تجنبت الحكومة الأمريكية ، للتو، الإغلاق بصعوبة، لكن حالة التكهنات والارتباك والقلق المرتبطة بسلطة عملاق التكنولوجيا إيلون ماسك في واشنطن، استشرت لدرجة اضطرت السكرتيرة الإعلامية القادمة في إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، إلى التوضيح.
شرحت كارولين ليفات عن خطة إبقاء تمويل الحكومة، والمعروفة باسم قرار التمديد، وقالت: “بمجرد أن أصدر الرئيس ترامب موقفه الرسمي بشأن قرار تمديد تمويل الحكومة، ردد الجمهوريون في كابيتول هول وجهة نظره”.
وأضافت “الرئيس ترامب هو زعيم الحزب الجمهوري، بكل بساطة”.
لم يكن هذا مقنعاً تماماً. لم يكن مقنعاً لأن ماسك، الذي منح ترامب ربع مليار دولار لينجح في العودة للبيت الأبيض، ظهر كقوة سياسية غير متوقعة وغير منتخبة ولا يمكن السيطرة عليها.
فقد عرقل خطة الحزب لإبقاء الحكومة مفتوحة، ووضع منصب رئيس مجلس النواب مايك جونسون في خطر، من خلال نشره تغريدة على حسابه في منصة “إكس” التابعة له، والذي يحظى بمتابعة 200 مليون شخص.
نشر ماسك يوم الأربعاء في الساعة 4:15 صباحاً تغريدة تقول “لا ينبغي تمرير هذا القانون”.
تابع تغريدته بأكثر من 150 تغريدة إضافة، بعضها احتوى أكاذيب صريحة حول مشروع القانون. (لم تكن هناك زيادة بنسبة 40% في رواتب المشرعين، ولا صفقة ضخمة بقيمة 3 مليارات دولار لملعب كرة قدم في العاصمة واشنطن).
ترامب وشريكه الفعلي في الحكم غير المرئي تقريباً، جيه دي فانس، تدخلا لاحقاً، لكن بعد وقت طويل.
بعد 12 ساعة، تم إسقاط مشروع القانون وتباهى ماسك على “إكس” بأن “صوت الشعب انتصر!”.
أكثر من صديق
لُقب ماسك بـ “الصديق الأول”، لكنه في الحقيقة أشبه كثيراً بمساعد ترامب، والمنفذ والمانح. والفوضى غير الضرورية التي أقحماها في صفقة الميزانية هي صورة مؤسفة للسنوات الأربع القادمة.
بالنسبة للجمهوريين، فإن التهديدات الأولية الممولة من ماسك تعني تعرضهم للتهديد المستمر إذا لم يمتثلوا.
كما تعني أيضاً مواجهة تهديد أكثر خطورة من مجموعة “سنجعل أمريكا عظيمة مجدداً”، وهي نفس المجموعة التي اقتحمت مبنى الكابيتول قبل أربع سنوات مع صيحات تتوعد بشنق نائب الرئيس آنذاك مايك بنس.
وعلى الرغم من كل هذا، انتهى الأمر بتحدي 38 جمهورياً لترامب وماسك، حيث صوتوا بـ”لا” على ما يسمى بـ”قرار التمديد الهزيل”.
كانت حساباتهم على الأرجح أن عددهم يمثل قوةً، وأن عام 2026 يعد زمناً طويلاً بالتوقيت السياسي.
وبالنسبة للديمقراطيين، فإن حضور ماسك القوي يعني اضطرارهم إلى مواجهة قوة أخرى لا يمكن التنبؤ بها، والتي لا تحظى بثقة ترامب فحسب، بل لديها أيضاً محفظة أعمال كبيرة مدعومة بعقود حكومية.
في وقت سابق من هذا الشهر، كتبت عضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارن من ولاية ماساتشوستس في رسالة مفتوحة إلى ترامب: “في الوقت الحالي، ليس لدى الجمهور الأمريكي أي وسيلة لمعرفة ما إذا كانت النصيحة التي يهمس ماسك بها إليك سراً، جيدة للبلاد، أو فقط جيدة لنتائجه المالية”.
تضارب مصالح
جدير بالذكر أن أحد نصوص مشروع القانون الأصلي، الذي تم إسقاطه بعد عاصفة التغريدات التي أطلقها ماسك، كانت تحتوي على فرض لوائح جديدة على المعاملات التكنولوجية التي تكون الصين طرفاً فيها، حيث يمتلك ماسك علاقات تجارية كبيرة معها.
ويمثل إسقاط القانون فوزاً كبيراً لماسك. أشار البيت الأبيض، الذي كان صامتاً إلى حد كبير أثناء المفاوضات، إلى هذا في بيان.
من الأفضل للديمقراطيين أن يستمروا في الإشارة إلى دور ماسك المتضارب والذي يصب في خدمته.
الحكمة الشائعة تقول إنه في مرحلة ما سوف يتعب ترامب من تقاسم الأضواء مع ماسك.
بدأ الديمقراطيون يشيرون إلى أن ماسك يُعتبر الرئيس المنتخب فيما يمثل ترامب نائب الرئيس، ربما لدق إسفين بين الرجلين.
وقد سبق لترامب أن طرد أشخاصاً من دائرته الداخلية.
ولكن ماسك، بملياراته وانتشاره عالمياً عبر “إكس”، لا يشبه أي شخص آخر في عالم ترامب. فالتخلص من وزراء في إدارته من أمثال ستيف بانون أسهل بكثير.
لم يكن هؤلاء الأشخاص يتمتعون بانتشار ماسك أو شهرته أو ملياراته، كانوا من المتملقين الذين يحتاجون ترامب أكثر من احتياجه لهم.
وعلى النقيض من ذلك، يمنح ماسك ترامب مكانة بالوقوف إلى جانبه، فهو يوسع شعبيته وقوته.
ببساطة، ماسك يجعل ترامب أقوى.
اقترح بعض الجمهوريين أن ماسك يجب أن يكون رئيس مجلس النواب القادم، لكنها ستكون خطوة كبيرة إلى الوراء.
من المرجح أن يجلب أحدث ثنائي قوي في واشنطن المزيد من الفوضى والفساد بمجرد أن يؤدي ترامب اليمين الدستورية، إذ سيكون كبح جماحهما صعباً على الديمقراطيين، خاصة إذا منح الناخبون ترامب، نتيجة الرهبة من ثروة ماسك وتبجحه، تفويضاً مفترضين أنه يبحث فقط عن مصالح الأمريكيين العاديين، وليس حماية مصالحه الخاصة.
بقلم: نيا ماليكا هندرسون، كاتبة عمود لدى “بلومبرج”
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”