغير هو أنها تكشف عن افتقار للفهم في ما يتعلق بأسواق الطاقة، ومكانة الولايات المتحدة داخلها، والروابط مع الأهداف السياسية الأخرى. هناك فجوة مستمرة بين رؤية ترامب لإنتاج أمريكي متزايد، وأسعار طاقة منخفضة، واستخفاف بالتجارة. هذه معادلة لا يمكن أن تتحقق.