تسلمت وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز، منصبها في يوليو الماضي، متعهدة بجعل تحقيق النمو الاقتصادي القوي المهمة الأولى لحكومة “حزب العمال” الجديدة، لكن البيانات الرسمية الصادرة مؤخرًا أكدت أن هذا الهدف ما زال بعيد المنال.
فبعد تحقيق زخم إيجابي منذ عام 2023، سجل الإنتاج في بريطانيا تراجعاً في شهري سبتمبر وأكتوبر.
وتشير الأرقام إلى أن الشركات والأسر تجنبت الإنفاق في الفترة التي سبقت إعلان الموازنة، التي حذر رئيس الوزراء، السير كير ستارمر، من أنها ستكون مؤلمة.
ووصف آلان مونكس من “جي بي مورجان” هذه البيانات بأنها “خيبة أمل كبيرة”، حسب ما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
لكن ما هي العوامل الرئيسية التي تقف وراء الأداء الاقتصادي الضعيف في المملكة المتحدة؟
قلق ما قبل الموازنة
أكدت ريفز وستارمر منذ البداية أن الموازنة الأولى للحكومة ستكون صعبة، مشيرين إلى ضرورة تصحيح عجز مالي بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني ورثته الحكومة من إدارة ريشي سوناك، وجمع الأموال لتحسين الخدمات العامة المتعثرة.
هذه الفترة الطويلة من عدم اليقين قبل إعلان الموازنة في أكتوبر أثرت على الثقة، حيث انتظرت الشركات والأسر توضيحاً بشأن الضرائب وإجراءات الإنفاق.
وأوضح أندرو ويشارت، الاقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس”، أن “النمو تضرر قبل الموازنة، ربما بسبب مخاوف من زيادة الضرائب دفعت الأسر والشركات إلى تأجيل قرارات الإنفاق”.
تراجع الأداء الاقتصادي في النصف الثاني من العام كان لافتاً مقارنة بالربع الأول من عام 2024، الذي شهد تعافياً بنسبة 0.7% بعد ركود تقني أواخر العام الماضي.
ومن المتوقع أن يكون الأداء ضعيفاً أيضاً في الربع الأخير من العام، حيث تتعامل الشركات مع الأعباء الضريبية التي فرضتها الموازنة.
تحديات البنك المركزي
خفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة مرتين هذا العام لتصل إلى 4.75%، لكن تكاليف الاقتراض المرتفعة ما زالت تؤثر سلباً على الاقتصاد.
وأظهرت تحليلات البنك أن نحو نصف حاملي الرهون العقارية، أو 4.4 مليون أسرة، سيحتاجون إلى إعادة تمويل قروضهم بأسعار فائدة أعلى خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
رغم توقعات بعدم تغيير أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل للبنك، يُتوقع إجراء تخفيضات إضافية مطلع العام المقبل.
لكن البنك يتوخى الحذر في إجراء تخفيضات أكبر بسبب استمرار ارتفاع تضخم أسعار الخدمات.
ثقة المستهلك الضعيفة
رغم تراجع التضخم من ذروته التي تجاوزت 11% في عام 2022 وتحسن الدخل الحقيقي للأسر، ما زالت المخاوف المتعلقة بتكاليف المعيشة تعيق النمو.
وارتفعت معدلات ادخار الأسر مقارنة بالدخل المتاح هذا العام في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو، مما يعكس حالة الحذر بين المستهلكين.
سجلت الصناعات الموجهة للمستهلكين إنتاجاً أقل بنسبة 5.3% عن مستوياتها قبل الجائحة في أكتوبر، متأثرة بارتفاع الأسعار وتكاليف الاقتراض.
تأثير الاقتصاد الأوروبي
ساهم الحالة المتردية للاقتصاد الأوروبي أيضاً في إضعاف أداء بريطانيا، حيث يمثل الاتحاد الأوروبي أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة.
نما اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.4% فقط في الربع الثالث، مقارنة بنسبة 0.2% في الربع السابق.
ويتخلف الأداء الاقتصادي في أوروبا عن الولايات المتحدة، التي سجلت نمواً بنسبة 11.4% فوق مستوياتها ما قبل الجائحة، مقارنة بـ3% في المملكة المتحدة و4.6% في منطقة اليورو.
توقعات مستقبلية غامضة
أثارت أرقام الناتج المحلي الإجمالي لشهر أكتوبر تساؤلات حول توقعات النمو للعام المقبل.
وكانت “هيئة مسؤولية الموازنة” قد توقعت نمواً بنسبة 2% في 2025، مقارنة بـ1.1% العام الحالي، لكن بعض المحللين عدلوا هذه التوقعات إلى 1.25% فقط لعام 2025.
رغم التوقعات المتشائمة، تشير بعض التحليلات إلى أن الاقتصاد البريطاني قد يكون في وضع أفضل نسبياً مقارنة بدول مجموعة السبع، وذلك بفضل زيادة الاقتراض والإنفاق الحكومي الذي يمكن أن يدعم النشاط الاقتصادي.