تحتوي لوحات القيادة في السيارات على مجموعة من المؤشرات التي تحذر من المشكلات، وإذا كانت غرف اجتماعات شركات صناعة السيارات الأوروبية مجهزة بأنظمة مشابهة، لكانت مضاءة كأنها سوق عيد الميلاد.
شركة “فولكس واجن”، الأكبر من حيث المبيعات، تستعد لإضرابات تبدأ مع بداية ديسمبر احتجاجاً على خطتها لإغلاق ثلاثة مصانع في ألمانيا وخفض الأجور.
وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة “نورثفولت”، وهي شركة سويدية ناشئة في مجال البطاريات استثمرت فيها “فولكس واجن” و”بي إم دبليو”، إفلاسها.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يهدد دونالد ترامب بزعزعة سلاسل التوريد من خلال فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا.
وأوضحت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن هذه المشكلات تأتي في ظل عام صعب بالفعل لصناعة السيارات الأوروبية.
فمنذ أبريل، انخفضت القيمة السوقية المجمعة لأكبر خمس شركات لصناعة السيارات في القارة، وهي “فولكس واجن” و”ستيلانتيس” و”رينو” و”بي إم دبليو” و”مرسيدس”، من أكثر من 300 مليار يورو “أي ما يعادل 320 مليار دولار” إلى أقل من 200 مليار يورو، وذلك نتيجة سلسلة من توقعات الأرباح القاتمة التي أثارت قلق المستثمرين.
في أوروبا، انخفض الطلب وازدادت المنافسة من شركات السيارات الكهربائية الصينية.
وقال أوليفر بلومه، الرئيس التنفيذي لشركة “فولكس واجن”، إن “الحصة تقلصت، وأصبح لدينا مزيد من الضيوف على الطاولة”.
وفي الوقت نفسه، تأثرت أعمال الشركات الأوروبية في الخارج، إذ انخفضت المبيعات في الصين وتعرضت الأرباح في أمريكا أيضاً للخطر.
ووصف فيليب هوتشوا من بنك “جيفريز” الوضع بأنه “ركود من نوع خاص”.
قبل فترة ليست ببعيدة، كانت شركات السيارات الأوروبية تمر بفترة ازدهار، فقد ساعد نقص الرقائق أثناء الجائحة على تبني استراتيجية “القيمة فوق الحجم”، حيث ركزت الشركات على استخدام الرقائق النادرة في إنتاج السيارات الأكثر ربحية.
وقد سجلت “فولكس واجن” أرقاماً قياسية في الأرباح التشغيلية كل عام من 2021 إلى 2023.
كما حققت “ستيلانتيس” و”بي إم دبليو” و”مرسيدس” أرباحاً كبيرة، وبدأ برنامج إعادة الهيكلة في شركة “رينو” يؤتي ثماره.
ومع ذلك، تدهورت الصورة في الآونة الأخيرة، فقد توقف الطلب على السيارات في أوروبا، ومن المحتمل أن يتجه نحو تراجع هيكلي.
ويعترف أرنو أنتليتز، المدير المالي لشركة “فولكس واجن”، بأن أوروبا لن تعود إلى مستويات ما قبل الجائحة التي بلغت 16 مليون سيارة سنوياً.
في عام 2023، بلغت المبيعات الإجمالية حوالي 11.5 مليون سيارة، وهو تحسن طفيف عن العام السابق ولكنه أقل بكثير من الذروة.
ومن المتوقع أن تكون المبيعات هذا العام أقل، وقليلون في الصناعة يتوقعون نمواً كبيراً في العام المقبل.
مع انتهاء أزمة نقص الرقائق، عادت الصناعة إلى إنتاج السيارات الأقل ربحية.
ومن المتوقع أن تتراجع هوامش الربح أكثر إذا اندلعت حروب أسعار لتحقيق أهداف انبعاثات جديدة صارمة ضمن خطة الاتحاد الأوروبي لحظر بيع السيارات التي تعمل بالبنزين بحلول عام 2035.
وسيتطلب الأمر العام المقبل حصة أكبر من السيارات الكهربائية، التي تدر أرباحاً أقل مقارنةً بالسيارات التقليدية.
تواجه شركات السيارات الأوروبية أيضاً ضغطاً متزايداً في الأسعار داخل القارة بسبب المنافسة الصينية.
ورغم الانخفاض الطفيف بعد فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على السيارات الكهربائية المستوردة في أكتوبر، إلا أن السيارات الصينية لا تزال تمثل واحدة من كل عشر مبيعات للسيارات الكهربائية الجديدة في أوروبا.
ومن المتوقع أن تزيد هذه الحصة، حيث تقوم شركات مثل “بي واي دي” و”شيري” ببناء مصانع في أوروبا لتلبية الطلب مباشرة.
وفي الصين، تخسر الشركات الأوروبية أمام منافسيها المحليين، فالسوق الصيني، الذي كان لفترة طويلة مصدراً مهماً لأرباح صناعة السيارات الأوروبية، يشهد تحولاً كبيراً.
ووفقاً لبنك “يو بي إس”، انخفضت الحصة السوقية للعلامات التجارية الأجنبية من 63% في عام 2020 إلى 37% حالياً.
وتراجعت الحصة السوقية لشركة “فولكس واجن”، التي كانت ذات يوم أكبر شركة سيارات في الصين، من 19% في 2019 إلى 14% حالياً، وقد تنخفض إلى أرقام فردية بحلول عام 2030.
الأمور ليست أفضل بكثير بالنسبة للعلامات الفاخرة الألمانية، فشركتا “بي إم دبليو” و”مرسيدس” تحققان 48% و37% من أرباحهما التشغيلية على التوالي في الصين، لكنهما تعتمدان بشكل كبير على السيارات العاملة بالبنزين في بلد أصبحت نصف مبيعاته الآن سيارات كهربائية.
كما انخفضت مبيعات “بورشه” في الصين بنسبة 27% منذ عام 2022.
في أمريكا الشمالية، تواجه الشركات تحديات متزايدة، وأدت قرارات خاطئة لرفع أسعار الشاحنات وسيارات الدفع الرباعي لتصبح أقرب إلى أسعار “فورد” و”جنرال موتورز” إلى نفور العملاء.
وأعلنت “فولكس واجن” الشهر الماضي انخفاض إيراداتها في أمريكا الشمالية بنسبة 42% على أساس سنوي خلال الربع من يوليو إلى سبتمبر، وقد أدى ذلك إلى تراكم المخزون وإغلاق مؤقت للمصانع.
وقد تزيد السياسات الأمريكية الأمور سوءاً، إذ تستورد “فولكس واجن” ما يقرب من ثلثي سياراتها المباعة في أمريكا من الاتحاد الأوروبي.
ويشير بنك “بيرنبرج” إلى أن هذه الخطوة ستزيد الضغوط إذا فرضت تعريفات جديدة.
ويبدو أن فترة صعبة تنتظر شركات السيارات الأوروبية التي ستحتاج إلى تقليص الإنتاج في أوروبا.
ومع ذلك، فإن الإضرابات العمالية والمقاومة السياسية قد تعيق هذا التوجه.
ودون مواجهة حاسمة لتكاليف الإنتاج المتزايدة وتراجع المبيعات، فإن الأزمات قد تتفاقم بشكل أسرع.