يشير مصطلح “فخ الدخل المتوسط” إلى ميل الاقتصادات النامية سريعة النمو لفقدان زخمها قبل أن تحقق وضع الدول ذات الدخل المرتفع.
ظهر هذا المفهوم لأول مرة في عام 2007 من قبل الاقتصادي في البنك الدولي إنديرميت جيل، وخومي كاراس من معهد “بروكينجز”، وأصبح منذ ذلك الحين موضوعاً لنقاش مكثف بين الاقتصاديين.
ورغم أن بعض الباحثين شككوا في وجود هذا الفخ، فإنه لا يمكن إنكار أن العديد من الدول ذات الدخل المتوسط كافحت للانضمام إلى صفوف الاقتصادات المتقدمة.
فقد أظهرت دراسة للبنك الدولي عام 2013 أن 13 فقط من أصل 101 اقتصاد من الاقتصادات ذات الدخل المتوسط تمكنت من تحقيق هذا التحول بين عامي 1960 و2008.
وشملت هذه الدول اليابان، و”النمور الآسيوية” الأربعة— هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان— بالإضافة إلى دول أوروبية مثل إسبانيا واليونان والبرتغال، بحسب ما ذكره موقع “بروجكت سنديكيت”.
في أغسطس، أثار تقرير التنمية العالمية السنوي الصادر عن البنك الدولي الجدل من جديد، حيث حدد 34 اقتصاداً تمكنت من تجاوز فخ الدخل المتوسط وتحقيق وضع الدخل المرتفع بين عامي 1990 و2022.
تضمنت هذه القائمة الموسعة دولاً من أمريكا اللاتينية مثل تشيلي وأوروجواي، ودولاً من أوروبا الوسطى والشرقية مثل بولندا ورومانيا، والدول البلطيقية الثلاث، ودول الخليج مثل السعودية وعُمان.
يثير هذا التحديث سؤالاً جوهرياً: هل أصبح تجاوز فخ الدخل المتوسط أسهل؟ أم كان دائماً أسهل مما كان يُعتقد؟ وربما لم يكن موجوداً أصلاً.
الإجابة معقدة للغاية، إذ تغيرت معايير تحديد وضع التنمية الاقتصادية للدول على مدى العقود الماضية، مع انخفاض تدريجي في عتبة الدخل المرتفع.
على سبيل المثال، حدد البنك الدولي هذا العام الدول ذات الدخل المرتفع بأنها تلك التي يتجاوز نصيب الفرد فيها من الدخل القومي الإجمالي 13,845 دولاراً، أي ما يعادل حوالي 20% من نصيب الفرد في الولايات المتحدة.
يمثل هذا انخفاضاً عن معايير عام 2012، التي كانت 24% من مستويات الولايات المتحدة، أو معايير عام 1990 البالغة 30%.
يفسر هذا التغيير سبب تصنيف تقارير سابقة لعدد أقل من الدول كدول ذات دخل مرتفع.
ومع ذلك، فإن تصنيف دولة يبلغ نصيب الفرد فيها من الدخل القومي ما يعادل خمس دخل الفرد في الولايات المتحدة كدولة ذات دخل مرتفع يكشف عن عيوب في نهج البنك الدولي، الذي لا يأخذ في الاعتبار مؤشرات مثل الأسعار وقوة الشراء التي تعكس مستويات المعيشة بشكل أكثر دقة.
تُعد ماليزيا مثالاً واضحاً، ففي عام 2023، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ماليزيا (بالدولار) 12,570 دولار، وهو أقل من عتبة الدخل المرتفع.
لكن عند تعديله وفقاً لتعادل القوة الشرائية، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ماليزيا 45.5% من مستويات الولايات المتحدة، مما يعكس مستويات معيشة أعلى بكثير.
في المقابل، تصنف تشيلي كدولة ذات دخل مرتفع، حيث بلغ نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي 16,816 دولار في 2023، لكن دخلها المعدل بالقوة الشرائية يمثل فقط 36% من مستويات الولايات المتحدة.
بعبارة أخرى، تقدم أرقام تعادل القوة الشرائية صورة أكثر دقة لمستويات المعيشة الحقيقية.
وفقاً للنظام الحالي، تظل ماليزيا دولة ذات دخل متوسط رغم أن مستويات المعيشة فيها أعلى من تشيلي.
وبالمثل، تُصنف تركيا كدولة ذات دخل متوسط رغم أن دخلها المحلي الإجمالي المعدل بالقوة الشرائية يعادل 51% من مستويات الولايات المتحدة.
تُظهر بيانات تعادل القوة الشرائية صورة أقل تفاؤلاً عن الأداء الاقتصادي مما تشير إليه تقارير البنك الدولي.
على سبيل المثال، تُظهر الحسابات المستندة إلى بيانات “آفاق الاقتصاد العالمي” لصندوق النقد الدولي لعام 2024 أن الفجوة في الدخل بين المكسيك والولايات المتحدة قد اتسعت منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية حيز التنفيذ في منتصف التسعينيات.
فقد انخفض نصيب المكسيك المعدل بالقوة الشرائية من 35% من مستويات الولايات المتحدة في أوائل 2010 إلى 30% في عام 2023.
شهدت البرازيل وجنوب أفريقيا مسارات مماثلة.
ففي البرازيل، ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المعدل بالقوة الشرائية من 24% من مستويات الولايات المتحدة في عام 2000 إلى 30% تقريباً في عام 2013، لكنه تراجع إلى أقل من 25% في عام 2023.
أما جنوب أفريقيا، فقد ارتفع نصيب الفرد المعدل بالقوة الشرائية من 22% في عام 2000 إلى 25% في عام 2010، ثم انخفض إلى أقل من 20% في عام 2023.
في المقابل، تفوقت الاقتصادات الآسيوية بشكل عام على نظيراتها في أمريكا اللاتينية.
على سبيل المثال، ارتفع نصيب كوريا الجنوبية من الناتج المحلي الإجمالي المعدل بالقوة الشرائية من 30% من مستويات الولايات المتحدة في منتصف الثمانينيات إلى 73% في عام 2023، متجاوزة اليابان، التي انخفضت حصتها إلى 63% من مستويات الولايات المتحدة.
كما تمكنت إندونيسيا من مضاعفة دخلها النسبي مقارنة بالولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، حيث ارتفع من 10% في عام 2000 إلى نحو 20% في عام 2023 دون أي انتكاسات كبيرة.
على الرغم من التقدم المحرز على مدى عقود، لا تزال العديد من الدول ذات الدخل المتوسط تكافح للحاق بركب الاقتصادات المتقدمة، وهي حقيقة غالباً ما تُخفى بسبب خفض عتبة الدخل المرتفع.
يجب على البنك الدولي إعادة النظر في منهجه، لا سيما بالانتقال من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي إلى أرقام تعادل القوة الشرائية التي تعكس مستويات المعيشة بشكل أفضل.
ويمكن أن يقدم هذا التعديل مقياساً أكثر إنصافاً وموثوقية للتنمية الاقتصادية.