أصبح الكاكاو أكبر الرابحين في سوق السلع الأساسية خلال 2024، وزادت أسعاره بحوالي ثلاثة أضعاف بسبب النقص الهائل في الإمدادات مع استمرار مشكلات الطقس في غرب إفريقيا، وحتى الآن لا تظهر أي علامات على أن مسيرتها الصاعدة أوشكت على نهايتها.
حتى أن مكاسب الكاكاو تجاوزت ما حققته البيتكوين – التي تلقت دعمًا هائلاً من فوز “دونالد ترامب” في الانتخابات – أو سوق الأسهم الأمريكية.
ارتفعت أسعار المكون الرئيسي للشوكولاتة بنسبة بلغت تقريبًا 185% هذا العام، وفقًا لبيانات “داو جونز”، مما يضر بالمستهلكين المحبين للشوكولاتة في جميع أنحاء العالم، في مثال على كيفية تأثير تغير المناخ على المجتمع والاقتصاد.
وفي الأسبوع الماضي، وصلت العقود الآجلة للكاكاو تسليم مارس المتداولة في نيويورك إلى 11938 دولارًا للطن المتري، لتسجل أعلى مستوياتها على الإطلاق، مع تجدد المخاوف بشأن الظروف الجوية السيئة ونقص الإمدادات في غرب إفريقيا التي تعد موطنًا لحوالي ثلاثة أرباع إنتاج الكاكاو في العالم.
وذلك بعدما تجاوز سعر الطن في سوق العقود الآجلة مستوى 10 آلاف دولار لأول مرة على الإطلاق في السادس والعشرين من مارس من هذا العام.
لكن تباطأت وتيرة ارتفاع الأسعار في سوق الكاكاو بعدما اقتربت من 12 ألف دولار في أبريل بدعم من توقعات بحصاد أفضل في غرب إفريقيا، لكنها استأنفت موجة الصعود في نوفمبر مع تحول ظروف الطقس إلى غير المواتية لتنمية المحاصيل، مما أضعف الآمال في حدوث تعاف كبير.
كانت ظروف الطقس السبب الرئيسي وراء ذلك الارتفاع الهائل، والتي لا تُظهر أي علامات على التحسن مع بداية عام جديد، ما قد يسبب المزيد من الفوضى في أسواق السلع الأساسية.
وأوضح “أوران فات دورت” محلل السلع الأساسية لدى “رابوبنك” قائلاً: مع سوء الأحوال الجوية، شهدنا حصادًا دون المستوى.
تسبب هطول الأمطار في غرب إفريقيا خلال أكتوبر في تأخر المزارعين في حصاد الحبوب ومعالجتها، إلى جانب المشاكل المستمرة مع فيروس تورم براعم الكاكاو الذي ينتقل بين الأشجار ويقضي في النهاية عليها خلال من ثلاث إلى أربع سنوات.
فضلاً عن ظروف الجفاف في البرازيل التي تؤثر على مجموعة من المحاصيل بما في ذلك القهوة، مما أدى لارتفاع العقود الآجلة لكل من الكاكاو والقهوة وعصير البرتقال في بورصة إنتركونتيننتال على مدار العام، وأصبحت السلع الثلاث أفضل أداءً من الذهب والنفط الخام.
ذكر “دارين نيوسوم” كبير محللي السوق لدى “بارتشارت” أن قصة الكاكاو لم تتغير كثيرًا منذ وقت سابق من العام، حيث لا يزال الطقس السيئ في كوت ديفوار في غرب إفريقيا هو العامل الرئيسي.
هل تواصل الأسعار الارتفاع؟
أضاف “نيوسوم” أنه بالنظر إلى العقود الآجلة فإنها تظهر استمرار الارتفاع، لأنه يتم تسعير العقود الآجلة قريبة المدى أعلى من نظيرتها الأطول أمدًا، وهو ما يشير إلى تزايد القلق بشأن العرض والطلب على المدى الطويل.
وأشار إلى أنه طالما ظل الطقس يشكل مشكلة فإنه يتوقع انتقال المزيد من الاستثمارات إلى قطاع السلع التي يتم زراعتها بما في ذلك الكاكاو.
يرى استراتيجيو بنك “آي إن جي” أن النقص في المعروض المستمر في أسواق الكاكاو والقهوة إلى جانب عدم اليقين بشأن الطقس يعني أن الأسعار ربما تظل متقلبة خلال العام المقبل.
ونقلاً عن بيانات منظمة الكاكاو الدولية، ذكر “آي إن جي” في مذكرة بحثية أن سوق الكاكاو العالمية سجلت أكبر عجز لها منذ أكثر من 60 عامًا في العام التسويقي 2023-2024، بسبب الضرر الذي تعرضت له المحاصيل في ساحل العاج وغانا.
وأضاف البنك أن التوقعات الحالية تظهر أن إنتاج غرب إفريقيا سيرتفع، ومع ذلك، هناك مخاطر على هذا بسبب سوء الأحوال الجوية مؤخرًا.
ويرى “سكوت باور” رئيس أكاديمية “بروسبر” للتجارة التي يقع مقرها في شيكاغو: تأثير تغير المناخ حقيقي تمامًا، ويتوقع عدم اقتصار ذلك على السلع الزراعية فقط، بل سيرفع أسعار معادن مثل الحديد والليثيوم.
ويتوقع ارتفاع أسعار السلع الأساسية في كافة القطاعات في العام المقبل لأن تغير المناخ يفرض صعوبات متزايدة على الإنتاج سواء كانت من حيث الحرارة الشديدة أو الجفاف أو الرياح والأمطار المفرطة.
في حين يرى “رابوبنك” في توقعاته لسوق السلع الأساسية لعام 2025 أن تحديد التأثير الدقيق لتغير المناخ على السوق يشكل تحديًا.
وهو ما يؤكد أن الأزمة التي شهدتها سوق الكاكاو هذا العام والتي دفعت بأسعارها لمستويات قياسية ومكاسب هائلة، ربما لم تنته بعد مع استمرار التحديات التي يفرضها تغير المناخ.